وقد أدت بعض الحركات العشوائية الى عكس المقصود منها، فحلت الفوضى المدمرة تحت اسم مستعار ومضلل هو الفوضى الخلاقة، لأنه ما من فوضى على الاطلاق لها مثل هذه الصفة.
ما أتوقعه وفي المدى المنظور هو أن العرب سيعيدون النظر في الكثير من الشعارات الفوسفورية التي خطفت الأبصار ثم أتت على البصائر تماماً كما يحدث لطائر الحجل الذي يسقط في فخّ ملون وأشبه بقوس قزح يصيبه بالدوار!
التغيير بحد ذاته مطلب جذري في الحياة وليس في السياسة ونظم الحكم فقط، ولولاه لبقي التاريخ هاجعاً في قيلولته الرومانية قبل آلاف الأعوام.
لكن أي تغيير؟ وبأي اتجاه؟
ما يحدد ذلك ليس الفوضى واختلاط حابل الحلم بنابل الدم، بل البوصلة الفكرية والأخلاقية التي عادة تناط بالنخب، لكن النخب تعاني من شيزوفرينيا حادة، فهي ليست هنا تماماً وليست هناك تماماً، انها تراوح في منطقة اللمبو أو الأعراف بين جحيم الواقع الذي تخشاه وبين جنّة الموعود الذي قد تطرد منه والمجتمعات التي ودعت الطبقة الوسطى منذ زمن، أصبحت محاصرة بين قمة ترنو اليها ويسيل لعابها على نعمها وبين قاع تخشى السقوط فيه، فالفقير فيها يخشى من المزيد من الفقر، والنسبة العظمى من هذه المجتمعات تعيش بذهنية المتسول أي من وجبة الى وجبة ولا علاقة لها بأية استراتيجية أو خطة مستقبلية لأن شعارها السري والأقوى والأفعل من كل الشعارات المعلنة هو (عيّشني اليوم وأمتني غداً).
لقد بدأت عدة مؤشرات انتخابية في العالم العربي تفتضح حنين الناس الى الاستقرار والحياة اليومية الاليفة والرتيبة، لهذا نقول قاتل الله والتاريخ هؤلاء الذين أفسدوا الحلم بترجمته الى دمار وفوضى وثأرية مزيفة!