أكد منتجون في مجال الدراما التلفزيونية أن دبي بإمكاناتها وبنيتها التحتية المتطورة قادرة على أن تكون قبلة حقيقية للمنتجين العرب، وأشاروا، إلى أن مشكلات عدة تعترض هذه الرغبة، من أبرزها إنجاز تصاريح التصوير في الوقت المطلوب، وارتفاع الكلفة الإنتاجية، فضلاً عن عدم تعاون بعض الجهات، واستجابتها لطلبات التصوير، مطالبين بحزمة تحفيزات وتطويرات في هذا الإطار.
وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة والمشهود لها، التي تتمتع بها إمارة دبي، كواحدة من أهم المدن في المنطقة التي تتميز في قطاعي الترفيه والسياحة، وجمعها بشكل متفرد بين معالم المدينة المعاصرة من جهة، والأصالة التراثية من جهة أخرى، إلا أن حركة التصوير، واستثمار هذا التنوع الفريد، لا ينعكسان بالدرجة ذاتها في زخم الإنتاج، وهو ما تظهره إحصاءات لجنة دبي للإنتاج السينمائي والتلفزيوني هذا العام، مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق.
وفي مقابل سعي لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي إلى فتح المجال أمام شركات عالمية للتصوير في دبي، ونجاحها في اجتذاب واحد من أهم المشروعات الإنتاجية في هذا المجال، هو «ستار تريك»، إلا أن الأعمال الدرامية العربية المصورة في دبي هذا العام تراجعت إلى أربعة أعمال، وهو رقم مرشح ليصل إلى خمسة أعمال فقط مع اقتراب الموسم الرمضاني.
وأمام المغريات الكبيرة، التي تمتلكها دبي في عيون صناع الدراما وبين واقع الإنتاج، يكبر السؤال الذي تحمله «الإمارات اليوم» إلى عدد من العاملين وصناع القرار في هذا المجال.
مخالفة غير مقنعة
«تعرضت لمخالفة أحتفظ بحق الاعتراض عليها، رغم أنني كنت أسعى للتغلب على معوقات روتين التصاريح»، هكذا يلخص الدكتور حبيب غلوم بصفته منتجاً، واحدة من مشكلاته التي لجأ بعدها إلى التصوير في إمارات أخرى، مضيفاً: «أصبحت ممنوعاً من التصوير في دبي، ولا تمتلك شركتي حق طلب استخراج تصاريح تصوير، إلا بعد سداد قيمة مخالفة قدرها 15 ألف درهم، لا أقتنع بأنها مخالفة بالأساس». وأضاف: «تطلب السياق الدرامي لمسلسل (خيانة وطن) تصوير بعض المشاهد في مطار دبي الدولي، واضطررت مع تأخر إصدار التصريح، إلى اللجوء مباشرة إلى مسؤولين في هذه الواجهة الوطنية فذللوا مهمتي، لأفاجأ بأن لديَّ مخالفة تم إثباتها بعد ذلك على (السيستم)، بدعوى أن التصوير تم دون تصريح».
وأضاف: «بكل تأكيد لو كان (سيستم) لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي مستجيباً في ذلك الوقت لما ترددت في استخدامه، لكن من المؤسف أن أتحمل أخطاء الآخرين، رغم أنني قمت بتذليلها».
وطالب غلوم بإدخال حزمة من التحسينات الحقيقية إلى نظام منح تصاريح التصوير، وإيجاد محفزات حقيقية لجذب شركات الإنتاج للتصوير في دبي، مضيفاً: «للأسف المدينة الغنية بمئات الأماكن البكر، لا يواكبها نظام محفز ومشجع، لكي تكون حاضرة بالقدر الذي يتناسب مع إمكاناتها في مشروعات الإنتاج في مجال الدراما التلفزيونية والسينمائية».
تطور في الآليات
ويرى أحدث المنضمين إلى كوكبة المنتجين الإماراتيين، محمد حسين، مالك شركة «ستار شيب» للإنتاج الفني، أنه «تلعب مدينة دبي للاستوديوهات، ولجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، دوراً رئيساً في تسهيل مهام التصوير داخل الإمارة، لاسيما في ما يتعلق بطلبات التصوير في الأماكن العامة».
