توقّع عبدالله محمد العور المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي أن يشكّل انعقاد القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي 2015 في دبي قفزة نوعية ومهمة في مسيرة الاقتصاد الإسلامي في العالم، مشيراً إلى أن الاقتصاد الإسلامي في العالم بات يقف على أبواب فرصة تاريخية صنعتها الإمارة.
وطرح العور خلال الحوار عدة أفكار مفصلية من شأنها دعم الاقتصاد الإسلامي، من أهمها إنشاء منظمة تجارية عالمية للمنتجات الحلال على غرار منظمة التجارة العالمية، والعمل على إنشاء مؤسسة مالية إسلامية عالمية مركزية تشكل مرجعاً للمصارف التي تتبنى التمويل الإسلامي.
وفيما يلي نص الحوار:
ما هي توقعاتكم من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي بدورتها الثانية التي تنعقد في أكتوبر المقبل؟
ستجمع القمة خبراء ومختصين من مختلف دول العالم حول نقاشات مكثفة وبنّاءة لبحث السبل الكفيلة بدعم مسيرة نمو الاقتصاد الإسلامي، خاصة وأن هذه المنظومة عالمية التأثير والتبني وليس محلية فقط.
نحن واثقون بأن القمة ستشكل قفزة نوعية ومهمة في مسيرة الاقتصاد الإسلامي، لأنها ستستفيد من تجارب وإنجازات السنوات السابقة للخروج بتوصيات عن كيفية تحويل هذه التجربة من معرفة إلى صياغات منهجية علمية..
كما أننا نظمنا عدة حلقات نقاش خلال العام الماضي حول القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الإسلامي مما ساهم في وضع أجندة القمة. نحن نرى أننا على أبواب فرصة تاريخية صنعتها دبي وراكمت مقدماتها للوصول بالاقتصاد الإسلامي إلى العالمية عبر منظومة متكاملة وشاملة قادرة على المنافسة والنمو.
لا يزال التركيز العالمي منصباً على قطاع التمويل الإسلامي أكثر من غيره من القطاعات، وستركز إحدى جلسات القمة على علاقة التمويل الإسلامي بباقي قطاعات الاقتصاد الإسلامي. كيف يمكن برأيك جذب الاهتمام العالمي إلى القطاعات الأخرى؟
الاهتمام العالمي بالتمويل الإسلامي نابع من إدراك المؤسسات المالية أن بعض آليات التمويل السابقة كانت سبباً مباشراً في نشوء الأزمة المالية عام 2008، لذا لجأوا إلى تبني مبدأ التمويل الإسلامي في محاولة منهم لتصويب آليات التمويل.
لكن هذا وحده غير كافٍ، فنحن مقتنعون بأن دعم مسيرة الاقتصاد العالمي والحد من إمكانيات نشوء أزمات جديدة يحتاج إلى ربط التمويل الإسلامي بمختلف قطاعات الاقتصاد الإسلامي..
وهذا يعني توظيف الأصول المالية الإسلامية في دعم قطاعات الاقتصاد الإسلامي مثل صناعة وتجارة المنتجات الحلال بكافة مشتقاتها من أغذية وأزياء وسياحة عائلية وخدمات رقمية، لما في هذه القطاعات من فرص واعدة أقرتها معدلات النمو المتسارعة التي تشهدها. كما يعني اتخاذ الإجراءات السليمة خالية المخاطر أثناء عمليات التمويل سواء من حيث غاية المشروع المراد تمويله، أو من حيث مدى تطابقه مع المعايير الشرعية الإسلامية.
كما هو معلوم، أن غاية التمويل الإسلامي هي توظيف التمويل في عملية تنشيط الاقتصاد الحقيقي وفي المشاريع التي تصب في خدمة مسيرة النهضة والتنمية. وهذه العملية لها محددات ومعايير هي ذاتها التي تنص عليها كافة المواد التثقيفية الصادرة عن مراكز الدراسات الاقتصادية الإسلامية.
طروحات جوهرية
كيف ترون فرص اعتماد التمويل الإسلامي كممارسة عالمية؟ وما هو المطلوب لتحقيق هذه الفرصة؟
إن حاجة العالم إلى منظومة اقتصادية سليمة، هي الدافع الأساس لتبني مفاهيم الاقتصاد الإسلامي على نطاق عالمي واسع، وقد بادرت العديد من المراكز العالمية الكبرى إلى إدخال التمويل الإسلامي ضمن منظومتها المالية.
