رذاذ اسطنبول! حلمي الاسمر

admin
مقالات
admin9 مايو 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
رذاذ اسطنبول! حلمي الاسمر

أجمل المفاجآت، حينما نجد في غرفنا السرية المغلقة،
التي أضعنا مفاتيحها، من لم نكن نتوقع أو نحلم في أن نراه!

ذات مساء مخملي، معطر بغبار الطلع، ورذاذ الذكريات..  كتبت عن مكان سري، يقع في أبعد وأقرب نقطة في القلب، لها كلمة سر (باسوورد) أو كود رقمي خاص، لا تنفتح إلا به، يخبىء المرء فيها أشياءه الخاصة جدا، ويحتفظ فيها بعواطفه ومشاعره وذكرياته، سيئة كانت أم سعيدة، فيها يخلد إلى نفسه، يعاتبها أو يؤنبها، يقهقه أو يبكي، أو حتى يصمت، يمارس فيها كل طقوسه بلا تجمل أو أقنعة، يعدو أو يتكور على ذاته، وربما يضربها أو يشد أذنها، وقد يمر بيده على شعرها، يهمس أو يصرخ، يناجيها أو يدير وجهه عنها، إنها غرفة الأسرار ومستودع الأمواج، هائجة كانت أو هادئة، في أعماقها أشياؤه المتناقضة، هي كما البحر ، بما فيه من لآلىء وأصداف ومحارات وربما فضلات، بحر بكل طقوسه الغريبة والمفاجئة، بغموضه وبساطته، يلوذ بها حتى لو كان وسط الملايين من البشر، فلا يشعر بأحد، لحظات أو ساعات، يخلد فيها للتأمل، عاصفا أو هادئا، غرفة الأسرار، أو الغرفة السرية في أعماقنا، لا يفتحها أحد سوى صاحبها، ولكنها قد تنفتح فجأة دون استئذان، لحامل الكود السري، فيدخلها ويتأمل ما فيها، ولا تضيء المصابيح الحمراء أو تزعق أجراس الإنذار، لأن من دخلها لم يتسلل إليها، ولم يكسر أبوابها، بل دخلها بصورة «شرعية» لأن لديه كلمة السر التي تخوله الدخول، دونما استئذان، تنفتح للا أحد، وتنفتح لكل أحد ، ولكن بشروط.
يقول الناس أحيانا: فلان دخل قلبي، أو إنني ارتحت لفلان، هذا إيذان بان هذا «الفلان» دخل الغرفة السرية، وامتلك مفتاحها، وصار بإمكانه التجوال فيها، وتأمل محتوياتها، ولكن هنا مسألة، فثمة ملفات في هذه الغرفة لها مفاتيحها أيضا، فلا تنفتح إلا بكود أو كلمة سر أخرى، لأن ملفات الغرفة السرية مصنفة أيضا: سري وسري جدا، وخاص، وثمة من يمتلك حق الوصول إلى كل المحتويات، لأن لديه الكود الأكبر، أو كلمة السر التي تفتح الباب والملفات كلها، أو ال «ماستركي» أو مفتاح المفاتيح!
هل يمكن سرقة الكود السري، أو الباسوورد؟ طبعا ممكن في حالات خاصة: بكلمة سر مشابهة أو كود ملتبس، أو عملية «تهكير» أو قرصنة، ولكن سرعان ما يكتشف صاحب الغرفة أن ثمة غريبا دخلها، بكلمة سر مزيفة، فلا يجد نفسه إلا خارجها، بلا أي مقدمات، أو تحذير، إنها كما عضلة القلب اللاإرادية، تعمل ذاتيا، بقوانين خاصة بها، لا يمكن أن يضبطها أحد، بل هي تضبط نفسها بنفسها، ولا يمكن أن يبقى فيها غريب إلا إذا أصبح حبيبا، وثمة معايير سرية أيضا للحبيب والغريب، فكما أن هناك «أنبياء كذبة» على حد تعبير أستاذنا المرحوم باذن الله حسن التل، ثمة عشاق كذبة، وهذا ينطبق على سائر الناس، ولكنهم قد لا يدركونه، وتطبيقاته في الحب كما في السياسة، وفي سائر تصنيفات البشر، فقد تستمع لزعيم فتشعر انه يحاكيك، ويتماهى معك، فتُدخله إلى غرفتك، وتخصص له مكانا باذخا يليق به، وقد تتوج أحدا ما، فتمنحه إقامة دائمة، أو تأشيرة (فيزا) حرة، يدخل متى يشاء ويخرج متى يشاء، وقد تمنح أحدا «فيزا» زيارة مؤقتة، يمكن تجديدها، لتصبح إقامة دائمة، وقد ينتهي مفعولها بعد فترة، لأنه خالف شروط الإقامة!
غرفتنا السرية، سر من أسرار الخلق، سعادتنا لا تكتمل إلا إذا شاركنا بها من يشبهوننا، ويشاركوننا عزف سيمفونية الحياة ، دون أن «ينشزوا» أو يخرجوا عن النوتة، والغريب الغريب في هذه الحياة، من لا يجد زوارا لغرفته السرية، يمتلكون مفاتيحها، وحق الإقامة الدائمة فيها ، أو على الأقل زيارتها ولو «في السنة مرة»!
لماذا أستذكر كل هذا الآن؟ لعل الأمر يتعلق برذاذ ما، كرذاذ اسطنبول، الذي يهبط فجأة، وبلا إنذار!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.