وتابع حسين، الذي عمل لأكثر من 12 عاماً مديراً للتصوير في شركة «جرناس» للإنتاج الفني المملوكة للفنان أحمد الجسمي: «هناك تطور كبير في آليات التعاطي مع طلبات التصوير، التي أصبحت تستغرق وقتاً أقصر بكثير من ذي قبل، كما أن (اللجنة) تقوم بالتواصل مع جهات مختلفة، لا نملك بالأساس آليات التواصل معها، من أجل إتمام عمليات التصوير المختلفة».
لكن حسين في المقابل رأى أن «اللجنة» بحاجة إلى مزيد من الصلاحيات، لتصبح قادرة على القيام بمهامها، مضيفاً: «لا تدخل إجازة النصوص ضمن مهام (اللجنة)، التي تقوم بدورها بإرسالها إلى المجلس الوطني للإعلام لإجازتها، وهذا الإجراء قد يتسبب في تأخر التصوير لأكثر من 45 يوماً أحياناً، لذلك مطلوب أن تكون هناك جهة مخولة إصدار تلك التصاريح داخل لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، من أجل اختزال الوقت».
وتابع: «يشكو المنتجون أيضاً تأخر التصاريح في الأماكن التي تعود إلى جهات خاصة، وهو أمر نعي أنه لا يدخل ضمن سلطة (اللجنة)، لكن الشخصية الاعتبارية القوية يمكن أن تكون بمثابة (وساطة) صحية في هذا الإطار، بدلاً من أن يتأخر التصوير، على نحو يضر بأي مشروع إنتاجي، وقد يتسبب في صرف النظر عن اللجوء للتصوير في تلك الأماكن، تجنباً للمشكلات المترتبة على تأخر الموافقات».
وأشار حسين إلى أن صعوبات وتعقيدات عدة، واجهته في طلبات تصوير تتعلق بأماكن مثل «ليجولاند»، «بحيرات جميرا»، وفندق أتلانتس، على الرغم من أن الأخير يعد واحداً من الأماكن التي ظهرت في العديد من الأعمال الدرامية، مثل مسلسل «إكسلانس» المصري، وفيلم «سنة جديدة سعيدة» الهندي.
الكلفة الأعلى
وقال مالك شركة «عياد ميديا» للإنتاج الفني، التي تتخذ من مدينة دبي للإعلام مقراً رئيساً لمكاتبها، مازن عياد، إن كلفة الإنتاج في دبي لاتزال هي الأعلى، إذا قورنت بالعديد من المدن الأخرى، سواء داخل الإمارات أو خارجها، لكنه أشار إلى أن المشكلة الإنتاجية لا تتعلق بمدينة دبي للاستوديوهات، أو لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، بقدر ما ترتبط بسياسات تلفزيونات باتت أكثر زهداً في المنتج المحلي والخليجي، وكذلك العربي.
وأضاف: «أنا آخر مُنتج تم السماح له بالتصوير في (نخلة جميرا)، من خلال مسلسل (محال)، الذي أنتجته منذ نحو أربع سنوات، بعدها تم إيقاف التصاريح في تلك المنطقة، على الرغم من العائد الترويجي المهم، الذي يعود على الإمارة بإظهار ألق هذا المشروع، الذي يشكل تحفة هندسية ومعمارية بإطلالة فريدة متوغلة في مياه الخليج العربي». وأوضح «من المفارقات أن هذا العمل الذي بلغت كلفته الإنتاجية 1.8 مليون درهم، وصُور معظم مشاهده في دبي، أُخذ عليه أنه يروِّج دبي، ولم تكن له فرصة كبيرة في العرض المحلي، رغم عرضه في 13 محطة تلفزيونية». وأشار عياد إلى أنه ليس ضد أن تستفيد الجهات الاستثمارية الخاصة من مشروعات الإنتاج، لكنه أكد أن القيود والأسعار، التي تحددها تلك الجهات بحاجة إلى مراجعة، مشيراً إلى أنه قام بسداد 130 ألف درهم، من أجل التصوير لـ20 يوماً فقط، في إحدى الفلل الواقعة في نخلة جميرا.
