إذا لم يكن تشاتري سيتيودتونغ يحضر حفلات كثيرة أيام دراسته بجامعة هارفارد، فلأنه كانت لديه حجة قوية، إذ كان عليه أن يسمح لأمه التي لا تجد مأوى آخر بأن تشاركه غرفته في سكنه الجامعي.
ولد تشاتري وترعرع في تايلاند لعائلة موسرة، وكان يدرس بتلك الجامعة الأمريكية المرموقة في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما حدثت الأزمة المالية الآسيوية.
في خضم تلك الأزمة الاقتصادية الحادة، عاد إلى بانكوك. كانت شركة عقارات والده قد إنهارت، وخسرت العائلة كل شيء.
واستعاد البنك العقاري ملكية منزلهم، ووضع يده على حساباتهم المصرفية. ويقول تشاتري إن والده هجرهم وهرب بعد هذه الأزمة.
ومع بقاء والدته وحيدة بدون مأوى، جمعت ما تبقى من أموال تكفي لرحلة إلى بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم يكن أمامه إلا إدخالها خلسة إلى سكنه في جامعه هارفارد.
“كانت لدي غرفة صغيرة في السكن الجامعي، وكنت بحاجة إلى استعمال بطاقة الكترونية لدخول المبنى”، كما يقول تشاتري، الذي يبلغ الآن 45 عاماً.
“لذا، كنت أرتب الأمر مع أمي لكي ألقاها أمام المدخل. لم يكن هناك أي مكان آخر تأوي إليه”.
كان تشاتري ينفق أربعة دولارات أمريكية فقط (3 جنيهات استرلينية) في اليوم بعدما وصل وضعه المالي إلى درجة حرجة.
وخلال أيام هارفارد، حسبما يقول تشاتري، كان قد تعهد في شبابه بأن يعيد ثروة عائلته مستعملاً المَلَكة العقلية التي اكتسبها من تكريس جلّ حياته للفنون القتالية دفاعاً عن النفس.
“وجدنا أنفسنا في ظروف كئيبة تماماً”، كما يقول، مضيفاً: “كانت سنين تدريبي على الفنون القتالية هي التي وهبتني الشجاعة وأخلاقيات العمل والتوق للكفاح من أجل تحقيق أحلامي. كل هذه الأمور مكنتني من إخراج عائلتي من حالة الفقر”.
وخلال عقد من الزمن، أصبح تشاتري من أصحاب الملايين، ويدير بنفسه صندوق استثمار خاص به في بورصة “وول ستريت”. وهو اليوم مؤسس ورئيس منافسات “وان تشامبيونتشيب”؛ وهي مباريات متلفزة في عموم شرق آسيا للفنون القتالية المختلطة، وتُبث إلى أكثر من مليار بيت.
“أفتقد شيئا ما”
ولكي يتحمل نفقات العيش والبقاء في هارفارد، حيث كان يدرس لنيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، حصل تشاتري على قروض من البنوك وبدأ في تعليم رياضة “موياي تاي” (أو الملاكمة التايلاندية)، وهي ضرب من فنون القتال التايلاندية تشبه ملاكمة الركل (كيك بوكسينغ).
قضى تشاتري سنين مراهقته وهو يتدرب على هذا النوع من الفنون القتالية، حتى أنه شارك في منافسات المحترفين بضعة مرات.
وما بين دراسته في جامعة هارفارد وتدريسه فنون لعبة “موياي تاي”، تمكن تشاتري أيضاً من إيجاد متسع من الوقت ليبدأ نشاط شركته الناشئة مع أحد زملائه الطلبة.
كان مشروعهم عبارة عن شركة مبتدئة في مجال تطبيقات الكمبيوتر تدعى “نيكست دور سوليوشينز”.
ومع مواصلة إدارة الشركة بعد تخرجه، انتقل تشاتري وشريكه التجاري إلى كاليفورنيا وضمنا حصولهما على استثمار بقيمة 38 مليون دولار أمريكي.
بعد بضعة سنين، باعا المشروع دون الإفصاح عن قيمة الصفقة. وفي الوقت الذي يقول فيه تشاتري إنه لم يحصل على ما “يكفي للتقاعد”، فقد “تذوق لأول مرة طعم النجاة من الفقر”.
ثم قرر، بعد تجربة “نيكست دور سوليوشينز”، الخوض في غمار شيء جديد بالكامل، وانتقل إلى نيويورك ليمارس مهنة جديدة في بورصة “وول ستريت”.
ويقول تشاتري: “كنت مفتوناً دوماً بسوق الأسهم، وأردت أن أتعلم ما يدور في دنيا الموارد المالية العالمي”.
وانبهر تشاتري بالعمل الذي قام به لصالح اثنين من كبار صناديق الاستثمار إلى درجة أنه حصل في عام 2005 على العون اللازم لإطلاق صندوق استثماره الخاص به. كانت شركته، المسماة “إزارا كابيتال مانيجمنت” تدير استثمارات بلغت قيمتها 500 مليون دولار أمريكي.
