يعتبر الصفر أساساً لا يمكن الإستغناء عنه ضمن النظام الحسابي رغم انعدام قيمته العددية، ومنه تطوّر النظام الثنائي المتكون من الآحاد والأصفار، ويبقى السؤال كيف ومن اكتشف الصفر؟
يذكر أنّ الصفر استخدم لأوّل مرّة في وادي الرافدين قبل نحو 5 آلاف عام، وأعطي الصفر رمزاً في الكتابة من قبل البابليين في القرن الثالث قبل الميلاد. هذا وتدل الوثائق البابلية القديمة على استخدام رمز الصفر في الكتابة، في حين لم يكن يمثل قيمة عددية، وإنما يمثل فاصلة أو “لا شيء” في المضمون.
ولكن المعلومة السائدة تقول أن الهنود هم أول من استخدم الصفر كعدد في النظام الحسابي، في القرن الخامس قبل الميلاد، أي قبل البابليين، وكان يستخدم بشكل مشابه لاستخدامه في نظامنا الحسابي الحالي ويرمز له بنقطة أو دائرة.
ويذكر أن مفهوم الصفر استخدم أيضا من قبل قبائل المايا، التي ازدهرت في أمريكا الجنوبية، وكانت تستخدم النظام العشري اعتمادا على أعداد أصابع اليدين والقدمين في الجسم، كما أن الشهر في تقويم حضارة المايا كان يبدأ باليوم “صفر”.
هذا وأن الصفر لم يكن معروفا في نظام الحساب الروماني الذي كان مختلفا ويعتمد على الحروف اللاتينية للتعبير عن الأرقام. ويعتقد أيضاً أنّ براهما غوبتا، عالم الرياضيات والفلك الهندي، هو أول من شرح استخدام الصفر في العالم، من خلال ذكره في كتابه “سيندهانتا” في القرن السابع الميلادي، وبيَن أن الصفر هو حاصل طرح العدد من العدد المساوي له، وهو أيضا حاصل ضرب أي رقم آخر به.
ويذكر أن الكلمة الهندية “سونيا” تشير إلى الصفر ومعناها “خالي أو فارغ”، وبعد ذاك ترجمت الكلمة ونقل لفظها صوتيا إلى اللغة العربية وأصبحت “صفر”. ويذكر أن كتاب “سيندهانتا” كان قد نقل إلى عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وترجم إلى العربية بأمر من الخليفة المأمون.
هذا ونشر عالم الرياضيات الخوارزمي رسالة “الخوارزمي عن الأرقام الهندية” شارحا من خلالها استخدامات الصفر، وتعرف منها الغرب على النظام الحسابي العربي (النظام العشري)، الذي عرف بنظام الأرقام الخوارزمية.
وكانت تتضمن هذه الرسالة ما يلي :”في عمليات الطرح، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا، لكي لا يحدث لبس بين خانة الآحاد والعشرات، والصفر يجب أن يكون من يمين العدد، لأن الصفر من اليسار لا يغير من قيمة العدد”.
واخترع الخوارزمي أيضا مجموعة أخرى من الأرقام التي تعرف اليوم باسم الأرقام العربية، ولكنها لم تحظ بانتشار واسع في دول المشرق العربي، وقام العرب باستخدامها لاحقا في الأندلس والمغرب العربي، قبل أن تنتشر في أوروبا وأنحاء العالم على الشكل المستخدم حالياً.
وتجدر الإشارة إلى وصول الصفر في وقت متأخر إلى أوروبا، وبما أن رمز الدائرة “0” كان يعد من رجس الشيطان في العصور المظلمة في أوروبا، فإن استخدام الصفر تأخر في أوروبا وبقي الحال كذلك حتى قام عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي بيزا، بنشر كتاب عام 1202 حمل عنوان Liber Abaci يشرح من خلاله الحساب وأهمية الصفر.
وكان فون بيزا قد تلقى تعليمه في مدينة بجاية الجزائرية، التي كانت زاخرة بعلماء الرياضيات، وتعلم الأرقام العربية ونقل استخدامات الصفر إلى نظام الحساب الأوروبي، وكتبه باللاتينية “Cipher”، إلى أن تطور اللفظ فيما بعد وتغير ليصبح Zero في القرن الخامس عشر.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-doj