بعد مرور نحو 168 عاماً على انعقاد أول إكسبو في العالم، تحول هذا الحدث إلى منصة تعرض إنجازات البشرية في الإبداع والابتكار.
ولم تتشكل هذه المنصّة في فترة قصيرة بل امتدت على سنوات طويلة، من أجل أن تتبلور وتؤتي أكلها وثمارها وتدخل في نسيج حياة الناس وتعطي الحلول للمشكلات الحياتية، وهذه الفترة تمتد من إكسبو لندن 1851 إلى دبي 2020، وهو موضوع سلسلة من الحلقات تنشرها «البيان».
فقد رسمت هذه السنوات مستقبلاً أفضل للبشرية من خلال تراكم المعارف والخبرات والتقنيات والابتكارات التي حولها الإنسان في خدمته.
وهكذا تمكن إكسبو من أن يتبوأ مكانة رمزية بين الحدثين الدوليين الأكثر شعبية وهما: الألعاب الأولمبية، وكأس العالم، حتى فاق في أهميته هذين الحدثين، لأن زوار معارض إكسبو يتألفون من جميع فئات المجتمع ولا يقتصر جمهورها على الرياضيين ونخبهم كما في الحدثين الأولين أي أن جمهوره أكثر اتساعاً من أي جمهور على الإطلاق.
لذا أصبحت معارض إكسبو العالمية أكثر تفاعلاً واندماجاً في مجتمع المعرفة الذي يشكل صرحاً له أهميته في حياة البشر.
ومن هنا انطلق تميّزه وحيويته وشعبيته كتظاهرة عالمية وكونية وإنسانية شاملة، تخص البشرية جمعاء. فقد قدم الحدث الكثير من ثماره إلى المجتمع، واستوحى الناس أسلوب حياتهم من هذا المجرى الخلاق من المعارف والعلوم التي تراكمت عبر العصور.
تتحفنا معارض إكسبو كلما انعقدت كل خمس سنين، وتستمر ستة أشهر بالكثير من الاكتشافات والابتكارات التي مهدت الطريق لحياة أفضل من خلال البحث الفلسفي العميق عن مغزى الحياة، والاحتفاء بكل ما هو جديد.
لذا فهو يستقطب الملايين، ويكتشف الزوار فيه الأجنحة والفعاليات الثقافية التي ينظمها مئات المشاركين، بما في ذلك الحكومات والشركات والمنظمات الدولية في أكبر الفعاليات العالمية غير التجارية من حيث التأثير الاقتصادي والثقافي.
منذ إنشائه في لندن عام 1851، زار أكثر من مليار شخص معارض إكسبو، إذ أصبح بوتقة تجتمع فيها البشرية لكي ترى الإبداع وتتلمس ملامحه بصورة عملية من خلال تجسيدات الذهن البشري، وتواصله مع البيئة التي يعيش الإنسان في كنفها ويرى بعينيه كيف تتطور العناصر في الكون وتتحول وتصبح ذات فائدة عامة.
لم يكن يتخيل القائمون على أول إكسبو، بالمفهوم العملي، أهميته في بادئ الأمر، لكن تطوره جعله من أهم التظاهرات على الإطلاق من خلال الأعداد الغفيرة التي تحرص على زيارته كلما انعقد، وهي بالملايين، ما دفع بعجلة التقدم العلمي والاكتشافات إلى الأمام.
وخلال سنوات قليلة، تم تشكيل المكتب الدولي للمعارض من أجل الإشراف على تظاهرة إكسبو وتقييم جودتها ومراقبة عملها وتواصلها مع الجمهور النوعي. وظلت هذه التظاهرة تستمر ولم تتوقف إلا أثناء الحرب العالمية الثانية.
تكاثرت البحوث حول تاريخ معارض إكسبو الدولية في السنوات الأخيرة، وخاصة ربطها بالأشكال المعمارية وأسلوب الحياة للبلدان التي أتحفت العصر بمختلف الابتكارات والاختراعات التي امتدت إلى تخصصات متنوعة مثل التاريخ والجغرافيا والثقافة والدراسات الحضرية، وتاريخ الفن.
وقد أرّخت لذلك إصدارات وكتب عديدة إضافة إلى عدد هائل من الأفلام التسجيلية وأفلام الخيال العلمي. كما تم نشر ببليوغرافيا عن إكسبو عبر الإنترنت أول مرة في نوفمبر 2000، واستضافت موقع «نظرية العمارة» على الشبكة العنكبوتية في جامعة براندنبورغ للتكنولوجيا.
ومن ثم تم تحديث هذه الببليوغرافيا مع إدخالات معارض إكسبو الجديدة في دالاس 1937، درسدن 1911 و1930، لندن 1910، ريو دي جانيرو 1922-1923، سيدني 1879، وتورين 1884، 1898، 1902 و1911. واختتمت البيبلوغرافيا تحديثها الأخير في نوفمبر 2006.
ويرعى المكتب الدولي للمعارض هذه البيبلوغرافيا والمعلومات الأخرى من أجل فهم مدى أهمية معارض إكسبو في التاريخ الحديث، وهي مسجلة ومعترف بها رسمياً، في حين تم استبعاد 33 منها. وتحتوي على معارض إكسبو من لندن إلى شنغهاي 2010، وتشمل معظم البلدان المضيفة ومنها الغربية أو ذات الأصول الغربية، مع بعض الدول الآسيوية والأفريقية.
حاول إكسبو الاشتباك بتاريخ العالم، ورسم خريطته الإبداعية، فنلاحظ أن بلجيكا في إكسبو 1958 ركزت على «الأتوميوم» الضخم المصنوع من الكريستال الصلب، أحد معالم مدينة بروكسل.
