ربما – أن تكذب مرة… «عيب» عليك!

admin
مقالات
admin14 مارس 2012آخر تحديث : منذ 12 سنة
ربما – أن تكذب مرة… «عيب» عليك!

بدرية  - مجلة مال واعمالبعد 11 أيلول (سبتمبر) وما تلاها من تفجيرات القاعدة الداخلية منذ أيار (مايو) ٢٠٠٣ وحتى ٢٠٠٥، وقع مجتمعنا في مواجهة كبيرة مع نفسه بل مع العالم كله، هل من أوقع الأبراج وقتل أناساً آمنين مسالمين هم من المسلمين، وبغض النظر عمن لا يزال يُكذِّب النظرية، فإن البعض اعترف بأن هناك فكراً متطرفاً تزيا بزي الدين، وبعضهم قال إنهم شباب غُرر بهم، وكان الحل عالمياً ومحلياً هو الاعتراف بالتعددية ومحاربة التطرف وتعميم القيم الإنسانية العليا العالمية قيم التعايش وقبول الآخر.

القبول بالآخر صار عنواناً لمرحلة جديدة، جالت هذه الكلمة كثيراً بيننا وتعنونت باسمها المؤتمرات والحوارات والمؤلفات. كان لا بد من القبول بالآخر، والآخر يعني التعددية، والتعددية تعني احترام حرية التفكير والتعبير والرأي، وقبول كل هذا يعني أن الرأي ليس جريمة وأن الحوار وحده ما ينتج قيماً إنسانية عليا، وبالتالي رفض قيمة البطش بالآخر قتله وتكفيره. وسخر الله لنا من علمائنا من يكشف لنا أن كل هذه القيم هي من أصل الإسلام الصحيح، وأن الاختلاف على شكلها ودرجتها لا يعطي الحق ببطلانها بل بأنها اجتهاد في الرأي لا يلزم غير صاحبه. اتسمت هذه الفترة بارتفاع سقف التعبير وانكسار طوق التطرف والغلو والتنطع، وذوبان نزعة العداء والتكفير لكنها لم تدم طويلاً، فالذين اعتادوا أن يستأثروا بالساحة ومصالحها لم يكن سهلاً قبولهم مشاركة الآخرين، لكن الحماية السياسية وانقسام التيار الديني داخل المؤسسة الدينية وخارجها وتشجيعه لأفكار الاعتدال، أطال عمر الطروحات المتقدمة تجاه التنمية والتحديث، ولنا في مشروع جامعة «كاوست» نموذجاً. في هذه الفترة ظهر ما يسمى بعرس التقدم والتحديث السعودي الذي اتسع للجميع طالما أن منهجه الحوار والمشاركة، فانضم لهذا العرس أناس ما كنا نحسبهم يحبونه بل وقد شاع عنهم محاربته، وكان التفسير الوحيد أن الناس يتغيرون ولهذا افترضنا أنهم لا يكذبون بل يتغيرون، وأن الناس وحدهم لهم الخيار في أن يصدقوهم أو لا، أن يحبوهم أو لا. هذه الأيام وبعد وصول أحزاب الإسلام السياسي للسلطة اعتبرها البعض انتصاراً للطروحات السياسية الإسلامية بكل أشكالها، وليست انتصاراً للديموقراطية التي تتسع للجميع، فأعطى نفسه الحق في أن يعتبر فكره هو المنتصر في السيطرة على الشارع، واستغل هذه النتيجة ليفرض طوق قاموسه اللغوي التعبيري فيضيق الخناق على مخالفيه ويحدد أصحابه من أعدائه، فجعل كل من يختلف عنه هو عدو للإسلام والمجتمع، أطلق على المختلفين تصنيفاً ليس الغرض منه فهمهم بل وشمهم، فهو الذي يسمي وهو الذي يفسر، ومثلما وصف الديموقراطي في حكاية المصري لطفي السيد، بأنه الرجل الذي يترك زوجته تذهب مع الرجال فقد أطلقت على الليبرالي قائمة مريعة من الأوصاف، آخرها ما وصفه زميلنا الذي أعلن أنه يرتد عن ليبراليته بعد أن كان «بن لادنيا» بأن الليبراليين أصدقاء إسرائيل، ومن سوء حظه أن حزب حماس الإسلامي أعلن في اليوم التالي، أنه سينأي عن أي حرب بين إيران وإسرائيل، وأنه لن يحارب معها ضد إسرائيل لو أعلنت إيران الحرب عليها، وهكذا أصبحت حماس الإسلامية ليبرالية هي الأخرى وفق مفهومه.

يقول المثل «أن تكذب علي مرة عيب عليك… أن تكذب علي مرتين عيب علي».

الناس هي التي ستحدد إن كانت تريد أن يشيع بينهم الكذب وتغيير الأقنعة مع الحزب الفائز فتصدق المتلونين أم لا؟ الناس هي التي تحدد هل تفرح بالمرتدين وتعتبرهم شهوداً على أعدائهم، فتفتح لهم المجال ليظهروا في البرامج الفضائية وتتناقل أخبارهم وسائل التواصل، لكي يقولوا النمائم والفضائح التي شهدوها والتي لم يشهدوها، لكنهم يعرفون أن هذا ما يريده الناس منهم قول ما هو متوقع فساد الآخر. هذه الدراما التي أصبح كثير منهم يجيدها ويحبها، لقد كان خيارهم الأول أن يتغيروا لكن في المرة الثانية كان خيارهم أن يكذبوا.

يبدو أن «باص» الليبرالية التي لم تكن سوى دعوة لاحترام خيارات الناس وحقوقهم العالمية والدولية، التي ساندها فهم الإسلام الصحيح قد بدأ يتقافز منه بعض ركابه، الذين أود أن أقول لهم «على هونكم… فالباص الذي يحاول أن يذهب إلى المستقبل كان من أجلكم ومن أجل أبنائكم»، صحيح أن أنوار هذا الباص لا تضيء إلا مسافة قصيرة من الطريق لكنها كافية لأن يعبر الطريق.

*نقلا عن “الحياة” اللندنية

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.