من سيحكم السوق النفطية؟

admin
أخبار المال و الاعمالدولي
admin8 فبراير 2015آخر تحديث : منذ 10 سنوات
من سيحكم السوق النفطية؟
33

هناك تغيير تاريخي للأدوار يجري الآن في صميم الصخب والاضطراب حول انهيار أسعار النفط، والتي تراجعت بنسبة 50 % منذ شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.
لعقود من الزمن، وُصفت المملكة العربية السعودية؛ مدعومة بدولة الإمارات العربية في الخليج الفارسي؛ بأنها “منتج متأرجح”، لاسيما مع قدرتها الإنتاجية الهائلة، حيث يمكنها أن ترفع أو تخفض انتاجها لتساعد السوق العالمية على ضبط النقص أو الفائض.
لكن؛ في السابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الراحل، وتحديداً في اجتماع الأوبك الذي عقد في فيينا آن ذاك، استقالت المملكة العربية السعودية من ذلك المنصب وأولت الأوبك جميع المسؤوليات سعر النفط إلى السوق ؛التي يتوقع لها وزير النفط السعودي، علي النعيمي، أن “تحقق الاستقرار لنفسها في نهاية المطاف”.
كان قرار منظمة الأوبك بالكاد مجمع عليه؛إذ  ضغطت كل من فنزويلا وإيران، اللواتي تعاني اقتصاداتها ورطة كبيرة، بشدة لخفض الإنتاج، ولكن دون جدوى.
وبعد ذلك، اتهمت إيران السعودية بشن “حرب نفطية”، وبأنها جزء من “مؤامرة” لبقائه على هذه الحال.
من خلال ترك أسعار النفط للسوق؛ كانت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات بذلك قد مررت أيضاً مسؤولية المنتج المتأرجح الفعلية لدولة لم تتوقع ذلك مطلقاً –الولايات المتحدة الأميركية.
ويُتوقع لهذا النهج أن يواصل على نفس المنوال مع تقلد الملك السعودي، سلمان، مقاليد الحكم حديثاً عُقب وفاة الملك عبدالله.
وذلك يعني أن التقلبات في الإنتاج الأميركي ستؤثر بشكل كبير، إلى جانب إنتاج مصدري النفط في الخليج الفارسي، على أسعار النفط العالمية.
كانت أميركا في فترة من الزمن، إلى حد بعيد، أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، والمنتج المتأرجح له أيضاً إذ حددت لجنة السكك الحديدية التابعة لولاية تكساس المستويات “المسموح بها” لإنتاج لولاية تكساس كالعربية السعودية اليوم.
لكن؛ بحلول العام 1970، كان إنتاج الولايات المتحدة قد وصل أعلى نقطة ل من 9.6 مليون برميل يومياً وبدأ إثر ذلك بالتراجع.
وفي أعقاب ذلك؛ بدأت الولايات المتحدة استيراد النفط أكثر فأكثر وبحلول العام 2008، انخفض إنتاجها النفطي بنسبة 50 % تقريباً عن أعلى نقطة حققتها.
ومع وصول أسعار النفط إلى 147 دولاراً للبرميل الواحد، انتشرت مخاوف أن الإنتاج النفطي العالمي قد بلغ ذروته، وأن مخزوننا بدأ ينفد منه.
ومع ذلك، وفي نوع من الصمت المطلق، بدأت ثورة نفط وغاز غير تقليدية تستعيد سرعة الإنتاج في الولايات المتحدة.
وقد اعتمدت نوعين من التكنولوجيات: التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي وتم قياس التأثير بدايةًً في النمو الإنتاجي السريع للصخر الزيتي، الذي يشكل حالياً ما يقارب نصف إجمالي الغاز الأميركي.
وقفزت “عاصفة الصخر الزيتي” بالولايات المتحدة إلى مركز يتقدم روسيا لتصبح منتج الغاز رقم واحد في العالم.
ومن ثم حول العام 2010؛ بدأت التكنولوجيات المذكورة نفسها تطبق بشكل جدي في التنقيب عن النفط.
وكانت النتائج استثنائية؛ ففي نهاية العام الراحل 2014؛ أصبح إنتاج النفط في الولايات المتحدة أعلى بنسبة 80 % مما كان عليه في العام 2008.
لقد كانت الزيادة؛ التي بلغ حجمها 4.1 مليون برميل يومياً، أكبر من إنتاج كل من الدول الأعضاء في الأوبك بمفردها، إلا ذلك الخاص بالمملكة العربية السعودية.
