هذه نطقة نظام ، لم أجد بُدّاً من تسجيلها في هذا المقام ، قلقد انشغلنا على مدى الاعوام المنصرمة بالاحتفاء بمواقف اخواننا الأتراك ، والتهليل للفتى الشجاع (اردوغان) ، وكان بعضنا قد وقف معجباً بما حققه حزب الله في الحرب السادسة التي فرضت عليه ، ولم تكن – بالطبع – ايران غائبة عن (موالد) الاعجاب ، بمعنى ، أن عيوننا العربية ظلت – منذ ان سقطت بغداد الى ان انشغلنا بالربيع العربي الذي اربكنا – مفتوحة على خيارين: اسطنبول او طهران ، وكأن (المهدي) المنتظر سيخرج فعلاً من هذين البلدين.
أخشى ما أخشاه – مع الاحترام لمواقف اخواننا الأتراك والايرانيين – أن يعتقد بعضنا بأن مهمتنا – كأمة عربية – قد انتهت ، وبأننا استرحنا من هموم فلسطين وقضيتها ، وبان بمقدورنا – الآن – ان نضع رجلاً فوق اخرى ، نراقب ونتفرج ونلتفت الى همومنا الداخلية فقط ، ونطمئن مجتمعاتنا بان غيرنا قد تولى (امانة) المواجهة والتحرير ، وبأن (العناية) الالهية قد تدخلت فأعفتنا – بعد ستين عاماً – من هذا الواجب الثقيل.
لا يخطر في بالي أبداً أن اقلّل من الدور التركي – مهما تكن دوافعه – ولا ان ادعو لفرض (سياج) من العزلة حول قضايانا التي لم تعد قضايانا لوحدنا ، او لرفض الأيدي التي تمتد لمساعدتنا ، او – حتى – للتخويف من هذا الاستقطاب الذي يحاول ان يملأ فراغاتنا ، كل ما أريده هو التحذير من (اعتماد) الآخر ، تركياً أكان أم ايرانياً أم غيرهما ، بديلا عنا ، او كخيار يلغي خياراتنا ، او (كوكيل) يتحدث بالنيابة عنا ، ويقاتل ويواجه خصومنا فيما نكتفي نحن بالتصفيق ، او التعليق او الدعاء لمن يتولى الدفاع عنا بالتوفيق والسداد.
صحيح أن هؤلاء الذين يتدافعون اليوم لنصرتنا ليسوا (غرباء) فنحن نتشارك معهم في الاطار الحضاري الواحد ، والمصير الواحد ، وثمة مصالح ومنافع ومبررات مشروعة تجعلهم يقفون معنا ، ولكن الصحيح – ايضاً – انهم يتحركون انطلاقاً من أولوياتهم ، لا من اولوياتنا – وان كانت احياناً مشتركة – وانهم يحتاجون الى دعمنا لادعائنا فقط ، كما أننا – ايضا – لسنا يتامى لنبحث عن آباء جدد ، ولا (مقطوعين) من شجرة لنحتفي (بالابطال) القادمين وراء البحار.
تخطئ امتنا العربية كثيراً إن هي اعتقدت بان (المهدي) المنتظر سيأتي من أرحام الآخرين لا من رحمها ، او تصورت بان هؤلاء الشرفاء الذين ضحوا بدمائهم او اموالهم من اجل (فلسطين) منحونا (اعفاءً) نهائياً من العمل والنضال والتضحية ، وتخطئ – ايضاً – ان هي استسلمت (لخيارات) القدر التركي او الايراني او غيرهما واستقالت من خياراتها ، فهذه (الاكتاف) الانسانية (تقاوم) معنا صخرة الاحتلال ولا (تقاوم) بالنيابة عنا ، وهذه الاصوات الغاضبة التي خرجت من حناجر الملايين من البشر احتجاجاً على (الاحتلال) تريد ان تسمع صداها في آذاننا ، لاننا مسؤولون ايضاً عما حل ببلادنا المحتلة(وما اكثرها!) من مآس ونكبات ، وهذا الامتحان الذي اجتازه غيرنا من المدافعين عن مصيرنا بنجاح هو امتحاننا الذي سقطنا فيه ، ويفترض أن نتعلم منهم لكي نجتازه مرة اخرى.
باختصار ، يجب أن نقول شكراً لاخواننا في تركيا وفي غيرها من بلادنا الاسلامية ، وشكراً لهؤلاء المتطوعين الشرفاء الذين (ضحّوا) من أجل قضيتنا. ولكن دون أن نفكر – لحظة – انهم قاموا بالواجب نيابة عنا ، وأن دورنا قد انتهى ، وأن امتنا قد تحررت من مسؤوليتها.. فهذا اسمه اندحار وليس انتصاراً أبداً .
دعونا نجعل كل هؤلاء ملهمين لنا.. وليسوا بديلين عنا.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-4Bv