أثارت المكاسب الإقليمية للدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وكذلك التقارير الإخبارية الأولية، الكثير من القلق حول تعرض المواقع الأثرية في الدول المذكورة للهجمات والنهب، على نحو يشبه كثيراً ما حدث للمواقع العراقية عند بداية الحرب العراقية الثانية.
كنا قد عدنا مؤخراً من جنوب تركيا، حيث كنا ندرب الناشطين السوريين وموظفي صيانة المتاحف على توثيق وحماية التراث الثقافي لبلدانهم.
يشتمل هذا التراث بطبيعة الحال على آثار بلاد الرافدين القديمة، والحضارة الآشورية والهيلنستية والرومانية والبيزنطية إلى جانب الآثار الإسلامية في الحقب الزمنية المتلاحقة، بالإضافة إلى بعض أقدم نماذج الكتابة وأفضل نماذج الفسيفساء الهيلنستية والرومانية والمسيحية. وقد علمنا، بعد إجراء محادثات واسعة مع هؤلاء العاملين والقاطنين في المناطق التي تخضع حالياً لسيطرة تنظيم “داعش”، أن المنظمة تنخرط فعلاً في تجارة الآثار غير المشروعة، ولكن بأسلوب أكثر تعقيداً ومكراً مما كنا نعتقد.
لا يبدو وأن داعش كرست الأيدي العاملة في جيشها لتنشط في نهب المواقع الأثرية. بل على الأصح، يأخذ انخراطها أبعاداً اقتصادية أكبر. بشكل عام، تصرح داعش للسكان المحليين أن يقوموا بأعمال الحفر في هذه المواقع مقابل نسبة من القيمة النقدية لما يجدونه.
وتفسر الجماعة هذه الجباية باعتبار أنها ضريبة الخُمس الإسلامية، والتي يُطلب بموجبها من المسلمين أن يدفعوا لخزينة الدولة نسبة من قيمة أي بضائع أو كنوز يتم استخرجها من الأرض. وتدعي المنظمة بأنها المستفيد الشرعي الأول من هذه العائدات.
يختلف حجم ضريبة الخُمس باختلاف المنطقة وأنواع التحف المستخرجة. وعلى سبيل المثال، تبلغ قيمة ضريبة الخُمس في المناطق التي تسيطر عليها داعش أطراف محافظة حلب السورية 20 %، بينما يمكن أن تصل في الرقة (سورية) إلى 50 % أو أكثر إذا ما كانت الآثار المكتشفة تعود للفترات الإسلامية الماضية (بدايات ومنتصف القرن السابع) أو صُنعت من معدن ثمين كالذهب.
يختلف حجم النهب، من جهة أخرى، بقدرٍ كبيرٍ تحت هذا النظام المتبع، بينما يترك تقديره لقادة داعش المحليين. وفيما يخص القليل من المناطق، مثل المواقع القديمة الواقعة على امتداد نهر الفرات، شجع قادة داعش على القيام بعمليات الحفر من قبل طواقم ميدانية شبه محترفة. غالباً ما تكون هذه الطواقم من العراق، وهي تنفذ العمليات وتجني الأرباح من خبرتها في سلب ونهب المواقع القديمة هناك.
وتزاول هذه الطواقم عملها بترخيص من داعش بواقع الحال، بينما يتم تعيين مندوب عن “داعش” لمراقبة عملهم بغية ضمان الاستخدام المناسب للآلات الضخمة، والتحقق من أن جباية ضريبة الخُمس تتم بدقة.
بالإضافة إلى النهب، يبدوا وأن “داعش” تشجع على التجارة السرية للآثار المستخرجة أيضاً، والتي ترتكز بشكل رئيسي عبر الحدود السورية التركية بالقرب من مدينة “تل أبيض” السورية المعقل الحصين لداعش.
وهناك سبب رئيسي للاشتباه بأن داعش وافقت بل وشجعت تجارة الآثار عبر الحدود؛ حيث تسببت داعش من خلال إضفائها طابعاً مؤسسياً على هذا النظام، والذي يزودها بواحدة من تدفقات دخلها المتنوعة، بأضرار يتعذر إصلاحها للتراث الثقافي السوري.
يعتبر أمر وقف هذه التجارة غير الشرعية ملحاً، وذلك ليس لأنها مصدر دخل للمنظمة الإرهابية وحسب، وإنما بسبب أنها قد تجهد الاستقرار والمصالحة ما بعد انتهاء الأزمة.
يعد التراث الثقافي جزءاً من الحياة اليومية في سورية. ويعيش السوريون في المدن والأحياء القديمة، بينما يصلون في المساجد والكنائس التاريخية ويبتاعون ما يلزمهم من بازارات تعود في القِدم قروناً.
في حال توقف القتال أو حين يتم ذلك، سيكون هذا الميراث ضرورياً لمساعدة السوريين على إعادة تواصلهم مع الرموز التي توحدهم عبر الحدود الدينية والسياسية. في هذا السياق، تدعو الكثير من المنظمات المحلية والدولية، مثل “حملة سورية”، مجلس الأمن الدولي لحظر هذه التجارة في المواقع الأثرية غير الموثقة والمرجح أنها نُهبت مؤخراً. يمكن لنجاح حل من هذا النوع أن يجعله أكثر الوسائل المتاحة فعاليةً في إنقاذ ماضي سورية.
مترجم عن “ذا نيويورك تايمز”