مجله مال واعمال – النسخه الورقية العدد 171
بقلم:الاستشاري هلال ابو غوش
الوراثة تعرّف بأنها انتقال الصّفات من الأبوين للأبناء عن طريق الجينات – والجين يتكوّن
من المادة الوراثيّة DNA التي تمتلك جميع معلوماتنا-،
الأمثلة على الوراثة عديدة وملموسة فكثيرًا ما يتم تشبيهنا بأحد الوالدين أو بوجود صفاتٍ متشابهة مثل لون العينين،
الشعر أو الطول ولكن بالطّبع كما يمكن توريث الصّفات الشكليّة فالأمراض تورّث
أيضًا مثل مرض فقر الدم المنجلي (بالإنجليزيّة: sickle cell disease)،
ولأنّ من الصعب وجود أدوية تعالج الأمراض الوراثيّة والتي تكون سببها وجود طفرات أو اعتلال معيّن في الجين فكان من المهم ظهور
طرق علاج أخرى مثل العلاج الجيني (بالإنجليزيّة: Gene therapy)
وهي آلية تستخدم لتعديل جينات المريض كطريقة لعلاج أو منع حدوث مرض معيّن،
ولم يقتصر استخدام العلاج الجيني على الأمراض الوراثيّة فقط، بل تتم دراسة استخدامه لعلاج أنواع من السرطانات وبعض الإلتهابات الفيروسيّة.
آليّة العلاج الجيني
في كثير من الأحيان يولد الإنسان بطفرات أو علل موجودة في جيناته، في حين أيضًا يمكن أن تحدث بعض الطفرات خلال فترة حياته،
ولكن أي تغيّر يحدث في الجينات من الممكن أن يؤثّر على تصنيع البروتين –وهي المادة التي يتم صنعها وفقًا للمادة الوراثيّة المكوّنة للجين – مما يؤدّي لاحقًا لحدوث أمراض معيّنة.
باستخدام آليّة العلاج الجيني طّور العلماء ثلاث طرق للعلاج تعتمد على ماهيّة المشكلة المسبّبة للمرض، حيث تتضمن:
•استبدال الجين المعتلّ بنسخة أخرى صحيحة.
•تعطيل عمل الجين المسبّب للمرض.
•إدخال جين جديد للجسم للمساعدة في علاج المرض.
حيث يتم استبدال \ تعطيل أو إدخال الجين من خلال أساليب عدّة، فمثلًا يتم إدخال الجين باستخدام ناقل
(بالإنجليزيّة: Vector) معدّل جينيًا ووظيفته إيصال الجين لداخل خلايا الجسم،
وتختلف النواقل حسب معاييرمعيّنة يحدّدها العالِم أو الطبيب فيمكن استخدام أنواع من البكتيريا أو الفيروسات كنواقل مثلًا!
في حين لدينا أيضًا تقنيات لتعديل الجينات مثل CRISPR-Cas 9 وتستخدم هذه التنقية لتعديل وإصلاح منطقة معيّنة من المادة الوراثيّة،
وفي حالاتٍ أخرى يتم فيها إزالة بعض الأنسجة من الجسم وتعديلها جينيًّا ومن ثم إعادة إدخالها إلى خلايا المريض.
أمراض تمّ استخدام العلاج الجيني فيها
أمراض تمّ استخدام العلاج الجيني فيها
سعى العلماء على مدار عقود طويلة لإيجاد طرق فعّالة وآمنة يتم فيها علاج الأمراض الوراثيّة وغيرها، لتتم الموافقة أخيراً على استخدام
العلاج الجيني في ثلاث حالات من قبل منظّمة الغذاء والدّواء في عام 2017، ومن ضمن هذه الحالات:
• الطّفرة المسبّبة لفقدان البصر وتسمّى biallelic RPE65 mutation حيث ترتبط بضمور الشبكيّة والتي من المحتمل أن تؤدّي إلى فقدان البصر بشكل كامل لدى بعض المرضى،
تتواجد هذه الطفرة في حوالي 1000-2000 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم آليّة العلاج الجيني
والذي أخذ مسمّى Luxturna على إدخال النسخة الصحيحة من جين RPE65 عن طريق ناقل فيروسي تم تعديله جينيًّا إلى خلايا الشبكيّة،
ومن ثمّ تقوم الخلايا الشبكيّة بإنتاج البروتين الطبيعي لإعادة البصر للمريض.
