مجلة مال واعمال

شركة أجنبية دمرت مدينة عمرها 2000 سنة في 200 دقيقة والسبب؟

-

234829_500478_largeتتعرض المعالم الأثرية والتاريخية بعاصمة الحماديين بجاية لأبشع أنواع التخريب والتشويه، دون أن تتحرك أي جهة لتقويم الوضع وإنقاذ هذه الكنوز من بطش الإنسان والآلة من جهة، وعوامل التعرية الطبيعية من جهة أخرى، وهذا في ظل التزام وزارة الثقافة موقف المتفرج الصامت.
يجمع أقطاب الحركة الجمعوية على أن المدن الأثرية ببجاية تتعرض خلال السنوات القليلة الماضية لهزات تكتونية عنيفة، إلى درجة انهيار البعض منها رغم صمودها أمام عوامل الدهر لقرون عديدة، وهو ما جعل ممثلي الحركة الجمعوية يدقون ناقوس الخطر ويطالبون “البومباردي”، في إشارة إلى والي بجاية الجديد، بالتدخل من أجل إنقاذ المعالم الأثرية من الزوال.
مدينة أثرية عمرها 2000 سنة تجرفها الجرافات الصينية في أقل من 200 دقيقة صدمة كبيرة تلك التي حلت بسكان قرية ألاغن ببلدية تازمالت، بعد أن وقفوا قبل أسابيع على جريمة لم يسبق لهم أن شاهدوا مثلها، حيث أقدمت الجرافات والآليات الصينية التابعة للشركة المكلفة بإنجاز مشروع الطريق السريع بجاية – البويرة، ساعات قبل عيد الأضحى، على تهديم وتخريب مدينة أثرية يزيد عمرها عن 2000 سنة تحمل اسم “تابلاست”، وهي تعود إلى بداية التواجد الروماني بشمال إفريقيا.
“الخبر” انتقلت إلى ألاغن رفقة عدد من طلبة علم الآثار الذين أرادوا الوقوف على حقيقة ما حدث للموقع الأثري “تابلاست” الذي يبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 85 كلم، خاصة أن الكثير من الباحثين في الآثار يؤكدون أن المدينة الثرية “تابلاست” هي شقيقة للمدينة الرومانية “تيكلات” أو “تومبوسوبتو” ببلدية القصر التي نجت بدورها بأعجوبة من الجرافات الصينية، بعد تنقل عدد كبير من حماة التراث من شباب بلدية القصر والمنخرطين في جمعية “تيكلات”، مشكّلين جداريا بشريا لحمايتها.
وبإقليم قرية ألاغن غير البعيدة عن تازمالت، وبالتحديد بمنطقة “تابلاست”، وقفنا على حقيقة الجريمة في حق التراث.. عدد كبير من الأحجار التي تحمل أشكالا مربعة، فيها نقوش وكتابات رومانية ورسومات مرمية بشكل عشوائي على شكل حطام مخرّب، قطع أثرية استعملت في البناء، وأخرى للزخرفة تعرضت للحرث، فتشوّه وجهها.
وغير بعيد عن الموقع المنكوب، التقينا بمجموعة من الشباب الذين استفسرونا عن سبب الحضور، وأخبرونا أنهم متطوعون تجندوا لحماية الموقع الأثري.
وكشف لنا أحدهم أن بداية “المجزرة” تعود إلى أمسية عيد الأضحى، حيث تنقلت العشرات من الآليات الضخمة والجرافات والعشرات من العمال إلى موقع المدينة الأثرية وشرعوا في حرثها، وتمكنوا في ظرف 20 دقيقة من تخريب 70% من مساحة المدينة الأثرية، ولم يتوقفوا إلى أن تدفق شباب القرية ومنعوهم من الاستمرار، وكان الصينيون -حسب ذات المتحدث- مدججين بكمية من الترخيصات المكتوبة بخط اليد، والتي حرر بعضها مسؤولون ببلدية تازمالت في ظل غياب رئيس البلدية، وأخرى تحمل توقيع مسؤولين في المزرعة النموذجية عبد الرحمن ميرة.
وفيما لم يتردد الشباب في وصف الصينيين بالمجرمين، أكدوا أن المدينة الأثرية المقصودة بعيدة عن الإطار المسطر للطريق السريع، وأن هذه المدينة تقع في الضفة اليسرى لوادي الصومام، بينما يتواجد مشروع الطريق السريع في الضفة الأخرى، ليتبين بعدها أن الصينيين يريدون استغلال الموقع لتحويله إلى قاعدة حياة للعمال.
وبسرعة انتشر خبر “المجزرة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتتهاطل التنديدات من كل الجهات، ما دفع بالكثير من المهتمين بالآثار من أفراد وجمعيات للنزول إلى الموقع، حيث شوهد عدد كبير من السيارات التي قدمت من مختلف البلديات، ومنها القصر وخراطة وبجاية، وأخذوا صورا لتأكيد فظاعة ما يحدث، وبقيت تحركات الزوار تحت العين المراقبة للمتطوعين من قرية ألاغن الذين أرادوا حماية الآثار من اللصوص ومحترفي نهب الآثار، خاصة تلك القطع الأثرية التي تم انتشالها من تحت الأرض.
