تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً حضرياً، من خلال إنشاء مجتمعات مستدامة نابضة بالحياة تعمل على تحسين نوعية حياة السكان مع الاستجابة للتحديات البيئية.
انطلاقاً من أهداف رؤية السعودية 2030 وبرنامج جودة الحياة، تسعى المملكة إلى أن تصبح ثلاث من مدنها من بين أفضل 100 مدينة في العالم من حيث جودة الحياة. ولتحقيق هذه الغاية، تستثمر المملكة في الإدارة والتنمية الحضرية المستدامة.
وقال الخبير في مجال الطاقة والاستدامة عبد العزيز الميزاني : “إن الإدارة الحضرية المستدامة تشكل أساس رؤية 2030، ودعم المدن السعودية باعتبارها بيئات ديناميكية ومرنة ومستدامة اقتصاديًا”.
وأضاف أن هذا النهج يتماشى مع هدف المملكة المتمثل في تحسين نوعية الحياة وتعزيز كفاءة الموارد.
وتشكل العديد من المفاهيم الأساسية محور هذا التحول، بما في ذلك البنية التحتية الخضراء، والنمو الذكي، والتنمية الموجهة نحو النقل، والمدن البيئية، ومبادئ الاقتصاد الدائري، والمشاركة المجتمعية، والتصميم الحضري المرن.
وفي المملكة العربية السعودية، حيث تشهد المناطق الحضرية توسعاً سريعاً، تعتبر الحاجة إلى البنية التحتية الخضراء الفعالة أولوية أساسية.
تشير البنية التحتية الخضراء إلى الأنظمة التي تستخدم العمليات الطبيعية لإدارة مياه الأمطار وتحسين جودة الهواء. وقال الميزاني: “مع توسع المدن، تعد البنية التحتية الخضراء أمرًا حيويًا لإدارة التأثير البيئي مع تحسين قابلية العيش”.
ومن الأمثلة على البنية التحتية الخضراء التي يتم تنفيذها في المدن السعودية مشروع الرياض الخضراء، وهو أحد أكبر مبادرات التشجير الحضري في العالم. وقد أطلقه الملك سلمان في مارس/آذار 2019، وهو أحد المشاريع الضخمة الرئيسية في الرياض.
بهدف خفض درجات الحرارة المحيطة المتوسطة بمقدار درجتين مئويتين خلال فصل الصيف وتحقيق انخفاض في درجات الحرارة يتراوح بين 8 و15 درجة في مناطق غابات مختارة، يهدف المشروع إلى خلق مشهد حضري أكثر راحة.
وبحسب مشروع الرياض الخضراء، من المتوقع أن تساهم المبادرة أيضاً في خفض استهلاك الطاقة السنوي بمقدار 650 جيجاوات في الساعة من خلال تعزيز تقنيات البناء الأخضر، بما في ذلك الأسقف والجدران الخضراء.
بالإضافة إلى ذلك، سوف يعمل المشروع على تعزيز إدارة مياه الأمطار للتخفيف من مخاطر الفيضانات، والحفاظ على المناطق الطبيعية، وتعزيز التنوع البيولوجي.
وأضاف الميزاني أن “دمج عناصر مثل الأسطح الخضراء والحدائق وإدارة المياه المستدامة أمر ضروري للمدن البيئية التي تتناغم مع النمو الحضري مع الأنظمة الطبيعية”.
وتماشياً مع أهداف المبادرة السعودية الخضراء، تسعى المملكة إلى زراعة 10 مليارات شجرة في مختلف أنحاء البلاد بحلول عام 2030، وهو ما يعادل إعادة تأهيل أكثر من 74 مليون هكتار من الأراضي. ويهدف مشروع الرياض الخضراء إلى زراعة 7.5 مليون شجرة في مختلف أنحاء العاصمة وحدها.
وسيتم تخطيط توزيع هذه الأشجار بشكل استراتيجي لتعزيز المساحات المجتمعية المختلفة، بما في ذلك 175 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الفارغة، و16.400 كيلومتر من الشوارع والطرق، و3.330 حديقة حي، و9.000 مسجد، و6.000 مدرسة.
وتعمل المملكة العربية السعودية أيضًا على تعزيز المشهد الحضري المستدام من خلال تنفيذ مبادئ الاقتصاد الدائري، والتي تهدف إلى تقليل النفايات من خلال إعادة الاستخدام وإعادة التدوير.
