لا يخفي نديم مكارِم، مؤسس شركة “غو – جيك” لتقديم خدمات التوصيل ونقل البضائع على متن دراجات بخارية في إندونيسيا، رأيه في أحوال المرور في العاصمة جاكرتا؛ وهي مسقط رأسه.
يقول مكار: “الانفجار السكاني هنا (في جاكرتا) جعلها المدينة الأكثر ازدحاما في العالم”. ويكفي النظر إلى الأرقام لتأكيد صحة ذلك. فالتقديرات الخاصة بعدد سكان تلك المدينة الضخمة الواقعة في جزيرة جاوة تشير إلى أن عددهم يفوق عشرة ملايين نسمة؛ بل إن تعداد ما يُعرف بـ”جاكرتا الكبرى” يناهز الثلاثين مليوناً.
وتضم المدينة بين جنباتها ما يُقدر بـ 18 مليون سيارة ومركبة، تبلغ سرعة كلٍ منها في المتوسط قرابة ثمانية كيلومترات في الساعة، وهو أمر يتفق الاقتصاديون على أنه يضر بقدرة جاكرتا على النمو. ويقول رجال الأعمال الزائرون للمدينة إنهم عادة ما يُجَدْوِلُونَ اجتماع عمل واحداً فقط في اليوم خلال الزيارة، نظراً لأن أحوال المرور في جاكرتا تبلغ من السوء حداً يحول دون جدولتهم أي اجتماع ثانٍ.
ما هو الحل إذاً؟ يعتقد مكارِم، الإندونيسي المولد، أن لديه حلا.
التنفيذ على نطاق واسع
فشركته “غو – جيك”، التي تأسست عام 2011 كشركة صغيرة تتولى عملية نقل البضائع على متن دراجات بخارية، تحولت إلى شركة تعمل في مجال إيصال خدمات متعددة لطالبيها، وكذلك في توفير خدمة النقل عبر استخدام أحد تطبيقات الهواتف الذكية. ومنذ ذلك الحين تحقق شركة “غو – جيك” نجاحا كاسحا في جاكرتا.
ويقر مكارِم (30 عاما) بأنه لم يكن أول من استنبط فكرة إقامة شركة مثل هذه، قائلا: “الكثيرون قبلي فكروا في هذا أيضا. كنّا فقط أول من نفذ ذلك على نطاق واسع”.
ويوضح هذا الشاب، المتخرج في كلية الأعمال التابعة لجامعة هارفارد الأمريكية، أن الأمر كله بدأ عندما تعامل – خلال فترة للتدريب الصيفي أثناء دراسته الجامعية – مع مجموعات من قائدي الدراجات البخارية، الذين يقدمون خدمة توصيل الأشخاص بالأجرة على نحو غير نظامي في جاكرتا، والذين يُعرف الواحد منهم باسم “أوجيك”.
ويعمل هؤلاء في شكل مجموعات، تنتشر في شوارع العاصمة الإندونيسية، ولا يحصل كل منهم سوى على حفنة دولارات أمريكية مقابل التوصيلة الواحدة. رغم ذلك فهم خبراء في شق طريقهم وسط الزحام المروري الكثيف، عبر النفاذ من أي ثغرة متاحة، والتنقل من هذا الجانب على الطريق إلى ذاك، ولذا تُعتبر الخدمة التي يقدمونها الأكفأ والأقل تكلفة؛ للانتقال من مكان لآخر في العاصمة الإندونيسية.
وخلال فترة التدريب الصيفي، كان مكارِم يقضي وقته مع قائدي الدراجات البخارية هؤلاء، للتعرف على أوضاعهم الاقتصادية، مقابل دعوتهم لاحتساء القهوة على نفقته.
ويستطرد بالقول: “كنت أريد التعرف على ما يحبونه بشأن عملهم، وما يكرهونه” كذلك.
وهنا سرعان ما أدرك الشاب الإندونيسي – كما يقول – أن بوسع العاملين في هذا المجال القيام بما هو أكثر بكثير مما ينخرطون فيه عادة، فقد كانوا يعملون 14 ساعة يوميا، دون أن يجنوا عائداً يوازي هذا العدد من الساعات، إذ ربما لا يقومون سوى بخمس توصيلات في اليوم حسبما يقول مكارِم، الذي اتفق مع عدد قليل منهم، على العمل كسائقين غير متعاقدين لحساب شركته لنقل البضائع؛ وهي شركة ناشئة وقتذاك.
وبدأت شركة “غو – جيك” عملها من شقة صغيرة، وبعدد محدود من الموظفين، كان يُوكل إليهم الرد على الاتصالات الخاصة بطلبيات نقل البضائع. ويقول مكارِم إن غالبية العملاء في ذلك الوقت “كانوا من الأقارب والأصدقاء”.
ولكن الشركة نجحت في تحويل نفسها في ما بعد إلى خدمة تُقدم عبر أحد تطبيقات الهواتف الذكية. وبات يعمل لحسابها نحو 200 ألف قائد دراجة بخارية – غير مرتبطين بعقود معها – وذلك جنبا إلى جنب مع مئات من مقدمي الخدمة الآخرين.
ويقول مكارِم في هذا الشأن: “خلال ثلاثة شهور، حَمَّلَ ثلاثة ملايين شخص التطبيق، وهو ما لم نكن نتوقعه بالمرة. لقد حققنا هدفنا من السنة بأكملها في غضون شهرين”.
