«العروسة»، «الحنونة»، «الوردة»، هذه الصفات لا تنعت سيّدة جميلة أو أمّاً أو محبوبة، بل هي أسماء يطلقها الجزائريون على السيارات القديمة المرغوبة والمدلّلة أكثر من الجديدة. فهي «غالية» و «عزيزة» على أفراد الأسرة كلها وليس على صاحبها فقط. ويُعتنى بها كالفتاة المغناج ولا تظهر إلا في المناسبات السعيدة والخاصة جداً. تُحفظ هذه السيارات الثمينة في المستودعات من الشمس والغبار، وتُغسل وتنظف بانتظام لتبقى براقة وجذابة للزبون الذي قد يستأجرها لقاء مبالغ خيالية خصوصاً في حفلات الزواج.
العروسة سيارة سوداء اللون تجوب شوارع بن عكنون والأبيار وشوفالي وبوزريعة في قلب العاصمة الجزائرية، يعتز بها صاحبها جمال الدين وكأنها «قطعة منه» كما يقول. فهو لا ينام ولا ينهض إلا على صورة السيارة التي «تقيم» في مستودع في الطابق الأرضي لبيت العائلة. لا يلمسها أحد سواه، ولا يغسلها سواه، ويقودها مرة في الشهر أو أكثر بصحبة أبنائه الثلاثة.
يصر أصحاب السيارات ذات الأطرزة القديمة على عدم بيعها أو حتى قبول التفاوض على ذلك. بجواب مقتضب يؤكد جمال الدين أنها «ملكية الورثة». وإن أراد أحد بيعها فهو لن يتمكن من ذلك، لأنها «إرث جميل جلبها الجدّ في نهاية ستينات القرن العشرين من فرنسا، وتركها للوالد ومنه للأبناء والأحفاد».
العروسة أصبحت ذات موقع مهم في عائلة جمال الدين خصوصاً بعدما توفي والده في كارثة فيضانات باب الوادي عام 2001، وهو ما يجعله اليوم يتشبّث بها كأنها فرد من أفراد العائلة. على رغم العروض التي تنهمر على جمال الدين لبيع سيارة العائلة، هو يرفض ذلك رفضاً قطعياً، موضحاً أنه يستعملها في نزهة خفيفة نحو «سيدي فرج» أو «اسطاوالي» مع ولديه وزوجته، فهي قديمة لكن علاقته بها «روحية» أكثر بكثير من أي مبلغ يقدم له مقابل بيعها.
سيارة «سيمكا» خضراء، بقيت قابعة عشر سنوات في مستودع بيت العائلة في مدينة مستغانم غربي العاصمة الجزائرية. تقول سعاد أنها تُسميها «حنّونة» باللهجة الشعبية الجزائرية أي «مدللة في العائلة»، تعتني بها هي وأبناؤها، لا تخرج من المستودع إلا في المناسبات كالأعياد، حين تزينها وتنظفها وتسوقها برفقة ابنيها. وتصف سعاد علاقتها بـ «سيمكا» (فرنسية الصنع) كأنها ابنتها التي لم تنجبها بعد. عروض كثيرة تلقتها صاحبة «سيمكا» وبمبالغ خيالية حتى تذعن وتبيع «جوهرتها» الثمينة، لكنها تردد دوماً «المال لا يعوض ما تركه الوالد»، فضلاً عن تعلّقها بـ «الخضراء» كثيراً ولا يمكنها أن تفرّط بها، خصوصاً أن هذا النوع من السيارات لا يوجد مثله في الجزائر. وتؤكد سعاد أن «حنونة» وردت في وصية أهلها بأن «لا تباع لتبقى إرثاً للأولاد والأحفاد».
تعود السيارات القديمة إلى واجهة الشوارع الجزائرية، كما أنها تلفت الانتباه وتثير الفضول. وتستوقف المارة وسائقي السيارات، وغالباً ما تصنع أصواتها وقتاً عابراً يرجع إلى سنوات الزمن الجميل.
وبذلك تنافس السيارات القديمة بشتى أشكالها وألوانها السيارات الفارهة والجديدة، كما باتت قيادة السيارات القديمة نوعاً من الترف وخصوصاً في حفلات الزواج. فهي ظاهرة جديدة في الاحتفالات بالزواج والأعراس، إذ تشترط الزوجة على زوجها أن تركب سيارة قديمة من بيت أهلها نحو بيت زوجها، في موكب تزينه مختلف السيارات الجديدة، ليكون عرسها متميزاً وتفخر بذلك أمام الجميع.
آلاف السيارات الجديدة تجوب شوارع الجزائر، لكن البعض أسرتهم السيارات القديمة، رافعين شعاراً مستوحى من الحكمة الشعبية الجزائرية القائلة «الجديد حبّو والقديم ما تفرّط فيه»، كما يقول سيّد علي (67 سنة). ويضيف: «تشبث بعضهم بسيارة من نوع قديم والاعتناء بها ورعايتها، يشبه الحفاظ على بيت العائلة الكبير الذي لا يباع ولا يشترى، وإن اتفق وقرر ورثة البيت بيعه، سيقبضون المال وسيتفرق الإخوة بخسارة ما كان يوماً يجمعهم»…
المصدر : https://wp.me/p70vFa-esg