وقال الميزاني: “إن مبادئ الاقتصاد الدائري، مثل إعادة الاستخدام التكيفي للمباني ومبادرات تحويل النفايات إلى طاقة، تدعم كفاءة الموارد وتوليد الطاقة المتجددة، مما يتناسب بشكل جيد مع أهداف التنمية المستدامة والمرونة في المملكة”.
يمكن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري لتحسين المناطق الاقتصادية في المملكة العربية السعودية مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ومدينة جازان الاقتصادية، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، ومدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة.
وتتماشى مثل هذه أشكال التعاون، المعروفة باسم التكافل الصناعي، مع أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد الدائري، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الموارد والحد من النفايات وحماية البيئة. وهي تنطوي على إعادة استخدام النفايات والمنتجات الثانوية الناتجة عن صناعة أو عملية صناعية معينة لتكون بمثابة مواد خام لصناعة أو عملية صناعية أخرى.
ومن التطبيقات الجديرة بالملاحظة إعادة استخدام المباني بطريقة تكيفية، حيث يتم إعادة توظيف الهياكل القديمة لاستخدامات جديدة، مما يساهم في الحفاظ على الموارد والحفاظ على التراث الثقافي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مركز الملك عبد العزيز التاريخي، الذي يحول المباني القديمة إلى مراكز ثقافية نابضة بالحياة.
المدن البيئية هي مناطق حضرية مصممة مع مراعاة الاستدامة والصحة البيئية. وقال الميزاني: “تجسد المدينة البيئية الناجحة الاستدامة والمرونة في جوهرها، وتقلل من انبعاثات الكربون، وتستغل الموارد على النحو الأمثل، وتدمج البنية الأساسية الخضراء”.
وتستخدم هذه المدن الصديقة للبيئة مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتقليل بصمتها الكربونية. وتستهدف المملكة العربية السعودية توليد 58.7 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وهو ما يؤثر بشكل كبير على استهلاك الطاقة في المناطق الحضرية.
كما أن التصميم الحضري المرن يشكل أهمية بالغة لأنه يركز على إنشاء مدن قادرة على تحمل الضغوط البيئية والتعافي منها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال المباني الموفرة للطاقة ذات التصميمات والمواد الموفرة للطاقة والتي تقلل من استهلاك الطاقة.
وأضاف الميزاني: “تعتبر المواد المقاومة للحرارة عنصراً بالغ الأهمية في مناخ المملكة العربية السعودية، حيث تساهم في تصميم حضري مرن من خلال تقليل متطلبات التبريد. ويتيح هذا النهج كفاءة الطاقة مع تعزيز طول عمر المبنى وراحة شاغليه”.
تتميز المواد المقاومة للحرارة بالقدرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، مما يساهم في توفير الراحة والاستدامة في المناطق الحضرية.
ومع ذلك، فإن تحويل المشهد الحضري في المملكة العربية السعودية بشكل مستدام يطرح العديد من التحديات الكبيرة. وقال الميزاني: “إن الابتكار في السياسات والتعاون بين القطاعين العام والخاص واستراتيجيات الاقتصاد الدائري تشكل محورًا للتغلب على هذه الحواجز بشكل فعال”.
وأضاف أن المشاركة المجتمعية وتشجيع التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني أمر ضروري أيضا لإنشاء مساحات حضرية تعكس القيم البيئية المشتركة.
ومن خلال إشراك السكان، يمكن للتطورات أن تعكس أولويات المجتمع وتفضيلاته بشكل أفضل.
وأضاف الميزاني أن “هذه المجموعات توفر معًا موارد ورؤى متنوعة، مما يخلق أساسًا للنهج المتكاملة للتنمية الحضرية المستدامة”.
وبفضل هذه المبادرات، أصبحت المملكة العربية السعودية على أهبة الاستعداد لوضع معيار للتنمية الحضرية المستدامة في المنطقة.
وقال الميزاني: “من المرجح أن تصبح المدن السعودية المستقبلية نماذج عالمية لمبادئ المدن البيئية، وتتميز بالبنية التحتية الخضراء، والنمو الذكي، وممارسات الاقتصاد الدائري، والتصميم المرن”.