الروائية :زينب السعود
*****************************
من أهم فرضيات وظيفة النقد الأدبي أن يكون حارسا أمينا على واقع الحياة الأدبية ، وأن يسهم مساهمة فاعلة وواضحة في توجيه دفة الإبداع الأدبي على نحو ينهض بالذائقة والوعي ويفسح مكانا للأدب الجيد الذي تتضح فيه اشتغالات الكاتب على قضايا هامة ومؤثرة وملامسة لعمق القيم والمشاعر الإنسانية . والحارس المستأمن على جانب هام من جوانب الحياة وهو الأدب وثقافة العقول ، لا بد أن يكون على دراية ووعي بأن مهمته تستلزم تنحية المجاملات وإقصاء النظرية (التسخيفية ) للأمور ، في ظل عصر يباد فيه البشر بكل عنجهية وتسلط وظلم وتباد معهم كثير من القيم ومعايير الأهمية والنفعية الإنسانية .
المتابع لواقع الحال النقدي في أيامنا هذه يلاحظ أنه في كثير من الأحيان يسير على منهج جديد يتلخص في (جبر الخواطر ). فنرى ندوات ومناقشات لأعمال تم إلباسها عباءة الأدب قسرا ، مع افتقارها لأساسيات العمل الإبداعي البسيطة . وأكثر ما يلفت النظر في الأعمال التي يروج لها أصحاب النظرية الجديدة ، نظرية ( جبر الخواطر ) هو تداعي اللغة وهشاشتها الواضحة ، وانتفاء السردية الأدبية التي تميز النص الأدبي عن غيره من النصوص النثرية ، وتهاوي عناصر الفنية في كثير من الأعمال التي نجد من يهتم بإبرازها إلى الواجهة تقربا إلى أصحابها أو لتحقيق مصالح شخصية ونفعية متبادلة . هذه النفعية والانتقائية التي بدأت تظهر بوضوح عند بعض النقاد والمشتغلين بالموضوع الثقافي أصبحت ظاهرة مزعجة لأنها من جهة ترفع شأن أعمال لا تمت للإبداع بصلة على حساب التغاضي عن إبداعات حقيقية تستحق تسليط الضوء عليها ولفت أنظار القارئ الجاد إليها . وربما ليس سرا إن أكثر ما يقع من مجاملات يكون موجها إلى العنصر النسائي ، فهوس الشهرة وحب الظهور حتى مع عدم امتلاك موهبة الكتابة الشعرية أو النثرية الجميلة والمبتكرة والسليمة لغويا وفنيا أصبحت من الأمور الملاحظة جدا ، ونجد من ينتقدون هذه الظاهرة قلة قليلة خجولة أو خائفة .وهذا أنتج مجموعة من الواهمين والواهمات بامتلاكهم للقدرة على الكتابة الإبداعية خاصة كتابة الشعر ، والمواقع الاجتماعية تطالعنا كل يوم بشاعر أو شاعرة أو كاتب أو كاتبة تغص جمله بالأخطاء وتكاد الركاكة وافتعال الشعور والوصف تصفع وجه القارئ المسكين الذي يقرأ تعليقات الثناء والإطراء على الشاعرية المتدفقة والعبقرية الفذة حتى ليظن بنفسه وفهمه وكل ما تعلمه عن معايير الأدب سوءا كبيرا .والسؤال الذي أطرحه : ماذا تفعلون بنا يا معشر جابري الخواطر ؟ وماذا تفعلون بأدبنا وثقافتنا؟ وكيف يسمح لكم ضميركم تنحية مسؤوليتكم تجاه الحياة والأجيال ومعايير الجودة والابتذال ؟ كيف تصفون كتابات نثرية مفتعلة الشعور تبدو الكلمات فيها مكرهة على الاصطفاف إلى بعضها بالشعر لمجرد تملقكم لصاحبتها ؟ وكيف توهمون من حشت نصها بالحوارات العامية المبتذلة دون رقيب وحسيب أنها اديبة أو روائية فذة ؟ وكيف تنفقون ساعتين أو أكثر لمناقشة أعمال تصدم العين والعقل بمستواها اللغوي الهزيل بل تفتقر إلى أبسط تعريفات العمل الأدبي ؟ اجبروا خواطرنا مرة واحدة وأعلنوها مدوية أن لا مجال للمحاباة على حساب الجودة ، وأن لا مجال لتهميش الجيد على حساب اعتبارات شخصية أو إقصائية .الأدب والثقافة رديفان مهمان لتغيير واقع المجتمعات والنهوض بها ويحملان مسؤولية موازية لبقية مكونات وعناصر بناء واقع يرتقي بنا وبمجتمعاتنا ويضيء كوة ينفذ منها الأمل وسط دوامة الإحباطات التي تلفنا . فهل ستكفون عن جبر خواطر المتسلقين على الثقافة والأدب ؟ هل ستفعلون ؟