نشأت مصممة الأزياء الإماراتية رانية البستكي وسط عائلة تهوى ممارسة الفن اليدوي من رسم وخياطة وتطريز، ونقش على الفخار إلى رسم على الزجاج والحرير وغيرها.. لم تكتف باشباع هوايتها بالمشاركة في الأنشطة والمسابقات المدرسية، بل تجاوزتها الى تصميم ديكورات غرفتها، وعمل التصميمات لفساتين المناسبات والسهرات للأهل والصديقات، بل وقامت بتصميم فستان عرسها وطرزته بنفسها، وظلت سنوات وهي تمارس هوايتها من خلال المنزل والعائلة، ولكن وبعد تخرجها من الجامعة مباشرة، وبعد أن تزوجت وذهبت للعيش مع زوجها في البحرين، وجدت نفسها تعاني من الفراغ خاصة مع تكرار سفراته بسبب عمله كطيار.
فحاولت أن تشغل نفسها بالهواية التى أحبتها منذ الصغر، لأنها رغم تخرجها من كلية التربية قسم رياضيات إلا أنها لم تجد التدريس المجال المناسب لها، فاتجهت لتصميم الجلابيات التراثية بشكل عصري يتلاءم مع الموضة، ولم تكن تعلم أن تصاميمها ستروق لكل من يراها، بل وطالبت نساء العائلة وصديقاتهن منها عمل تصاميم لجلابيات يرتدينها في المناسبات، وبعد أن عادت مع زوجها الى أبوظبي فكرت البدء في مشروعها الخاص بمحل صغير للأزياء، وشجعها زوجها الذي آمن بموهبتها حتى أنه يصاحبها في كل عرض عربي أو عالمي تشارك فيه.
تطور مذهل… لم تعتقد رانية أن أزياءها التراثية، التي سعت الى تحديثها بما لايخل بسماتها الأساسية، ستنال الإعجاب، وبدأت تسابق الزمن في تطوير تصاميمها بشكل مذهل وملفت للإنتباه، وباتت في غضون سنوات قليلة من أشهر مصممات الأزياء الخليجيات، وتخصصت تحديدا في ثوب ليلة الحناء، والجلاليب الخاصة بالمناسبات المنزلية والعائلية، واحتفظت بالشكل العام لثوب الإمارات مع أستخدام أنواع حديثة من الأقمشة والتطريزات. ومن الأقمشة التي تستخدمها رانية التل والشيفون والشانتونج والحرير الهندي والساري الهندي، والدانتيلا والأورجنزا، وكثيرا تمزج بين نوعين من الأقمشة في الجلابية الواحدة، وهي تفضل الألوان المبهجة كالأحمر والأورنج، والأزرق، والتريكواز، والأخضر بجميع درجاته وهو اللون المناسب لليلة الحناء، كما تستخدم التطريز بالخيوط الذهبية والفضية والترتر والخرز والكريستال والمرايا، إلى جانب اكسسوارات العروس كالطاسة والمرتعشة والكف.
وتمتاز رانية بالجرأة فصممت ثوبا للحناء مطرزا بسبائك الذهب، وآخر بالفواكه الطازجة وأوراق الشجر، كما طورت الساري الهندي ليناسب المرأة العربية، وشاركت في عروض عدة للأزياء المحلية والعربية كان أهمها في بيروت، كما قدمت عرضا فى روما بمشاركة عدد من المصممات الخليجيات نالت بعده لقب العالمية وسلمتها الشهادة قرينة عمدة روما. وقدمت ابتكارا جديدا عبارة عن حقائب يدوية مستمدة من بيئة الإمارات القديمة مثل المهفة والمجب وغيرها، بعد أن أضافت لها أقمشة وتطريزات بالمرايا والمعدن، وارتدت العارضات «البرقع» ولكن على طريقة أهل البندقية، وقدمت في باريس عرضها الأول، في حفل خيري لجمع التبرعات لأطفال العراق، على هامش أسبوع الثقافة الفرنسية الإماراتية. كما شاركت بعرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ديسمبر الماضي في فندق جراند حياة، ونالت أزياءها استحسان جمهور المشاركين وخاصة الفنانات المصريات اللواتي طلبن منها ارتداء أزيائها، وارتدت الصبوحة من أزيائها عندما قابلتها في بيروت أثناء مشاركتها، وفي نوفمبر الماضي كرمتها الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البحرين كواحدة من النساء العربيات المبدعات.
عملة نادرة
يقول عنها الشاعر عارف الخاجة: تعرفت على رانيا عن طريق رسالة نصية أرسلتها لي لمشاهدة لقاء لها في قناة العربية، ثم تحدثنا سويا لأبدي لها رأيا في الحوار والأزياء التي قدمتها في البرنامج، ووجدتها قمة في الانسانية والتواضع، ومرحة وبريئة جدا جدا، لدرجة أني أتهمتها بالسذاجة لأنها طيبة، والطيبة أصبحت عملة نادرة في عصرنا، كما أنها منفتحة على الحياة سلسة وتخلو من العقد، لأنها لم تتلون بمعطيات العصر، تبادر الى مساعدة الآخرين في مواقف عدة سمعتها عنها، ورغم ذلك تتعرض للمشاكل بسبب تعاملها مع الجميع حسب نظرتها للآخرين.