واليوم؛ عاد إنتاج أميركا إلى ما كان عليه تقريباً في العام 1970.
وفوق كل ذلك، كان هناك مليون برميل يومياً مرة أخرى منذ العام 2008 من النفط الرملي الكندي.
وأصبح وهم “استقلال الطاقة” يبدو أكثر واقعية، على الأقل بالنسبة لأميركا الشمالية.
وتبين أن هذه الثورة دفعة كبيرة للاقتصاد الأميركي أيضاً؛ في ضوء أنها صنعت مزيدا من فرص العمل وحسنت أوضاع الدولة التنافسية، فيما جلبت إلى الولايات المتحدة استثمارات جديدة تتجاوز في قيمتها الـ100 مليار دولار.
في الحقيقة؛ نادراً ما شهدت سوق النفط العالمية ارتفاعات إنتاجية بهذا القدر من السرعة إذ تعود آخر مرة لها إلى بدايات الثمانينات من القرن الماضي عندما أوجدت الإمدادات الجديدة القادمة من ألاسكا وبحر الشمال والمكسيك فائضاً من النفط أدى إلى انهيار الأسعار.
وهذه المرة؛ ساهمت أمور عديدة في تأجيل انهيار الأسعار؛ تمثلت إحداها في الاستهلاك المتزايد له في العالم النامي، الذي قادته الصين، بينما تمثلت أخرى في الاضطرابات التي تعيشها ليبيا وجنوب السودان وغيرها من البلدان التي خفضت إمداداتها تبعاً لذلك.
وخرج أكثر من مليون برميل يومياً من السوق عبر العقوبات المفروضة على إيران.
لولا تلك الطفرة الكبيرة في نفط الصخر الزيتي الأميركي، لكان من المرجح أن تفشل هذه العقوبات في تحقيق أهدافها ولكانت الأسعار قد حلقت، ولكانت الدول الساعية إلى تأمين نفط أرخص ستواجه المشاكل وربما لم تكن إيران لتجلس إلى طاولة المفاوضات النووية اليوم.
ومع ذلك؛ فقد تبدلت الظروف بحلول منتصف الصيف الماضي؛ أذ تباطأ النمو الاقتصادي العالمي، وكانت أوروبا تعاني عجزاً كبيراً منذ العام 2004 وطلب الصين المتنامي بسرعة كبيرة على النفط عاملٌ مُحددٌ لسوق النفط العالمية.
والاقتصاد الصيني كان يتباطأ هو الآخر، ما تُرجم إلى نمو متباطئ في الطلب على النفط بينما، وفي الوقت نفسه، تمكنت ليبيا من مضاعفة إنتاجها النفطي بأربعة أضعاف المرة، أو على الأقل لبعض الوقت وقد كان ذلك محفزاً لبداية انخفاض الأسعار.
كان لمن المفترض أن تتدخل منظمة الأوبك لخفض الإنتاج ورفع الأسعار مجدداً إذ أوجدت استثمارات بتريليونات الدولارات على مدى السنوات العديدة الماضية، معتمدة على هذه الفرضية.
ولكن العربية السعودية ودول الخليج الأخرى رفضت القيام بذلك؛ فلو خفضت الإنتاج، كما عللت، ستفد حصتها في السوق النفطية بشكل دائم.
ستعمل الدول المذكورة على تقليص إنتاج “النفط منخفض التكلفة” بغية إفساح المجال أمام “النفط مرتفع التكلفة”، ومن ثم سيتعين عليها إجراء مزيد من التخفيضات لاستيعاب المزيد من النفط عالي التكلفة.
لم تكن هذه الدول تضع في الاعتبار منافسة النفط الصخر الزيتي الأميركي لها وحده، وإنما المنافسة التي يوجدها النفط الرملي الكندي والإمدادات الجديدة من روسيا والقطب الشمالي والبرازيل وآسيا الوسطى وأفريقيا، بالإضافة إلى الكميات المتنامية من النفط البحري في العالم.
ولكنها، بشكل مباشر أكثر، كانت تنظر إلى دولتين مجاورتين. فلم تكن السعودية ودول الخليج الأخرى تريد أن تتخلى عن الأسواق لمصلحة العراق، الدولة التي يرونها كقمر صناعيٍ إيراني والتي يتزايد إنتاجها باستمرار.
