ينهش الفقر الاف الاسر ويضعف مناعة المقاومة عند كثير من العائلات العفيفة التي تتشبث بالكرامة وتلتحف العزة وتتوسد الانفة ولكن الذي يجري من استعداء للحالات الانسانية والاجتماعية التي وصلت اليها الاوضاع الاقتصادية تفاقم الازمة ولا تبقي مجالا لعاقل او حليم او كريم او عفيف لانه في المحصلة الانسان يبحث عن الطعام والشراب وسترة الحال والاولاد والعيال لكنها حياة قاسية بكل ما في الكلمة من معان لها ما يتبعها من متطلبات واستحقاقات.
ما يجري في حارات عمان ليس اقل بؤسا مما يجري في الاطراف والمناطق البعيدة عن العاصمة فالفقر لا يفرق بين ضحاياه ولا يتردد في الوصول الى من تقع عليه ايديه المتعطشة دوما الى مزيد من اصحاب الحظ التعس.
ولكنك تسمع ان عائلات تعيش على الكفاف واقل من ذلك ولا تسمع منها انينا الا بصمت مع ان العيون تحكي قصصا وحكايات عن الحال ومع هذا يتذرع رب الاسرة انه يعيش الحياة مثله مثل غيره من ابناء جلدته وحارته ولا يشعرك انه بحاجة بل قد يسألك ان كنت انت بحاجة فتقع في حرج فانت تريد ان تساعد فيعرض عليك من تريد مساعدته ان يساعدك فمن تصدق عينيك ام اذنيك ام القصص التي يرويها طرف ثالث يتحدث عن شظف العيش الذي تمر به الاسر المعدمة.
هناك اسرة مؤلفة من خمسة وعشرين فردا بين انثى ورجل وبين طفل وشيخ وشاب وامراة وابناء وكلهم يندلقون في شقة او شبه شقة واحدة تكفيهم لتكون المطبخ والحمام وغرف الجلوس والاستقبال والضيوف والخزين ولعب الاطفال وشقاوتهم اضافة الى الفاقة الكبيرة التي تعيشها الاسرة ولا احد يسأل فيها.
وهناك اب يعيش مع بناته الست في غرفة واحدة يختنق معهم فيها للاكل والشرب والحمام ويعيشون جميعا على معونات تأتيهم من صندوق المعونة الوطنية تصل الى مائة وسبعين دينارا منها فاتورة الماء واخرى للكهرباء وايجار الدار وما يتبقى يتقاسمه افراد العائلة طعاما وشرابا وبعد ذلك تبذر الاسرة الحزينة بقية المبلغ فتشتري ما تشتهيه الانفس.
الفقر يغتال النفس ويملأ القلوب حقدا على مجتمع يرمي المشاوي والارز والمناسف في الحاويات وابناء الحارة الواحدة ينامون بلا طعام الا من رحم ربي وهم في حالة يائسة من الضنك وضعف ذات اليد.
الا ان المفاجأة ان هذه المناطق تعيش مأساة اخرى الا وهي مداهمة المادة المخدرة اليها وتسللها بعنف الى عدد كبير من شباب تلك المناطق المعدمة فتزداد المعاناة وتضعف الحالة التي تسمى كرامة فتندثر بقايا الرحمة والانسانية ولا يعود فرق بين خير وشر وحسن وسيىء حيث تتساوى الاشياء في رحلة واحدة ووقت واحد فكيف يكون العيش وسط كل هذه الحالات المتراجعة والمهملة وكلنا يعرف ما يجري ولا احد يعلق الجرس وكاننا مخدرون ولا نحرك ساكنا فاذا استمر الحال فتلك مصيبة المصائب لان جيلا باكمله يهتز وهو الجيل الناشىء الجديد فلا تعود الامة تراهن على هذه الاشكال وستعصف بنا اهواء وانواء لم نكن نصدق انها تعيش بيننا وهي تحضر نفسها لتنطلق في اية لحظة لكننا غائبون او مغيبون فهل يعقل ان تداهمنا تلك الاوضاع ونحن في سبات؟ وهل من العقل ان يبقى الناس مكتوفي الايدي والخطوب تداهمهم؟ فاين اصحاب الضمائر الغائبة او الحاضرة او المستترة التي باتت لا تسأل ولا تأبه لشيء؟ كلنا نقع امام تحديات لا يجوز السكوت عليها لان استمرارها بهذا السوء سوف يقتلع الاخضر واليابس فالجوعان والمحروم لن توقفه العبارات المعسولة التي نصرفها لبعضنا في حال الاسترخاء.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-1yr