ويقول إنه في ذلك الوقت، وكان قد بلغ 37 عاماً وصار من أصحاب الملايين، أدرك رغبته في إجراء تحول آخر في حياته المهنية.
ويضيف: “عندما كنت في حالة فقر مدقع، شعرت على الدوام بأني سأكون سعيداً عندما أكون من أصحاب الملايين، وستُحل جميع مشاكلي. لكن شيئاً ما كان لا يزال ينقصني، لم أكن أشعر بالرضا. لم أكن أشعر أنني أقوم بما أريد أن أقوم به”.
وبالتالي، قرر في عام 2008 ترك العمل المصرفي والعودة إلى “حبه الأول”، وهو الفنون القتالية.
عزم وتصميم
وقتها، كان تشاتري يعيش في سنغافورة حيث استقر فيها ليطلق منها الفرع الآسيوي لصندوق استثماره الخاص.
ولرغبته في إنشاء مشروع ما يختص بالفنون القتالية، هداه تفكيره إلى حقيقة مفادها أنه لا توجد منافسات رئيسية للفنون القتالية المختلطة في عموم آسيا.
لذا، قرر إطلاق مشروع كهذا، ويقوم ببثه عبر التلفاز. وقد أرادها مباريات للفنون القتالية المختلطة، بمعنى أنه يمكن للمتنافسين فيها أن يستعملوا أي شكل من أشكال الفنون القتالية. وهذا يعني أن باستطاعة شخص خبيرٍ بفن “موياي تاي” أن يدخل الحلبة مواجهاً شخصاً آخر يحمل حزاماً أسوداً في فن الكاراتيه.
وبفضل خبرة تشاتري لعقد من الزمن في بورصة “وول ستريت”، فقد كانت له علاقاته التي احتاجها لجمع التمويل اللازم لإقامة مثل هذه المسابقة. وفي نفس الوقت، فإن خبراته الماضية في الفنون القتالية جعلته مقبولاً لدى منظمات رياضية معتبرة متنوعة لأنها تثق فيه بما يكفي ليطلق مشروعه.
وبعد تعلم مواهب جديدة أيضا في البث التلفزيوني الرياضي من كافة أنحاء العالم، أطلق شركته التي تحمل اسم “وان تشامبيونتشيب” في عام 2011.
وقد حقق المشروع نجاحاً فورياً، وتُبث منافسات “وان تشامبيونتشيب” حالياً عبر قناة “فوكس سبورتس آيشيا”.
وتضم المنافسات في هذه البطولة عشرة أوزان مختلفة للرجال، ووزن للنساء. أما المباريات فتقام في الصين، وإندونيسيا، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وتايوان، وتايلاند.
ومع عدم كشف “وان تشامبيونتشيب” عن تفاصيل أمورها المالية، فإن تشاتري يقول إنها تسير على المسار الصحيح لتحقيق قيمة في السوق تقدر بمليار دولار أمريكي “في المستقبل القريب” بفضل العائدات من حقوق البث ومبيعات التذاكر.
وقد ظل الصحفي الرياضي جيمس غويدر يكتب عن منافسات فنون القتال المختلطة الآسيوية لما يقرب من عقد من الزمن، ويقول عن تشاتري إنه من دون شك “يتمتع بعزم، واهتمام مركز، ومندفع”.
ويضيف غويدر قائلاً: “في أقل من خمس سنوات، وسّع (تشاتري) من بطولة ’وان تشامبيونتشيب‘ لتصبح واحدة من أكثر البطولات الرياضة تميّزاً في آسيا”.
ومع أن بطولة “وان تشامبيونتشيب” ليست بضخامة مستوى منافستها الأمريكية في الفنون القتالية المختلطة “بطولة القتال النهائي” (التي بيعت مؤخراً بمبلغ أربعة مليارات دولار أمريكي)، فإن بعض المعلقين يقولون إن نمو تلك البطولة الآسيوية هو أكبر بفضل هيمنتها على السوق الآسيوية الكبيرة، وعلى جماهير واسعة في تلك المنطقة.
وتقيم “وان تشامبيونتشيب” 15 حدثاً رياضيا في دول شرقي آسيا خلال هذا العام، مقارنة بحدث واحد تقيمه “بطولة القتال النهائي”.
صحيح أن منافسات “وان تشامبيونتشيب” تبدو شرسة، لكن تشاتري ـ الذي لا يزال يمارس فن “موياي تاي”ـ يصر على أن الناس في الغرب لا يزالون “يسيئون فهم الفنون القتالية عموما على أنها تعني القتال والعنف فقط”.
ويقول تشاتري: “الحقيقة هي أنها تعد في آسيا نمط من أنماط الحياة، ومنبر تُطلِق من خلاله العنان لقدراتك كإنسان”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-ecb