تذليل العقبات
قال رئيس لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، جمال الشريف، الذي يشغل أيضاً منصب مدير مدينة دبي للاستوديوهات، لـ«الإمارات اليوم»، إن «اللجنة منذ إنشائها قامت بتذليل العديد من العقبات، وتقليص مدة منح تصاريح التصوير لمختلف شركات الإنتاج»، مضيفاً: «كانت طلبات التصوير تستغرق سابقاً بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وتم تقليصها مع التحول إلى النظام الإلكتروني إلى خمسة أيام، وصولاً إلى يومين فقط».
وتابع الشريف: «ما لم يتم الكشف عنه أن مدينة دبي للاستوديوهات، من خلال لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، بصدد تطوير استراتيجية جديدة، تختصر فيها الفترة المطلوبة لإصدار التصاريح إلى 24 ساعة فقط، فضلاً عن خطة متكاملة، لا تكون الشركات المرخصة معها بحاجة إلى تصاريح مؤقتة، وغيرها من التطورات التي تتواءم مع رؤية حكومة دبي الذكية، سوف تكون جاهزة للتطبيق مع بداية العام المقبل».
وأضاف الشريف: «هناك مشكلات تقنية عدة، تم التغلب عليها لربط أكثر من 20 جهة، كل منها مخولة موافقات لإتمام تصريح التصوير، الذي أصبح يعمل بنظام النافذة الواحدة، لاسيما أن الكثير من مواقع التصوير تخضع لاعتبارات أخرى، بعضها أمني وحيوي، وبعضها اجتماعي وذو طبيعة خاصة». وكشف الشريف عن أن اللجنة بصدد إحداث تطوير شامل لنظام استخراج التصاريح، على نحو من شأنه أن يسهم في مزيد من السهولة وسرعة إنجاز التصاريح، التي تتم بالفعل في الوقت الحالي، في هامش زمني قياسي.
وأشار الشريف إلى أن بعض شركات الإنتاج ربما لاتزال لديها تحديات في استخدام النظام الإلكتروني المتقدم، مؤكداً أنه حتى في تلك الحالات، تقوم اللجنة أيضاً بتذليل العوائق، ورفع ما يمكن أن يكون قد ترتب على الشركة من مخالفات، عبر لجنة شفافة ومستقلة خاصة بالتظلمات. وأشار الشريف إلى أن موقع التصوير، الذي أشار إليه الدكتور حبيب غلوم، وهو مطار دبي، يعد من الجهات التي تحتاج تصاريح خاصة في كل دول العالم، ولا يمكن إتمام عملية التصوير فيه إلا عبر إخطار وموافقة مسبقين، لذلك كان من المنطقي تحرير مخالفة في ذلك التوقيت للشركة المنتجة، حتى إن تم التصوير بصورة ودية، طالما لم يتم استخراج تصريح نهائي، من الجهة الوحيدة المخولة التعامل مع شركات الإنتاج في ذلك الصدد، وهي لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي».
وتابع: «بما أن ما حدث مع الفنان القدير والمنتج المهم الدكتور حبيب غلوم، مشكلة مع نظام التشغيل، فأنا على ثقة بأن الأمر لن يحتاج لأكثر من طلب، ونحن جاهزون لحلها فور إتمام هذه الخطوة، حسب نظام لجنة التظلمات التي اعتُمدت لمثل هذه المواقف». وقال الشريف إن المؤسسات الحكومية والرسمية تتجاوب بشكل بشكل كبير في ما يتعلق بسرعة البت في تصاريح التصوير، لكن الجهات الخاصة تحتاج في الأغلب وقتاً أطول، لكن رغم ذلك معظمها يبدي مرونة هائلة في هذا المجال». وتابع: «في المقابل علينا أن نعي أن طبيعة كل موقع هي التي تفرض هذا التريث أحياناً، فمنطقة مثل (برج خليفة) على سبيل المثال، منطقة عالمية حافلة بالكثير من الفعاليات، ووجود طلب تصوير مفاجئ قد لا يكون من السهل تلبيته، في حال تعارضه مع جدول فعاليات المكان، لكن على الرغم من ذلك، فإن معظم الطلبات التي يتم تقديمها بالفعل، تتم تلبيتها في أقل من 48 ساعة». وأضاف: «بعض طلبات التصوير تكون على تماس بالبعد الاجتماعي، كأن يكون هناك طلب تصوير على شاطئ مفتوح، وهو أمر يمس خصوصية البعض، بما في ذلك خلفيات بعض المنازل والممتلكات الخاصة، التي يجب التأكد من قبل الجهة المعنية أنها لا تخترق خصوصية البعض، لذلك لا نستطيع منح تصاريح بشأنها إلا من خلال تنسيق وإجراءات محددة».
