في عالم الضيافة التنافسي، لم تعد الاستدامة مجرد اتجاه خاص، بل أصبحت استراتيجية عمل بالغة الأهمية. إذن، هل تساهم إقامتك الفندقية التالية في جعل الكوكب أكثر اخضرارًا ودعم المجتمعات المحلية؟
أصبحت الفنادق الخضراء تحظى بشعبية متزايدة بين قطاع الضيافة والسياحة في المملكة العربية السعودية، وهو خبر رائع بالنسبة للمهتمين بالبيئة في المملكة.
ولجذب العملاء وزيادة الأرباح، يركز عدد من المستثمرين الآن على المبادرات التي تعزز الاستدامة.
لقد اكتسب الدفع نحو السياحة المستدامة زخمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث كانت صناعة الفنادق في طليعة هذا التحول.
الاتجاهات الحالية
وقال نيكولاس ماير، الشريك في شركة PwC الشرق الأوسط، الرائدة عالمياً في صناعة السياحة، لصحيفة عرب نيوز إن التركيز على الاستدامة البيئية والاجتماعية هو ما يقود التغيير في المملكة.
وأوضح أن الاستدامة البيئية مهمة عندما يتعلق الأمر بكفاءة الطاقة وممارسات البناء المستدامة.
وأشار ماير إلى أن دمج تكنولوجيا إنترنت الأشياء وأنظمة إدارة المباني المتقدمة يحدث ثورة في كفاءة الطاقة في الفنادق.
وأضاف ماير: “إن أجهزة استشعار الصيانة الوقائية وتحليلات الطاقة المتقدمة تساهم بشكل كبير في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أن هذه التحسينات غالباً ما تكون غير مرئية للمستهلكين”.
تركز عمليات بناء وتجديد الفنادق بشكل متزايد على الاستدامة، مما يعني أنه عند بناء أو تحديث المباني، يستخدم المطورون ممارسات تقلل من التأثير البيئي، مثل استخدام مواد صديقة للبيئة وتقنيات موفرة للطاقة.
وأضاف ماير: “إن المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تعمل على ضمان عدم إلحاق الضرر بالنظم البيئية نتيجة للتطورات السياحية الجديدة، وخاصة حول البحر الأحمر والوجهات الداخلية”.
نيكولاس ماير، شريك في شركة PwC الشرق الأوسط الرائدة في صناعة السياحة على مستوى العالم
وأضاف: “من المتوقع أن تسفر التخطيط البيئي الاستباقي الذي تنفذه السلطات السياحية السعودية عن تطوير وجهات أكثر استدامة مقارنة بالوجهات الأكثر رسوخًا”.
ويؤكد الجانب الاجتماعي للاستدامة في السياحة، والذي يشمل تنمية القوى العاملة المحلية والمشاركة المجتمعية، على أهمية التعاون مع المجتمعات وأصحاب المصلحة.
هناك اعتراف متزايد بأن السياحة يجب أن تتم في أنظمة بيئية محمية جيدًا، ومن واجب المطورين والمشغلين تعزيز ودعم هذه الأنظمة.
وأوضح كريج هيويت، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للفنادق في تطبيق السفر ويجو، لصحيفة عرب نيوز: “يتطور مشهد السياحة المستدامة داخل صناعة الفنادق بسرعة. هناك تحول واضح نحو الممارسات الصديقة للبيئة، حيث يعطي المسافرون الأولوية بشكل متزايد للفنادق التي تتوافق مع قيمهم البيئية”.
وأضاف: “لقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على مبادرات مثل الحفاظ على المياه وكفاءة الطاقة والحد من النفايات. ويتجلى ذلك في مشاريع مثل مشروع البحر الأحمر، الذي يُظهر نهجًا شاملاً للتنمية المستدامة”.
تجربة مشرقة
إذا ظلت الاستدامة في طليعة صناعة الفنادق، فهل يعني هذا أنها ستعزز تجارب الضيوف؟
وبحسب دراسة أجرتها وكالة السفر عبر الإنترنت Booking.com في أبريل/نيسان، يعتقد 83% من المسافرين أن السفر المستدام مهم، ويقول 75% من المسافرين حول العالم إنهم يريدون السفر بشكل أكثر استدامة خلال الأشهر الـ12 المقبلة.