أتابع تصاميمها جيدا من خلال الأخبار والموضوعات المنشورة عنها داخل وخارج الإمارات، وهي صاحبة رؤية جديدة للأزياء التراثية، وقادرة على مزج الألوان باستخدام النقيض المتوائم والمنسجم، وغالبا تستمد ألوانها من الشمس والبحر، وتصاميمها مريحة للعين، لذلك تفردت في فنها لأنها لم تقلد الآخرين، ولها شخصية مختلفة لذلك نجحت، ولولا تفردها ما دعيت لإقامة العروض في الخارج.
سلوى النهدي صديقة رانية وجارتها منذ أكثر من سبع سنوات تقول عنها: من الصعب أن تجد الإنسانة جارة وصديقة في نفس الوقت، فهي طيبة، تساعد قدر استطاعتها، تسأل عني دائما، تراعي أولادي اذا تغيبت عن المنزل لزيارة طبيب او غيره من الأمور المفاجئة، كريمة مع ضيوفي، وكل من أحدثه عن حبي لها يحسدني عليها.
أفرح كثيرا عندما أجد لها لقاءات منشورة في الصحف والمجلات، أتابع حواراتها في الفضائيات، وأجمع كل مايكتب عنها وصور أزيائها التي تعجبني كثيرا، وأقول في نفسي سبحان الله، أن الله يعطي الإنسان على قدر نيته.
الخالة صديقة
الدكتورة نوف الشريف في الطب الوقائي بالشارقة، وهي ابنة أخت رانيه البستكي، مرتبطة بها بشكل كبير خاصة ونوف كانت أول حفيدة في منزل العائلة، ورانيه اصغر ابنة للعائلة وبلغ الفارق بينهما سبع سنوات تقريبا وكبرا سويا وتوطدت بينهما صداقة جميلة، تقول عنها: خالتي موضع ثقة، فهي كاتمة أسراري والناصح الأمين، توجهني وتنصحني بأسلوب أتقبله بسهولة لابتعاده عن التسلط والإلزام، وهي صديقة لكل بنات العائلة، تتمتع بحبنا وتقديرنا واحترامنا. تتعامل مع كل واحدة حسب سنها ومستواها الفكري، وهي بسيطة ومتواضعة، وصبورة لأقصى درجة، تتمتع بالمرح وخفة الدم، تضحك دائما وبارعة في إلقاء النكات وسرعة البديهة.
شجعتها العائلة على مجال التصميم لأنها موهوبة، واتذكر وهي في الثانوية كانت تحب الرسم والأشغال اليدوية، وخاصة على الجارات بالألوان والخيوط والأقمشة، حتى حجرتها صممت كل ركن فيها بنفسها من مفارش وفازات وورود، وصممت أزياءنا للمناسبات.
كما صممت فستان عرسها بنفسها، وعندما بدأت مشروعها ساعدتها مع ابنة خالتي، وعملنا لها دعاية بين صديقاتنا وأهلنا، وبعد فترة قصيرة تطورت بشكل مذهل، وخفنا أن تنشغل عنا ويأخذها عالمها الجديد، الا أنها لم تتغير وتواصلها معنا لم يقل رغم مشاغلها الكثيرة والمنافسة بين هذا الكم من مصممي ومصصمات الأزياء.
أم أنس وهي الأخت الكبرى لرانية، كانت تعمل في مهنة التدريس وهي متقاعدة الآن تقول:اخترت اسمها يوم ولادتها، وهو اسم بنت مدرستي المصرية، كان جديدا في الإمارت. نشأت رانية مدللة لأنها آخر العنقود، وامتازت بشخصية اجتماعية محبوبة ممن حولها، تناقش المعلمات، وتشارك بحيوية في الصف، وتحب أن تجدد من نفسها، ونحن جميعا لدينا ميول فنيه، نحب الرسم والأشغال اليدوية، والخياطة، والتطريز وغيرها.
إلا أن رانية اتخذت من الهواية سبيلا للمشاركة في الأنشطة والمسابقات المدرسية، وعندما انتهت من دراسة الثانوية بدأت تصمم لنا وللأهل والصديقات موديلات الفساتين، وانطلقت في إعطائنا أفكارا للاحتفال بالمولود، وديكورات المنزل وغيرها، شجعناها جميعا للعمل في هذا المجال، ثم تزوجت بعد تخرجها من الجامعة، وشجعها زوجها كثيرا في مشروعها بفتح أول محل تعرض فيه تصاميمها.
وتطورت رانية كثيرا وقدمت الأشياء التراثية بشكل عصري يتلاءم مع الموضة السائدة ويواكب ازياء البنات، والحقيقة انها وجدت تشجيعا كبيرا من زوجها الذي يرافقها في كل سفراتها خارج الإمارات لتقديم عروضها، كما تجد كل دعمنا حتى أن أولاد أخواتها يذهبون معها للخارج أيضا اذا كان زوجها غير متواجد في الإمارات لسفره الدائم كطيار.
إضاءة
تتميز الأزياء التقليدية في الإمارات بسمات وخصائص عدة تشتمل على طريقة لبسها وألوانها وزخرفتها وكذلك تفصيلها مع بعض الفروق البسيطة التي لاتؤثر على النمط العام، وهي تصنع من أقمشة جيدة كالحرير الطبيعي والصناعي والقطن، وتستخدم في تطريزها المواد الفاخرة كخيوط الذهب والفضة، وخيوط الحرير والقطن الملون.
كما أنها تتعدد في أشكالها للبيت، للصلاة، للخروج، وللمناسبات، ولكل منها اسم معين واصطلاح حسب زخرفتها، أو طريقة لبسها أو نوعية قماشها. كما أنها طويلة وفضفاضة تتسم بالحشمة، وتدلنا الشواهد على أنها أصيلة وذات ماض عريق.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-fQg