امتدت حمى الهبوط في مؤشرات الأسهم بالأسواق الرئيسية من أوروبا إلى أميركا ثم آسيا صباح الأربعاء، وسط زيادة المخاوف من الفوضى السياسية في إيطاليا وتبعاتها الاقتصادية، خاصة على علاقة إيطاليا بالاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة ـ اليورو.
وتتوقع الأسواق ألا يتمكن رئيس الوزراء المكلف كارلو كوتاريللي من ملء الفراغ الناجم عن فشل ائتلاف الأحزاب الشعبوية الفائزة في انتخابات مارس الماضي في تشكيل حكومة، مع اعتراض الرئيس الإيطالي على مرشحها لمنصب وزير الاقتصاد.
ويتجاوز اهتمام الأسواق والمستثمرين في العالم مشكلات الاقتصاد الإيطالي إلى احتمال دفع الأحزاب الشعبوية الجماهير الإيطالية باتجاه شكل من أشكال الخروج من الاتحاد الأوروبي (إيطاليكزت) على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكزت).
لكن بالطبع يظل الاقتصاد الإيطالي في قلب الأزمة بعدما فشلت محاولة الرئيس توجيه رسالة طمأنة للأسواق بتكليف كوتاريللي، وهو مدير سابق في صندوق النقد الدولي.
فلماذا يعد الاقتصاد الإيطالي مهما لهذه الدرجة؟ وهل للتخوف العالمي من احتمال إفلاس إيطاليا (توقفها عن سداد ديونها) أساس؟ أم هو مجرد رد فعل انفعالي على الأزمة السياسية؟
اقتصاد مختلف
يأتي الاقتصاد الإيطالي في المرتبة الثامنة عالميا من حيث الحجم بناتج محلي إجمالي يدور حول تريليوني دولار، كما أنه الاقتصاد الثالث في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وفرنسا.
لكنه اقتصاد يرزح أيضا تحت وطأة ديون عامة تقارب الثلاثة تريليونات دولار (2.7 تريليون دولار)، تصل نسبتها للناتج المحلي الإجمالي بالتالي إلى أكثر من 130 في المئة.
ومن شأن تنفيذ الوعود الانتخابية لحركة النجوم الخمس الشعبوية ورابطة الشمال المتشددة أن يزيد من عجز الميزانية بأعلى من الحد المسموح به من قبل البنك المركزي الأوروبي، وهو 3 في المئة.
إذ يمكن أن تصل كلفة خفض الضرائب وزيادة إعانات البطالة وخفض سن التقاعد إلى نحو 100 مليار يورو.
وفي ظل الوضع الحالي للاقتصاد الإيطالي قد تؤدي فجوة العجز الهائلة تلك إلى عدم قدرة إيطاليا على الاستدانة لتمويله، ومن ثم تفقد سندات الخزانة قيمتها وتصل إيطاليا إلى وضع أشبه بأزمة اليونان المالية عام 2010.
لكن حجم الاقتصاد الإيطالي يصل إلى عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني، وبالتالي قد يكون من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل على الاتحاد الأوروبي إنقاذ إيطاليا.
ويتشابه اقتصاد إيطاليا نسبيا مع اقتصاد اليونان، من حيث حجم الاقتصاد الموازي فيه ومشكلة عائدات الضرائب.
لكن اقتصاد إيطاليا يتسم بميزة خاصة ضمن الاقتصادات الرأسمالية التقليدية، هو أنه اقتصاد استند أساسا على “الأعمال العائلية”، ورغم النهضة الصناعية والتجارية في الشمال الإيطالي إلا أن أغلب الاقتصاد يظل “عائليا” في أساسه وإن تبنى المعايير الحديثة.
وتعد الكتلة الأساسية للاقتصاد الرسمي هي الكم الهائل من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأغلبها في الشمال مثلما الحال مع تورينو وميلانو مثلا.
كما أن الاقتصاد الموازي، الذي لا يدخل ضمن الأرقام الكلية الرسمية، قد يقترب حجمه من الاقتصاد الرسمي، وهو ما يشكل أزمة للسياسات الحكومية من ناحية فقدانها لعائدات ضرائب هائلة لا تدفعها عصابات المافيا ولا الأعمال المستندة إلى الأوقاف المسيحية وغيرها.
مشكلة أوروبا
ورغم أن إيطاليا عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من نصف قرن، إلا أن الأزمة السياسية الحالية وصعود التيارات اليمينية المتشددة والشعبوية اليمينية واليسارية قد تدفع باتجاه مراجعة علاقة روما ببروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبي).
وهناك من يرى في إيطاليا الآن أن ارتباط البلاد باليورو حد من قدرتها على “تسيير أمورها” في ظل الاختلالات الهيكلية الضخمة في الاقتصاد، ومن شأن العودة للعملة الوطنية (الليرة) أن يمكن روما من تجاوز أزمتها.
ورغم أن ذلك يبدو تفكيرا به قدر كبير من “الشطط”، إلا أن المزاج السائد الآن، والذي مكن الحركة والرابطة من الفوز في الانتخابات يتجه نحو لوم أوروبا (وتحديدا ألمانيا، القوة القائدة الآن في الاتحاد الأوروبي) واليورو، باعتبارها سببا للأزمة، وليس سياسات إيطاليا وطبيعة اقتصادها.
ولا يجد مسؤولو الاتحاد الأوروبي طريقة مناسبة حتى الآن للتعامل مع أزمة إيطاليا، ويبدو أنهم يتعاملون مثل الأسواق المالية بفلسفة “لننتظر ونرى”!
ويضيف ذلك لمخاوف العالم كله من تداعيات ما يجري في إيطاليا، فإذا كان الاقتصاد الإيطالي أكبر من أن يمكن إنقاذه فإن فكرة “أكبر من أن يترك لينهار تماما”، Too big to fail، باتت محل جدال بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة قبل عشر سنوات.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-qf1