بينما ركز إكسبو 1970 في مدينة أوساكا اليابانية على عرض نماذج الهواتف النقالة الأولى، وعرضت الولايات المتحدة صخرة قمرية كبيرة في جناحها، أحضرها رواد فضاء مركبة أبولو 12 إلى الأرض عام 1969.
وتناول إكسبو 1986 في مدينة فانكوفر الكندية موضوع النقل والمواصلات مسلطاً الضوء على نظام القطار الكهربائي، والقطار المعلّق، وقوارب الجندول، والتاكسي المائي. وتم استخدام أسلاك اتصال بطول ألفي كيلومتر أثناء بناء موقع إكسبو برزبن في أستراليا عام 1988، الذي استقطب نحو 16 مليون زائر.
ولا شك في أن معارض إكسبو تختلف من بلد إلى آخر حسب الأهمية التي توليها هذه الدول لها. ويعد إكسبو 2020 دبي أرقى ما يمكن أن يتوصل إليه إكسبو، وكما قال فيسنتي لوسيرتاليس، الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض قائلاً: «إن الإمارات تعمل على إنشاء منصة لتعزيز الإبداع والابتكار والشراكة على مستوى العالم عبر أول إكسبو دولي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوبي آسيا».
أول هاتف
تطور مفهوم إكسبو عبر سنوات طويلة، منذ دورته الأولى في لندن باعتباره «المعرض العظيم لمنتجات صناعات دول العالم»، ترمي إلى تعزيز العلاقات الدولية، والاحتفاء بالتنوع الثقافي، وتقدير الإبداعات التكنولوجية في آن واحد. وعلى غرار إكسبو الأول، أقامت الولايات المتحدة الأمريكية دورتها في إكسبو عام 1876 وحرصت على تقديم ما لديها من صناعات، فقدمت أول جهاز هاتف، وأول آلة كاتبة تجارية، وإطلاق صناعات أخرى أول مرة في التاريخ.
قيم دبي تتوافق مع الحدث
القيم العلمية التي أفرزتها معارض إكسبو من عام 1851 حتى الآن، تتوافق مع ما قدمته دبي في سعيها إلى إنارة هذا إكسبو بإبداعاتها، وخصصت له كافة الإمكانيات والقدرات بحيث أصبح نموذجاً يُحتذى به في العالم.
ومن خلال إكسبو، ذي الدلالات العالمية والكونية، قامت الأصوات الملهمة من كتّاب وقادة فكر ومبدعين، بتقديم مقالات ومقابلات محفزة للتفكير في استكشاف ومناقشة أهم القضايا وأكثرها إلحاحاً في عالمنا اليوم، وهي الاستدامة والتنقل والفرص حيث يرى العلماء وقادة المجتمع وحملة جائزة نوبل والرؤساء التنفيذيون ورؤساء الدول السابقون والرواد رؤية مشتركة من شأنها أن تساعد على رسم ملامح المستقبل.
من المعلوم، أن الإمارات وضعت سياسات وبرامج في مسيرتها نحو بناء مجتمع المعرفة واقتصادها، وترمي إلى زيادة تأثير تكنولوجيا المعلومات في دعم التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في ربط التعليم بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة في تكنولوجيا المعلومات الحديثة.
وبحسب نتائج تقرير الحكومة الإلكترونية، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، تبوأت الإمارات مكانة متقدمة من بين 193 دولة متقدمة ونامية حيث جاءت في المرتبة الثانية عربياً و32 عالمياً وفقاً لمؤشر «تطور الحكومة الإلكترونية». وهذا ما يعزز مكانة إكسبو دبي 2020 الذي يعكس وعياً بالتكنولوجيا الملائمة. فالتكنولوجيا أو التقنية، هي حاجة اجتماعية في وجودها وفي أدائها.
وفي هذا المجال، يقدم إكسبو دوراً رؤيوياً للعالم العربي وللمجتمع المعاصر. وليس عن طريق الصدفة أن تتبوأ دبي هذه المكانة، فهي كانت على الدوام، تقدم الرؤى المستحدثة، التي تلبي الحاجات الجديدة للمجتمع، وخاصة في مجال العمارة والبيئة.
برج إيفل.. تراث تاريخي
حرصت باريس على أن تقدم «برج إيفل» كأبرز ما عندها من تراث تاريخي، إذ شُيِّد ليكون بمثابة مدخل إلى إكسبو 1889 الذي استضافته العاصمة الفرنسية، ومن ثم أصبح رمزاً لباريس. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف باريس عن إقامة إكسبو.
وخاصة في استضافته عام 1900، القفزة الكبيرة في عالم إكسبو، لأنه شهد حضور أكثر من 50 مليون زائر، وعرض ابتكارات متعددة، منها السلالم الكهربائية، ومحركات الديزل، وعجلات الملاهي العملاقة، والأفلام الناطقة.
من الألعاب الأولمبية إلى قناة بنما
أذهلت معارض إكسبو العالم بهذه الابتكارات والاختراعات العلمية التي غيرت حياة البشرية، واشتهرت بإطلاق الدورة الثانية للألعاب الأولمبية.
وبدأ السباق بين فرنسا والولايات المتحدة، في إطار التنافس السلمي بين الأمم، في تقديم كل ما لديهما من ابتكارات واختراعات، فبادرت مدينة سانت لويس الأمريكية باحتضان إكسبو 1904، الذي تميز بالتركيز على تقديم الابتكارات التي لها علاقة بالحياة اليومية للناس أي الصناعات المحلية الصغيرة.
وأعقب ذلك، إكسبو 1915 في سان فرانسيسكو الذي احتفل بافتتاح قناة بنما، وأتاح للمدينة فرصة التعافي من آثار الزلزال المدمّر الذي ضربها عام 1906.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-ykB