ومن المؤكد أنها لم تكن تود أن تفسح المجال لإيران، التي تعتقد السعودية ومن معها بأنها ستتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وحلفائها، ما سيعود بالنفط الإيراني المفقود إلى السوق مرة أخرى.
قد يكون عمق انخفاض الأسعار حتى أكثر بكثيرٍ مما توقعه بعض منتجي الخليج حيث تخفض شركات النفط، في جميع أنحاء العالم، ميزانياتها وتقوم بتقليص التكاليف وتعمل على إبطاء المشاريع وتأجيل أخرى بل إنه يتم إلغاء بعضها أيضاً.
تأمل العربية السعودية أن يحفز انخفاض أسعار النفط النمو الاقتصادي والطلب على الذهب الأسود. وفي الوقت نفسه، وعبر حيازاتها الكبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي، تستطيع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في الخليج الفارسي الانتظار حتى يحدث ذلك.
ليس الأمر ذاته جيداً  بالنسبة للعديد من الدول الأخرى المصدرة للنفط؛ ففنزويلا معرضة بشكل كبير إلى دخول حالة من الاضطراب وحتى الانهيار المالي.
وروسيا تتعامل حالياً ليس مع انخفاض أسعار النفط، الذي يشكل ما يزيد على 40% من  إيرادات الحكومة، فقط وإنما مع العقوبات المتعلقة بقضية أوكرانيا، ويبدو أنها تتجه إلى ركود عميق أيضاً.
ونيجيريا، التي تعد أكبر اقتصاد في أفريقيا وأكثر دول القارة السوداء اكتظاظا بالسكان، عرضةٌ للخطر هي الأخرى.
ويشكل قطاع النفط 95% من عائدات التصدير لديها و75% من إيرادات حكومتها وها هي عائداتها تنهار في الوقت التي تحتاجها لمحاربة تمرد مجموعة “بوكو حرام”.
بشكل عام؛ يعني انخفاض أسعار النفط انتقال 1.5 إلى 2 تريليون دولار من الدول المصدرة للنفط إلى المستوردة له.
وستكون اليابان إحدى أكبر المستفيدات من ذلك؛ وكذلك ستكون حال الصين وسيستفيد المستهلكون الأميركيون من الأمر هم أيضاً، رغم أنه سيعني (بالإضافة إلى ما ذكر) حفر آبار نفطية أقل هنا، وتوقف مزيد من أجهزة الحفر عن العمل والتخلي عن أعداد متزايدة من العمال. لقد أصبح نفط الصخر الزيتي الأميركي عاملاً جديدا حاسما في سوق النفط العالمية، وبشكل لم يكن بالإمكان تخيله قبل خمسة أعوام.
لقد أثبت أنها ستكون تكنولوجيا هدامة حقاً؛ ولكن هل سيواصل هذا التأثير في عالم من الأسعار المنخفضة؟
أصبح سعر النفط الآن حول 50 دولارا للبرميل، وهو سعر منخفض جداً ليمثل صفقةً جيدة للتطوير نفط الصخر الزيتي الجديد جاعلاً منه مجدي اقتصادياً.
ومع ذلك، فمن المرجح أن يواصل الإنتاج ارتفاعه بحوالي 500 ألف برميل أخرى يومياً في النصف الأول من العام الجاري، كنتيجةٍ للزخم الهائل والالتزامات التي تم التعهد بها من قبل. وعلى الرغم من ذلك، سيتراجع النمو بحلول منتصف العام.
وسوف يعمل المنتجون بجد من أجل تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف، ولكن إنتاج الولايات المتحدة يمكن أن يتراجع في العام 2016 بوجود هذه الأسعار. كما سيتراجع الإنتاج في أماكن أخرى من العالم أيضاً.
ولكن الاقتصاد العالمي يمكن أن يؤدي عندئذٍ بشكل أفضل، بحيث يحفز الطلب على النفط. ويمكن أن تبدأ الأسعار بالارتفاع مرة أخرى. وإذا عمل منتجو الخليج على طريقتهم، فإن الأسعار لن تعود إلى 100 دولار للبرميل. وحتى بأسعار أقل بكثير من 100 دولار، سوف يعثر منتجو نفط الصخر الزيتي الأميركيون على السبل لتخفيض التكاليف وسوف يعود الإنتاج إلى الارتفاع مجدداً. وسوف يجد المنتج المتقلب العلمي الجديد (الولايات المتحدة) نفسه مجدداً في تقلب الأمور.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.