• ابيضاض الدم اللّمفاوي الحاد (بالإنجليزيّة: acute lymphoblastic leukemia)،
أحد أنواع سرطان الدم ونخاع العظم والذي
يسبب تصنيع خلايا دم بيضاء غير طبيعيّة داخل الجسم مما يؤدي إلى حدوث السرطان، ويعتبر من أكثر السّرطانات المنتشرة عند الأطفال،
تقوم آلية العلاج الجيني والذي أخذ مسمّى Kymriah على جمع عيّنة من الخلايا التائيّة من المريض (بالإنجليزيّة: T cells ( – وهي نوع من أنواع خلايا الدم البيضاء
ولها دور مهم في الإستجابة المناعيّة- ومن ثم تعديلها جينيّا بحيث يتم إدخال
الجين الجديد والذي يحتوي على بروتين معيّن وبدوره سيحفّز الخلايا التّائية لدى المريض لقتل الخلايا السرطانيّة.
الاستشاري د.هلال ابو غوش
الاسم الابرز في طب النسائية واطفال الانابيب…
مدى أمان وفعاليّة العلاج الجيني
إلى الآن يتم دراسة ومتابعة مدى أمان وفعاليّة العلاج الجيني وإذا ما سيتم استخدامه كعلاج للأمراض،
دراسات عديدة أوضحت أنّ العلاج الجيني يمكنه التسبّب بعدّة مخاطر صحيّة مثل حدوث تسمّم، التهابات أو سرطان وذلك لكونه
جديد نسبيًّا والكثير من آثاره الجانبيّة غير متوقعة أو معروفة، إلى جانب ذلك أيضًا يعتبر العلاج الجيني حقلًا معقّدًا ويحتاج للعديد من التجارب طويلة الأمد للتأكد من مدى فعاليّته.
مخاطر العلاج الجيني
كما ذكرنا سابقًا يوجد العديد من المخاطر عند استخدام العلاج الجيني، فمثلًا يواجه العلماء صعوبة في إدخال
جين معيّن للخليّة المعنيّة مباشرة بواسطة الناقل وغالبًا ما يكون الناقل عبارة عن فيروس- بحيث يتم إزالة أي
جينات مسبّبة للمرض من الفيروس واستبدالها بالجين المطلوب قبل إدخاله لجسم المريض – ولكن
مع اتخاذ جميع الإجراءات إلّا أنّ حدوث بعض التحدّيات مازال موجودًا ومنها:
• تحفيز جهاز المناعة لدى المريض بسبب إدخال جسم غريب مما قد يسبب بحدوث التهابات أو فشل في الأعضاء.
• استهداف خلايا غير الخلايا المطلوبة.
• حدوث عددوى فيروسيّة.
• احتماليّة حدوث سرطان بسبب إدخال الجين إلى غير مكانه المطلوب في المادة الوراثيّة.
مستقبل العلاج الجيني
وعلى الرغم ممّا أوردناه سابقًا من المخاطر والآثار الجانبيّة للعلاج الجيني ، إلّا أن العلماء يرون فيه
نسبة نجاح عالية لعلاج العديد من الأمراض في المستقبل بعد تفادي المخاطر الناتجة عنه أو الحد منها بالطّبع،
فالتجارب السّريرية والدراسات لاتزال موجودة ويتم تطويرها والعمل على تحسين نتائجها، فمثلًا أوضحت الدراسات
نجاحًا للعلاج الجيني في معالجة مرض عوز المناعة المشترك الشديد، نزيف الدم الوراثي، التهاب الشبكيّة الصباغي وسرطان الدم.
وبالتأكيد فإنّ منظمة الغذاء والدواء (FDA) والمعهد الوطني للصحة في أميركا (NIH) ومجلس المراجعة المؤسسي (IRB) لن يوافقوا على أي علاج جيني إلّا بعد التأكد من مدى فعاليّته وأمانه على المريض ودراسة الآثار الجانبيّة له بشكل دقيق.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-F8C