بوجمعة أحد المتطوعين لحماية المدينة والقادم من بلدية بوجليل غير البعيدة عن الموقع، أكد لنا أن الشركة المكلفة بأشغال الطريق لا تحوز على الوثائق والرخص التي تدعي العمل بها، والوثيقة الوحيدة التي تملكها هي محضر بسيط يحمل توقيعات مسؤول الوكالة الوطنية للطرقات السريعة وعضو بمجلس بلدية تازمالت ومدير المزرعة النموذجية التي تتواجد فيها المدينة الأثرية. وأضاف المتحدث أنه بعد احتدام النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحرك رئيس بلدية تازمالت وتنقل إلى موقع الجريمة وأمر بتوقيف أشغال الهدم فورا، وحاول تبرير ذلك بعدم علم السلطات بالطابع الأثري للموقع، خاصة أن المرور إليه ليس بالأمر الهين، لوقوعه وسط المزرعة التي تدّعي النموذجية جورا، ووعد رئيس الدائرة المتطوعين بعدم السماح للعمال بالعودة، واتخاذ إجراءات مع الجهات المعنية للحفاظ على هذا الكنز التاريخي.
فريد أبركان طالب بمعهد علم الآثار وأحد سكان المنطقة، قال إن بحوثا تاريخية كثيرة أشارت إلى أهمية هذا الموقع، وتوجد مجموعة من الطالبات بصدد تحضير مذكرة تخرج حول موقع “تابلاست”، وقال إن هناك احتمالا كبيرا أن تكون المدينة الرومانية ذات أهمية كبيرة جدا بحكم المساحة التي تحتلها والمقدرة بعدة هكتارات والأروقة والمصاعد والمنتجعات والقنوات الباطنية وغيرها. وأوضح ذات المتحدث أنه رغم أهمية الموقع الأثري وعلاقته بالمدينة الرومانية “تيكلات” بالقصر، فلا أحد كلف نفسه عناء المخاطرة بإنجاز أشغال الحفر والتنقيب عن الآثار، باستثناء قيام المتطوعين منذ زمن بعيد بإخفاء عدد من القطع الأثرية داخل المزرعة النموذجية، وهي متواجدة بها إلى اليوم.
المعالم الأثرية بمدينة توجة تحولت إلى ملكية خاصة
بمدينة توجة التاريخية، لم يتردد عدد من المواطنين في تحويل عدة مواقع أثرية وتاريخية إلى ملكية خاصة، من خلال اتباع استراتيجية “الضم الأعمى”، حيث تم حبس الكثير من هذه الآثار داخل محتشدات محاصرة ممنوع على أي شخص الاقتراب منها، فبعض المواطنين لم يترددوا في تحويل أجزاء كثيرة من الآثار إلى أعمدة لمنازلهم، وآخرون استعملوا الأحجار المربعة كمواد للبناء، وأخطر من ذلك أقدم بعض أعداء التراث على تسييج المساحات التي تتواجد فيها الآثار، وتحويل المساحات المحيطة بها إلى بساتين، مستغلين عدم اهتمام المنتخبين والمسؤولين المحليين بالتراث.
جمعية حماية البيئة بالبلدية خاضت عدة حروب ضد المعتدين على الآثار، لكنهم فشلوا في جميعها، بسبب عدم وقوف أي طرف إلى جانب منخرطي الجمعية من طلبة الثانويات والجامعة وناشطي الحركة الجمعوية، وقاموا بمراسلة حتى وزيرة الثقافة قبل سنوات من أجل مطالبتها بالتدخل ولكن دون جدوى، وهو ما شجّع المعتدين على التمادي، خاصة أن المساحات المحيطة بالآثار عبارة عن تربة خصبة جدا دائمة الاخضرار، قبل أن تطالها أيادي التشويه.
ولم يشفع لفائدة الآثار التاريخية بتوجة حتى تحويلها إلى عاصمة عالمية للماء، بفضل مجهودات جمعية جميهاب التي أنجزت، بالتعاون مع البلدية وإعانة منظمة أوروبية، متحفا للماء بمدينة توجة.
وللتذكير فإن توجة يطلق عليها اسم مدينة القنوات المعلقة، وهي التي كانت تزوّد مدينة بجاية على بعد 20 كلم بالماء الصالح للشرب خلال العهد الروماني عبر القنوات المعلقة، والتي لم يبق منها اليوم إلا القليل فقط، وهو أيضا معرض للتلف والتشويه والاستحواذ غير القانوني من قبل أعداء التاريخ. ويبقى أمل سكان توجة معلقا بالإرادة الفولاذية لمسؤول الهيئة التنفيذية الجديد من أجل تحرير المعالم الأثرية من مخالب من لا يقدّر قيمتها.