وقال جيمي تشارلزورث، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط والهند في شركة وايت ووتر، المتخصصة في تصميم وتصنيع منتجات الحدائق المائية، لصحيفة عرب نيوز: “لا يتعلق الاتجاه فقط بتلبية توقعات المستهلكين، بل يتعلق أيضًا بتمييز العلامات التجارية في سوق تنافسية. لقد أدركت الفنادق أن الاستدامة ليست اتجاهًا عابرًا ولكنها عامل حاسم في جذب الضيوف والاحتفاظ بهم”.
وأضاف: “ومع ذلك، هناك قصة تحذيرية حول التضليل البيئي، حيث قد تبالغ الشركات في ادعاءاتها المتعلقة بالاستدامة دون اتخاذ إجراءات ذات مغزى. ولتجنب ذلك، فإن الشفافية والمصداقية هما المفتاح”.
تعمل الممارسات المستدامة في الفنادق على تحسين تجربة الضيف بشكل كبير من خلال توفير روابط حقيقية وجذابة مع الثقافة المحلية والمجتمع والبيئة.
جيمي تشارلزورث، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط والهند في شركة وايت ووتر، الشركة المتخصصة في تصميم وتصنيع منتجات الحدائق المائية
يبحث الضيوف اليوم عن أكثر من مجرد وسائل الراحة القياسية – فهم يريدون تجارب توفر لهم نظرة حقيقية على طريقة الحياة المحلية والمناطق المحيطة بها.
وأضاف ماير: “على سبيل المثال، الفنادق التي تدمج الحرف والمأكولات السعودية المحلية في عروضها أو توفر فرصًا للضيوف للمشاركة في الأنشطة الثقافية التقليدية أو حتى الحياة الاجتماعية السعودية اليومية تخلق إقامة أكثر جاذبية ولا تنسى وتوفر فرص إنفاق إضافية مما يساهم بدوره في ربحية الفندق”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، فإن المبادرات مثل الحصول على الغذاء من المزارع المحلية أو التعاون مع الحرفيين المحليين للديكور لا تدعم الاقتصاد المحلي فحسب، بل تعمل أيضًا على إثراء تجربة الضيوف – وهناك العديد من الأمثلة على ذلك في مشاريع الفنادق الأخيرة في العلا والبلد وأماكن أخرى في المملكة”.
وأوضح ماير أيضًا أنه عندما تقوم الفنادق بتنسيق خدماتها مع رغبات الضيوف في الحصول على تجارب مستدامة وثقافية أصيلة، فإن هذا لا يجعل العملاء أكثر سعادة فحسب، بل يعود أيضًا بالفائدة المالية على المنتجعات.
ومن خلال تلبية هذه التفضيلات، تتمكن الفنادق من جذب المزيد من الضيوف وبناء الولاء، مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات.
وتعزز هذه النتيجة الإيجابية التزام الشركة بالاستدامة، مما يخلق دورة يتم فيها تعزيز رضا العملاء والنجاح الاقتصادي بشكل مستمر.
وأضاف ماير قائلاً: “وعلاوة على ذلك، فإن الممارسات البيئية المستدامة، رغم أنها غالبًا ما تكون أقل وضوحًا للضيوف، تساهم في تحسين التجربة من خلال ضمان بيئة مسؤولة ونقية”.
وأضاف: “إن التقنيات المتقدمة في مجال كفاءة الطاقة وإدارة المباني الذكية وممارسات البناء المستدامة تعمل على تقليل البصمة البيئية لأصول الضيافة”.
دور التكنولوجيا
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تعزيز الممارسات المستدامة داخل صناعة الضيافة. تعمل الابتكارات مثل منظمات الحرارة الذكية والإضاءة الموفرة للطاقة وأنظمة إدارة النفايات على تحويل عمليات الفنادق.
وأضاف هيويت: “إن تركيز المملكة العربية السعودية على التحول الرقمي يتماشى تمامًا مع الحاجة إلى الحلول التكنولوجية في قطاع الضيافة. وتعد التكنولوجيا أداة قوية في دفع الممارسات المستدامة داخل صناعة الفنادق”.
وأضاف: “من أنظمة إدارة الطاقة إلى أدوات الضيوف الرقمية، يعمل الابتكار على تحويل طريقة تشغيل الفنادق”.
