مجلة مال واعمال

أزمة مضيق هرمز

-

تميزت نهاية عام 2011 بحلقة أخرى من “الأزمة الإيرانية”، فقد توعدت إيران بإغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط اذا فرضت الدول الغربية قيودا على تصدير النفط الإيراني. وسرعان ما اتضح رد فعل أسواق النفط على الوضع الناشئ حول مضيق هرمز، ففي سوق لندن ارتفع سعر نفط بحر الشمال من مزيج “برنت” بمقدار دولار واحد و 31 سنتا. وبلغ  109.27 دولار للبرميل الواحد. ولعل احتمال خسارة الأسواق النفطية ما مقداره 15 مليون برميل يومياً، وهي الكمية التي تمر عبر مضيق هرمز، قد يكون له تأثير كبير على الوضع بحيث ترتفع الأسعار إلى معدلات قياسية.

ومما لاشك فيه أن إغلاق مضيق هرمز، إذا قامت القوات البحرية الإيرانية بذلك، سيشكل ضربة قاسية الى اقتصادات الدول الأوروبية، ما سيؤدي حتماً الى ارتفاع أسعار النفط، وتصاعد حدة التوتر في المنطقة. وفي وضع كهذا، لايستبعد أن ترد الولايات المتحدة بقسوة، فمن المعروف خلال أحداث “حرب ناقلات النفط” الأولى، وفي حمّى العمليات الحربية، أن ناقلات النفط من إمارات الخليج وخاصة الكويت، كانت تعبر المنطقة الخطرة من مياه الخليج تحت العلم الأمريكي، وبمرافقة السفن الحربية الأمريكية. وآنذاك تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية في يوم واحد، من تدمير حوالي ثلث سفن الأسطول الحربي الإيراني. واليوم ترسو في مياه الخليج سفن الأسطول الخامس الأمريكي، الذي لن يقف على الحياد السلبي ان حدث شيء، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، بل بسمعة دولة عظمى. ومن ناحية أخرى، تجري إيران الآن مناورات عسكرية تتدرب فيها على تكتيكات “حرب الناقلات”. ولا يشك الخبراء بأن ايران مستعدة للإقدام على خطوات راديكالية بهدف التأثير على مجرى المناقشات في بروكسل.

وعلى الأغلب فإن دول الخليج أيضاً، وخاصة المملكة العربية السعودية، سترد على إغلاق مضيق هرمز. ومن الجدير بالذكر أن احدا لم يتحدث جديا أثناء الحرب الإيرانية العراقية عن القدرة العسكرية لهذه البلدان. وبعد غزو العراق للكويت أدركت عواصم منطقة الخليج أن الدول المصدرة للنفط، الغنية وغير المحمية، تشكل هدفاً مغريا للمغامرات العسكرية. وكانت ردة فعل هذه الدول متوقعة تماماً، اي السعي نحو التسلح. أما اليوم فيثير السلوك الإيراني العدواني من القلق لدى المملكة العربية السعوية ما لايقل عن قلق كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. وبطبيعة الحال فإن الرياض التي تمتلك اليوم قدرة عسكرية واقتصادية كبيرة لن تقف مكتوفة الأيدي. ولكن هل ستقدم السعودية على مواجهة مباشرة مع إيران التي تستطيع صواريخها نظرياً تدمير البنية التحتية النفطية السعودية؟ هذا السؤال لا يزال دون إجابة حتى الآن . وفي هذا السياق من المنطقي الافتراض أن الإيرانيين يدركون خطورة حصار مضيق هرمز باعتبار ذلك خطوة أخيرة، لا يمكن الإقدام عليها إلا أذا توفرت ثقة تامة بأنها ستمر دون عقاب، ولن تستجر عملية عسكرية من طرف الأسطول الأمريكي الخامس تكون القاضية بالنسبة للقوات البحرية الإيرانية. ولكن يبدو أن المسؤولين في إيران واثقون من أن الولايات المتحدة الأمريكية عشية الانتخابات الرئاسية، وعلى خلفية مشاكلها الاقتصادية، لن تقدم على فتح جبهة أخرى. ولكي يعد الأوربيون حتى الثلاثة قبل فرض حظر على تصدير النفط الإيراني ، يكفي عموما – كما يعتقد الإيرانيون – بعض التهديدات معطوفةً على سمعة إيران كبلد يصعب التكهن بسلوكه. ومن المشكوك فيه أن يعول المسؤولون في بروكسل على
تعقل إيران، ولذا لن يتسرعوا بتوسيع العقوبات. ومن المؤكد أنهم سينسقون خطواتهم في هذا المجال مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. وفي حال العكس سيكون السيناريو العسكري أكثر احتمالا من حل الأزمة سلميا.

وبالنسبة للبلدان الغربية يبقى السؤال مطروحا عما إذا كان العام 2012 سيتميز بهدوء نسبي في ما يتعلق بالإشكالية الإيرانية، أم سيظهر مسرح جديد للعمليات الحربية في الشرق الأوسط – المنطقة الأكثر غليانا في العالم. ومن المستبعد كليا هنا وجود احتمال لا خسارة فيه. من الخطير جدا السماح لإيران بالاستمرار في “لعبة مفاقمة الوضع” ورفع درجة التوتر في المنطقة. أما الرد على الكلام بالقوة العسكرية وإشعال نار نزاع جديد في الخليج، فهو الآخر ليس بالاحتمال الأفضل. وفي النهاية ، فإن أيا من الاحتمالين لا يعتبر حلا للأزمة الإيرانية. وحتى الآن لا يتسرع الأوروبيون في الحديث عن تدخل عسكري، وعلى العموم لا يفكرون جديا بتدابير راديكالية وواسعة النطاق من شأنها تفكيك العقدة الإيرانية. أما إذا واصلت طهران اختبار مقدرة الأسرة الدولية على الصبر، وشن حرب أعصاب ضدها، فإن عدد أنصار الحل العسكري للمشكلة الإيرانية سيرتفع باستمرار. وفي فترة ما سوف تفعل فعلها بالتأكيد “الكتلة الحرجة” لهؤلاء الأنصار، وذلك إذا لم تتم تسوية الأزمة بالطرق الدبلوماسية، أو تجري  في إيران ذاتها تطورات سياسية داخلية على نطاق واسع.

الكاتب . أورخان ساتاروف.