قصبة بجاية تواجه التهديم بأشغال الترميم
تثير الطريقة التي يتم من خلالها ترميم الواجهة الخارجية لقصبة بجاية استياء واسعا في صفوف أنصار التراث، من جمعيات وشخصيات وحتى المسؤولين المحليين والمركزيين، حيث عبر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي عن عدم رضاه للطريقة المنتهجة في الترميم، وقال إنها تشوه تاريخ قصبة بجاية التي كانت أول جامعة في شمال إفريقيا، وهذه الجامعة التي درس فيها العلامة ابن خلدون وفيها ألّف ربع مقدمته المشهورة، وفي أقسامها تعلم التلميذ الأوروبي ليوناردو دافنشي أسرار الرياضيات، وفيها وقعت أكبر مناظرة دينية في التاريخ بين العالم الأوروبي ريموند لول والفقيه الإسلامي الإدريسي. الوزير الذي كان مرفقا بوالي بجاية، خلال زيارة رسمية له إلى بجاية، وقف مشدوها أمام ما يحدث في القصبة، وحسب برلمانيين من بجاية سبق لهم أن أبلغوا الوزير بالمأساة، أكدوا أنه لم يكن يتصور حجم الضرر، وأنه لن يقبل أن تصرف مئات الملايير من أموال الدولة من أجل تشويه تاريخها، واقترح الوزير كإجراء أولي إيجاد طريقة أخرى لترميم قصبة بجاية.
من جهته برر مدير الثقافة لولاية بجاية ذلك بطبيعة مادة البناء المستعملة، حيث قال إنها تخلو من المواد الحديثة، وإن المادة الرئيسية المستعملة مستخلصة من طحن الآجر المأخوذ من الجدران نفسها وإعادة صبغها بها، وهي الإجابة التي لم تقنع لا الوزير ولا الوالي، وأكثر من ذلك كشف هذا الأخير أنه سيعد تقريرا مفصلا سيرسله إلى وزير الثقافة من أجل إعادة النظر في مشاريع إعادة ترميم القصبة.
البرلماني شافع بوعيش من الأفافاس اعتبر ما يحدث لقصبة بجاية “جريمة”، وتساءل عن دواعي ترميم معلم أثري قديم بمواد بناء حديثة، واعتبر تصرف المقاولة المكلفة بالترميم غير مقبول، بينما رد مدير الثقافة عن ذلك بعدم وجود مقاولات متخصصة في ترميم المعالم الأثرية والتاريخية، ما فتح الأبواب على مصراعيها للعمل الارتجالي.
سكان إيغيل علي يتجندون لإنقاذ منزل آل عمروش من الزوال
يخوض عدد كبير من شباب بلدية إيغيل علي ومثقفيها معركة حقيقية من أجل إنقاذ منازل آل عمروش من الهدم والزوال، وتقود المعركة الجمعية الثقافية “طاوس” وجون الموهوب عمروش، وكانت المعركة الأولى التي بدأت منذ عدة سنوات ضد شخص ادّعى شراء بيت جون الموهوب رغم قدمه، وشرع في هدم أجزاء منه، قبل أن تتدخل الجمعية وعدد من سكان البلدية لمنعه من مواصلة الأشغال، لتدخل القضية في أروقة العدالة وتبقى معلقة إلى اليوم.
وجاء تحرك الجمعية خلال الأيام الأخيرة عنيفا، بعد شروع مواطن آخر في تهديم أجزاء أخرى من منزل الرمزين جون وطاوس عمروش، من أجل بناء بيت له على أنقاض البيت التاريخي، حيث تدخل عدد من المسؤولين والمنتخبين وعقلاء المنطقة ومنعوا المعتدي من الاستمرار في الهدم، خاصة بعد ما تأكد لهم أن المعتدي لا يتوفر على أية وثيقة تؤكد حيازته الشرعية للبيت أو مزاولة أشغال البناء، وإنما استغل مثل غيره التسيب العام تجاه المعالم الأثرية والتاريخية ليحاول هدمها عبثا.
مسؤولو الجمعية يؤكدون أنهم عازمون أكثر من أي وقت مضى على الحفاظ على هذا البيت الرمز الذي شهد ذات يوم ولادة رمزين من رموز الهوية الوطنية وأديبين كبيرين، رافضين استغلال تبنيهم للديانة المسيحية من أجل احتقارهم، حيث أكد رئيس الجمعية أن جون الموهوب عمروش هو مهندس اللقاء التاريخي بين عبد الرحمن فارس ممثل الحكومة المؤقتة الجزائرية والجنرال ديغول من أجل ترتيب أمور الاستقلال. وطالبت الجمعيةُ السلطات المحلية والمركزية بتطبيق القانون 98/04 لاسيما المادة 91 التي تتضمن حماية المعالم الأثرية من الاندثار، وبالتالي توقيف جميع أشغال الهدم وطرد ومعاقبة المعتدين على أملاك آل عمروش، وتصنيف البيت ضمن مكونات التراث الوطني الثقافي والتاريخي.