وهناك جانب مهم آخر يتمثل في التقنيات المتقدمة التي تعمل على تحويل كيفية إدارة الفنادق لاستخدامها للطاقة، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأضاف ماير: “تسهل التكنولوجيا دمج الممارسات المستدامة في العمليات اليومية، مثل تدابير الحفاظ على المياه وأنظمة إدارة النفايات، وبالتالي تعزيز الاستدامة الشاملة في عمليات الفنادق”.
وتابع: “على الجانب الاجتماعي، تعمل التكنولوجيا على تمكين المشاركة المجتمعية بشكل أفضل وتنمية القوى العاملة من خلال منصات تسهل التوظيف والتدريب والمشتريات المحلية”.
ومع ذلك، أوضح ماير أن الفنادق تواجه العديد من التحديات عند تنفيذ الممارسات المستدامة، بما في ذلك التكاليف الأولية المرتفعة، ومقاومة التغيير، وتعقيد دمج التقنيات الجديدة.
وأضاف أن “الاستثمار الأولي الكبير المطلوب في أنظمة كفاءة الطاقة والبناء المستدام والشراء المحلي يمكن أن يشكل رادعًا، وخاصة بالنسبة للمشغلين الأصغر حجمًا”.
وأضاف المسؤول في شركة PwC الشرق الأوسط: “هنا يتمتع النظام البيئي السياحي في المملكة العربية السعودية بميزة عالمية، حيث إن العديد من الفنادق لا تزال قيد الإنشاء الآن، وهو ما يعتبر أكثر كفاءة من حيث التكلفة من تجديد المباني القديمة. كما يتطلب دمج التقنيات المتقدمة مثل إنترنت الأشياء وأنظمة إدارة المباني الذكية معرفة وتدريبًا متخصصين، مما يزيد من التعقيد”.
وأضاف ماير أنه قد تكون هناك حاجة إلى تدريب إضافي وحملات توعية من جانب الموظفين والإدارة الذين اعتادوا على الممارسات التقليدية وقد لا يرون الفوائد المباشرة لجهود الاستدامة.
وأضاف أنه “للتغلب على هذه التحديات، يمكن للفنادق أن تسعى للحصول على حوافز ومنح حكومية تهدف إلى تعزيز الاستدامة، والدخول في شراكات مع المجتمعات المحلية والموردين لتقاسم التكاليف والفوائد، والاستثمار في برامج تدريبية شاملة لبناء الدعم الداخلي والخبرة”.
وأضاف أن الحكومة السعودية، من خلال وزارة السياحة وصندوق التنمية السياحية وبرامج أخرى، تقدم أيضاً مجموعة واسعة من الدعم والبرامج التي تهدف إلى تسهيل المبادرات المحلية.
التطور القادم
واستعرض ماير التطور المتوقع للسياحة المستدامة في قطاع الفنادق، مسلطاً الضوء على العديد من الاتجاهات والتغييرات الرئيسية.
وأكد أن “السياحة المستدامة في قطاع الفنادق من المتوقع أن تصبح خلال السنوات الخمس المقبلة حجر الزاوية في إدارة الضيافة. وسوف تتبنى الفنادق بشكل متزايد أطر الاستدامة المتكاملة التي توازن بين الأهداف البيئية والاجتماعية والاقتصادية”.
وأوضح أن استخدام التقنيات الذكية، مثل إنترنت الأشياء وأنظمة إدارة الطاقة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، سيصبح واسع الانتشار، مما يعزز كفاءة الموارد ويقلل تكاليف التشغيل.
وأضاف ماير قائلاً: “علاوة على ذلك، سيكون هناك تركيز أقوى على الاستدامة الاجتماعية، مع استثمار الفنادق في المجتمعات المحلية من خلال برامج تنمية القوى العاملة، والتوريد المحلي، ومبادرات المشاركة المجتمعية”.
وتتوقع ويجو أيضًا أن تشهد نموًا مستمرًا ومتسارعًا في السياحة المستدامة داخل قطاع الفنادق.
وقال هيويت: “مع تزايد الطلب من جانب المستهلكين على الخيارات الصديقة للبيئة، فسوف تحتاج الفنادق إلى التكيف والابتكار للحفاظ على قدرتها التنافسية”.
وأضاف: “نتوقع التركيز بشكل أكبر على اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات، مع استخدام الفنادق للتحليلات المتقدمة لتحسين أدائها في مجال الاستدامة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك تركيز متزايد على مبادئ الاقتصاد الدائري، مع تنفيذ الفنادق لاستراتيجيات للحد من النفايات والحفاظ على الموارد”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-JgA