فقبل سنوات قليلة، نظمت جامعة هوبكنز بالتعاون معنا ومن خلال كلية الدراسات الدولية المتقدمة نقاشات حول التمويل والاقتصاد الإسلامي العالمي بهدف الترويج للقطاع في الولايات المتحدة الأميركية وتشجيع المؤسسات على تبني التمويل الإسلامي.
كذلك أنشأ صندوق النقد الدولي مجموعة استشارية خارجية، تتألف من الجهات المعنية بوضع معايير التمويل الإسلامي للمساعدة على تحديد قضايا السياسات، وتعزيز التنسيق مع مختلف الأطراف المعنية المهتمة بالتمويل الإسلامي.
من ناحية أخرى، شهدنا كيف زاد الاهتمام العالمي بالصكوك الإسلامية التي تعتبر من أهم أدوات التمويل الإسلامي قليلة المخاطر. هذه مجرد أمثلة على توسع الاهتمام بالتمويل الإسلامي والسعي إلى إدخاله كمكون أساسي من مكونات الاقتصاد العالمي.
إن نظام تقاسم المخاطر الذي تستند إليه المصرفية الإسلامية يقود إلى نتائج أفضل من التمويل التقليدي القائم على نقل المخاطر، والنتيجة ستكون حتماً نظاماً جديداً يعتمد على قيم التمويل الإسلامي ومبادئه، ما يوفر له قدرة أكبر على مقاومة الأزمات وتحقيق التنمية.
لذا فالفرصة كبيرة جداً ومساحة تبني التمويل الإسلامي بازدياد دائم. لكن هذا التوجه يحتاج إلى رعاية للمحافظة على جوهره وقيمه وغاياته، لذا نحن نعتبر أن الخطوة المفصلية على هذا الصعيد تتمثل بما يلي:
• إنشاء منظومة عالمية لمعايير أنشطة الاقتصاد الإسلامي بدءاً من معايير تعاملات التمويل الإسلامي لتصبح معتمدة في جميع المراكز المعنية في العالم
• استكمال مهمة تشكيل هيئة دولية تمثل مرجعية موحدة موثوقة للتعاملات الإسلامية، تتأسس على صيغة توافقية ممكنة التنفيذ يُجمع عليها أكبر عدد من المؤسسات المالية العالمية من القطاعين العام والخاص.
• توفير الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على إدارة عمليات التمويل الإسلامي والأصول المصرفية الإسلامية بشكلها الإجرائي اليومي، فمعظم العاملين في قطاع التمويل والصيرفة الإسلامية اليوم هم خريجو مدارس اقتصادية تقليدية، وهنا تكمن الخشية من إعادة نسخ النظام المالي التقليدي بمسمى إسلامي.
• استكمال مهمة قوننة الفقه الإسلامي وخصوصاً فيما يتعلق بفقه المعاملات المالية الإسلامية.
• السعي لإنشاء منظمة تجارية عالمية للمنتجات الحلال على غرار منظمة التجارة العالمية، من مهمتها البحث في كافة الأمور التي من شأنها التأثير على تدفق السلع الحلال بين حدودها، مثل الجمارك وإجراءات الحدود والمعابر وغيرها.
• توفير منتجات مالية تتوافق مع متطلبات التنمية الحقيقية على غرار الصكوك التي تشهد رواجاً وإقبالاً عالمياً واسعاً.
• من الضروري في المرحلة القادمة العمل على إنشاء مؤسسة مالية إسلامية عالمية مركزية تشكل مرجعاً للمصارف التي تتبنى التمويل الإسلامي.
• الارتقاء بمستوى الدراسات والأبحاث الاقتصادية الإسلامية، لتحليل توجهات الأسواق واحتياجاتها واستثمار النتائج الموصى بها.
ما هي الفرص التي يتيحها الاقتصاد الإسلامي لتحقيق النمو الاقتصادي؟
يشكل الاقتصاد الإسلامي إضافة هامة من حيث النوع والكم على الاقتصاد العالمي، فسيادة مفاهيم الاقتصاد الإسلامي ستشكل حافزاً للاقتصاد التقليدي على تبني مفاهيم وضوابط مختلفة عما كانت عليه سابقاً.
إن المنافسة التي بات يطرحها الاقتصاد الإسلامي بما يمثله من مبادئ وأخلاقيات في العمل ستدفع الفاعلين على الساحة الاقتصادية إلى تبني هذه المبادئ حتى يتمكنوا من مقاربة آلياتهم بآليات الاقتصاد الإسلامي لمواكبة نموه المتسارع.