ويضيف بالقول: “خلال سنة، كان لدينا أكثر من 11 مليون عملية تحميل (للتطبيق) وهو ما تجاوز توقعاتنا كافة”. وبوسع العملاء استخدام هذا التطبيق؛ لحجز توصيلة على متن دراجة بخارية، أو طلب توصيل طعام إلى حيث يشاؤون، أو للحصول على خدمات تنظيف، أو حتى لطلب استقدام خبراء تجميل وتدليك، يأتون إليهم حيثما يريدون.
وقد أطلقت “غو – جيك” مؤخرا خدمة جديدة تحمل اسم “غو – كار”. كما أنها بصدد تحويل نظام المدفوعات المستحقة لها من الدفع النقدي إلى التحويلات المصرفية، وذلك بفضل شراكة مع بعض كبريات المصارف في إندونيسيا.
رحلة عسيرة
ولكن التحول من شركة ناشئة إلى مشروع تجاري متكامل لم يكن سهلا، كما يقر مكارِم؛ إذ كان ذلك محفوفا – منذ عام 2011 – بالكثير من التحديات.
ويوضح بالقول: “لقد شارف نظامنا (الإلكتروني) على الانهيار بمجرد بدء العمل به، وذلك من كثرة الاستخدام. بعد ذلك، فُرض حظر مؤقت لمدة 12 ساعة على استخدام خدمة التوصيل التي تعتمد على التطبيق (الخاص بالشركة) في إندونيسيا. غمرنا ابتهاج بالغ عندما أُلغي هذا القرار على يد الرئيس ونائبه”.
غير أن “غو – جيك” واجهت مشكلات أخرى مرتبطة بمجال عملها الذي يحتوي على منافسين كبار؛ مثل شركات التوصيل المعتمدة على تطبيقات الهواتف الذكية؛ مثل “أوبر” و”غَراب”، فضلا عن الشركات المحلية المُشغِلة لسيارات الأجرة.
وفي وقت سابق من العام الجاري، تحولت تظاهرات قادها سائقو سيارات الأجرة الذين يُمكن وصفهم بـ”التقليديين” ضد شركات مثل “أوبر” إلى احتجاجات عنيفة. كما استحوذت مشاهد إحراق إحدى السترات المُميزة للسائقين العاملين مع “غو – جيك” في الشوارع على اهتمام وسائل الإعلام؛ بل إن بعضاً من هؤلاء السائقين جُرحوا خلال التظاهرات.
وهنا يقول مكارِم: “كانت هذه مشكلة كبيرة.. ولكننا تجاوزناها.. تقف الحكومة وراءنا، وهي داعمة لنا للغاية”.
ويضيف الرجل أنه يعتقد أن الإندونيسيين سيؤازرون شركته في نهاية المطاف، طالما تعمل على تحسين ظروف حياة ومعيشة الجانب الأكبر منهم.
طريقٌ للنجاح؟
ومن بين العقبات التي تعين على هذه الشركة اجتيازها أيضا؛ مسألة إيجاد مستثمرين يوفرون دعما ماليا لها. اللافت هنا ما يقوله مكارِم من أنه لم يُكرس نفسه للعمل بالكامل لصالح “غو – جيك”، منذ تأسيسها عام 2011، سوى بعد النجاح في نيل “قدر من الدعم” من قبل مستثمرين.
وعلى سبيل المثال، فقد بدأت شركة “إن إس آي” ومقرها سنغافورة – وهي جزء من مجموعة “نورث ستار” – ضخ استثماراتها في شركة “غو – جيك” في عام 2014.
وتفيد تقارير بأن من بين المستثمرين الآخرين أيضا، شركات ومؤسسات مثل “سِكويا كابيتال”، “سوفت بانك”، “فِرتكس فينتشر”، و”دي إس تي غلوبال” التي أسسها الروسي يوري ملينر. ورغم أن مكارِم لا يفضل مناقشة تفاصيل الحصص المالية لهذه الشركات في “غو – جيك”، فإنه يشعر بامتنان واضح حيال إسهاماتها المالية في ميزانية شركته.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال الرجل إن شركته تسعى لأن تصل قيمتها السوقية التقديرية إلى ما يزيد على مليار دولار أمريكي.
وكشف هنا عن أنه في الفترة السابقة لاجتذاب الشركة مستثمرين يوفرون الدعم المالي لها، لم يكن بوسعه حتى تحمل نفقاته هو نفسه، قائلا: “لذا اضطررت للعمل لحساب آخرين”. وقد بدأ مكارِم في تكريس نفسه بشكل كامل لشركته في 2014، قبل عام واحد من إطلاق التطبيق الخاص بها.
وعلى أي حال، يرفض نديم مكارِم مناقشة التفاصيل المالية الخاصة بالشركة. ولكنه عندما سُئل عما إذا كان سيقبل بيعها إذا ما عُرض عليه مبلغٌ مناسب؛ رد بالقول: “أبيعها بالكامل؟ حسناً، المستثمرون لدينا بحاجة إلى جني أرباح – في مرحلة ما – مقابل استثماراتهم، ولكنني لا أرى أن ثمة صفقة بيع ستجري في أي وقت قريب”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-d9V