وأكد الشريف أن «إمارة دبي واحدة من أكثر المدن في المنطقة تخصيصاً لمحفزات لجذب شركات الإنتاج الفني، من أجل استثمار ثراء وتعددية المواقع المناسبة للتصوير»، مشيراً إلى أن «لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي تعتمد حزمة محفزات خاصة بكل مشروع درامي على حدة، وهي الاستراتيجية التي وجدناها أنجع في هذا السياق».
وفي ما يتعلق بالرسوم، التي تفرضها مجموعات استثمارية نظير إتمام التصوير في مناطقها، أو استثمار واجهتها، أشار الشريف إلى أن تلك الجهات تمتلك الشخصية الاعتبارية المستقلة التي تخولها ذلك، لافتاً إلى أن رسوم استخراج تصريح التصوير من قبل لجنة دبي، هو 500 درهم فقط.
نظام تشغيل
نظام التشغيل المتبع في «لجنة دبي»، هو الأكثر تطوراً عالمياً من حيث الجانب التقني، ويستمد فرادته من كونه يربط بسلاسة بين نحو 20 جهة مختلفة، ما انعكس على قصر مدة إصدار التصاريح إلى 48 ساعة، مرشحة لأن تصل إلى 24 ساعة فقط، في حين تقتصر رسوم إصدار التصاريح على 500 درهم. وأشار الشريف إلى أن كثيراً من المؤسسات الخاصة لا تفرض رسوماً مقابل استفادة شركات الإنتاج من مواقعها، في حين تفرض بعضها رسوماً واضحة، لافتاً إلى أن هذا الأمر «طبيعي»، في ظل النشاط التجاري لشركات الإنتاج نفسها، ولا تمتلك «لجنة دبي» أي وصاية بشأنه.
تراجع ملحوظ
أقر رئيس لجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي، جمال الشريف، بأن عدد المسلسلات العربية، التي استخرجت تصاريح للتصوير خلال العام الجاري، شهد تراجعاً ملحوظأً ليصل إلى أربعة مسلسلات فقط، ومرشح للوصول إلى خمسة، قبيل اقتراب الموسم الرمضاني، مضيفاً: «هذا التراجع يعود إلى اتجاهات سوق التسويق الدرامي، وربما يرتبط باستراتيجيات وتوجهات فضائيات عربية بتفضيل نوعية معينة من المحتوى الدرامي، لكننا في (لجنة دبي) نشهد زخماً جيداً، وقمنا العام الماضي بإصدار 911 طلب تصوير»، لافتاً إلى أن طلبات التصوير التي تتم معاملتها بشكل تجاري، هي الطلبات المرتبطة بالمنتجات التجارية والتسويقية، في حين تجد الطلبات المرتبطة بالدراما، على اختلاف أنواعها، مزيداً من الدعم.
إمارة دبي واحدة من أكثر المدن في المنطقة تخصيصاً لمحفزات جذب شركات الإنتاج الفني، من أجل استثمار ثراء وتعددية المواقع المناسبة للتصوير، ولجنة دبي للإنتاج التلفزيوني والسينمائي تعتمد حزمة محفزات خاصة بكل مشروع درامي على حدة، وهي الاستراتيجية الأنجع في هذا السياق.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-jpq