هذا بحد ذاته يشكل إضافة نوعية على أخلاقيات العمل وسلوكياته وضوابطه، وسيجعل الاهتمام منصباً بشكل أكبر على المشاريع التنموية الحقيقية والابتعاد عن المغامرة في تداول المال وتحقيق الأرباح من دون أن يترك هذا المال أثره الحقيقي على الأرض المتمثل بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية أو بفتح آفاق جديدة للخروج من المأزق الذي يعاني منه الاقتصاد التقليدي العالمي.
مجالات جديدة
قال عبد الله العور إن الاقتصاد الإسلامي لم يكتف بتسليط الضوء على قطاعات واعدة بعينها، مثل إنتاج وتجارة السلع الحلال والسياحة العائلية والثقافية وغيرها، بل استحدث مجالات جديدة للاستثمار تعتبر بحد ذاتها فرصة لنمو مضمون، وتحمل فرصاً استثمارية واعدة تضفي ثراءً وتطوراً ملموساً على الاقتصاد العالمي، سواء بتوفير فرص عمل جديدة على نطاق واسع أو بتنشيط الاقتصاد العالمي وتحقيق الاستقرار لمكوناته والأمان المالي للعاملين فيه.
توحيد المواصفات في المنطقة يدعم انتشارها عالمياً
قال عبد الله العور إن مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي يسعى إلى عولمة المعايير لتصبح عالمية التداول. وأضاف: على الصعيد الإقليمي نحن نأمل بأن تسهم اتفاقية توحيد المواصفات والمعايير الموقعة بين دول مجلس التعاون الخليجي، في توحيد المعايير عالمياً..
وذلك بسبب المكانة الهامة التي تحتلها دول مجلس التعاون الخليجي كواحدة من أهم الأسواق المستوردة والمستهلكة للسلع والمنتجات الحلال. كما سنواصل النقاشات مع المراكز الاقتصادية العالمية حول قابلية هذه المعايير للتبني العالمي مع انفتاحنا لأي تعديلات أو إضافات قد تسفر عنها هذه النقاشات طالما بقيت في إطار التزامها بالمعايير الشرعية.
هذه المساعي ستشكل خطوة هامة على طريق تأطير هيكلي وتشريعي للأنشطة الإسلامية حول العالم ونرى على سبيل المثال أن هناك إمكانية لكي تصبح الدول المصنّعة والمصّدرة للمنتجات الإسلامية حاضرة وفاعلة بشكل أكبر في منظمة التجارة العالمية التي تتيح من خلال اتفاقياتها تسهيلات لحركة ونشاط التداولات التجارية على الساحة العالمية.
فإن الحاجة إلى توحيد المعايير للمنتجات والخدمات الحلال على أنواعها ستفرض نفسها في نهاية الأمر. إذ يبلغ حجم المنتجات الحلال 1.3 مليار دولار سنوياً، أي 20 % من حجم التجارة العالمية للقطاع بوجه عام، مع العلم أن 75% من هذه المنتجات مصدرها دول غير إسلامية.
لذا هناك حاجة ملحة لتنظيم هذا القطاع استناداً لمعايير الشريعة الإسلامية، وستعبر هذه الحاجة عن نفسها بطبيعة الحال، وأعتقد أن دبي أمام فرصة تاريخية لقيادة الجهود في هذا المجال بسبب تجربتها الغنية وما راكمته من خبرات.
تنشيط الوقف يخدم مسيرة التنمية
قال عبد الله العور إن قيمة قطاع الوقف الذي يقدر حجمه على مستوى العالم بنحو 105 مليارات دولار، يوفر قوة دافعة فريدة لنمو التمويل الإسلامي، مما يشير إلى ضرورة تفعيل هذا القطاع لخدمة مسيرة التنمية البشرية لا شك في أن تفعيل دور الوقف يحافظ على القيم الاجتماعية لدى الأفراد من خلال التركيز على دعم القطاعات غير الربحية مثل الصحة والتعليم..
وتمكين المناطق التي تعاني من تباطؤ في عمليات التنمية. وأشار أن هذا التفعيل يحتاج إلى توفر عدة شروط أبرزها دمج الوقف بمنظومة الاقتصاد الإسلامي مع الحفاظ على طابعه التطوعي والخيري، وتوفير التشريعات والقوانين الناظمة للنشاطات المالية في المؤسسات الوقفي، وتأهيل الكوادر اللازمة لخدمة هذا القطاع، وتوسيع الدراسات والأبحاث المتخصصة في البحث عن الفرص الاستثمارية لتوظيف أموال الوقف.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-7Bl