أثار خفض قيمة اليوان في الصين جدلاً محموداً في أوساط العاملين في صناعات العقار والمقاولات والبناء والتشييد فقد رآه البعض قراراً مفرحاً للبعض بينما رآه فريق آخر محبطاً.
الفرحون وجدوا في القرار توفيراً كبيراً بفواتير تنفيذ المشاريع التي تدخل في تنفيذها مواد البناء الصينية وأبرزها الحديد بانخفاض يصل إلى 30% وهو ثاني مكسب لملاّك المشاريع ولشركات المقاولات وتجار مواد البناء بعد خفض أسعار الديزل بنسبة 30% أيضا، وهو ما يجمعون على أنه سيعود بالنفع على المستهلك النهائي في سوق العقارات بيعاً وتأجيراً.
لكن الفريق الآخر من منتجي تلك المواد في الدولة رأوا أن الصناعة الوطنية التي تعاني مخاطر الإغراق قبل خفض العملة الصينية ستدخل في غيبوبة ما لم يجر التعجيل بإصدار تشريعات الحماية التي وعدت وزارة الاقتصاد بإصدارها أخيرا من جهة مستبعدين تعديل ملاك المشاريع العقارية لأسعار البيع والتأجير بنسب كبيرة على أساس التراجع الكبير المتوقع في تكلفة تنفيذ المشاريع. معاناة صناعات مواد البناء في دولة الإمارات ليست حديثة العهد وهي بحسب وصف أبرز الشخصيات التي تدير صناعات متعددة، وليدة سيناريوهات دولية تهدف بقصد أو من دونه إضعاف الصناعة الوطنية عبر إغراق السوق المحلي بمنتجات تلك الدول.
لكن هناك من يرى بأن (الدعم) الحكومي لهذه الصناعة يتسع ويزداد يوما بعد آخر بهدف حماية المستهلك عبر حماية المُنتج نفسه. ويبقى مصطلح (حماية المُنتج) فضفاضاً نوعاً ما لأن تعامل الجهات الرسمية مع أولئك المُنتجين متفاوت. فبينما تقوم جهة رسمية بتنظيم الأسعار لحماية المستهلك تقوم جهة أخرى بزيادة (رسوم إيجار أراضي) المنشآت الصناعية لتحقيق عائدات ضخمة لا تتفق مع توجهات الدولة لتصبح لاعباً صناعياً دولياً.
ثناء
ما يستحق الثناء التحرك الجديد لوزارة الاقتصاد لتمسك العصا من الوسط عبر طوق نجاة للصناعات الوطنية من جهة والحفاظ على آليات السوق المفتوحة من جهة أخرى فالوزارة تعكف على إعداد مشروع قانون اتحادي بشأن مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية ليكون السند التشريعي لإرساء المنافسة العادلة ما بين المنتجات المستوردة والمنتجات المحلّية وبما يضمن اتخاذ التدابير التّي تجيزها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية للتصديّ للواردات المغرقة والمدعومة والزيادة غير المبررة في الواردات لما فيه مصلحة اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وحتى موعد صدور القانون المنتظر يبقى صراع الصناعة الوطنية مع الأجنبية قائما لكن (الغلبة) حتى الآن للعديد من المنتجات الوطنية التي أثبتت جدارتها في السوق المحلي وحتى العالمي.
(البيان الاقتصادي) سبق وحاورت خالد بن كلبان العضو المنتدب وكبير المسؤولين التنفيذيين في دبي للاستثمار وناقشته مطولاً عن أحوال صناعة مواد البناء الوطنية فكان بصراحته المعهودة يحذر من «تعرض صناعة الزجاج الوطنية إلى حرب معلنة من بعض المطورين والشركات الاستشارية في مشاريع القطاعين الخاص والحكومي فضلاً عن سيناريوهات دولية بهدف إضعاف هذه الصناعة عبر إغراق السوق».
ورحب بن كلبان بقرب إصدار تشريعات تحمي الصناعة الوطنية من الإغراق في إطار تنافسي عادل وقال بأن «دولاً – لم يسمها- تتعمد إغراق السوق المحلية بمنتجات ذات مواصفات لا ترقى للمنتج الوطني وبأسعار مدعومة بمميزات منشئها وتستغل بطريقة بشعة تطبيق الدولة لأنظمة السوق المفتوحة».
عقبات
وقال بن كلبان ان العقبات التي تواجه صناعة الزجاج الوطنية ليست عقبات تقنية، بل هي في اغلبها تشريعية، وفي غياب سياسات الحد من الإغراق، وفي الحقيقة هناك عدم فهم لطبيعة تلك المواد، بحيث ان الجهات المعنية تتعامل مع ألواح الزجاج الخام المستورد بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الزجاج المستورد المطلي والجاهز للاستخدام. ولو سألت أين القيمة المضافة على المادة الخام المستوردة؟ وكم خسرت الدولة جراء دخول مواد خام غير مصنعة بدون ضرائب؟ فلن تحصل على جواب لأن هناك عدم معرفة بالمواد الجاهزة للاستخدام والمادة الخام التي تحتاج إلى تصنيع.
قلنا: لكن الصناعة المحلية تلقى دعماً لنموها وتطورها!! فأجاب بن كلبان أنا لا أتكلم عن الدعم، بل عن غياب التشجيع للاستثمار في هذه الصناعات المحلية التي تواجه تحديات كبيرة، أبرزها حاجة هذه الصناعات إلى رؤوس أموال كبيرة وخبرة ودراية، وكوادر مهنية تعمل على تشغيل وإدارة المصانع.
طالبنا بن كلبان أن يكون أكثر دقة… فهل هناك أمثلة عن غياب التشجيع الذي تطلبونه؟ فقال : هناك عدة قرارات صدرت في الدولة في وقت سابق تؤكد على منح المنتج المحلي أفضلية على المنتج الأجنبي، ولكن الذي يحدث ان المنتج المحلي يتعرض إلى محاربة من وكلاء الشركات الأجنبية بصورة لا يمكن أن يتصورها أحد.
عاودنا سؤال بن كلبان من أن ما يقوله يتقاطع مع السوق المحلي الذي يعمل وفق الأنظمة الحرة القائمة على التنافس فقال إذا كان الأمر ينحصر في إطار التنافس، فنحن نرحب به وهو أمر مقدور عليه لأن المنتج المحلي يتميز بعدة ميزات لا تتوافر في المنتج الأجنبي، ومثلا المنتج المحلي يضاهي الأجنبي جودة وهو متوفر في السوق المحلية ولا يستدعي أمر توريده دفع أموال لاستيراده من الخارج وتحمل تكاليف الشحن والتأمين وما إلى ذلك، إلى جانب أن سعر المنتج المحلي اقل من الأجنبي. ولكننا نفاجأ بأن أصحاب المشاريع يطالبوننا بتخفيض أسعار البيع بنسب معينة عن سعر المنتج الأجنبي ليس لأسباب تتعلق بالجودة بل لأن ما نبيعه هو منتج «محلي»!!.
المشكلة
لكن أين المشكلة هل تواجهون هذه العقبات في مشاريع القطاع الخاص أم الحكومي ؟ فأجاب كلاهما يتعامل مع المنتج المحلي بالطريقة ذاتها. وربما من الصعب الإفصاح صراحة عن بعض الشركات الاستشارية التي جندت نفسها للدخول في حرب مع المنتجات المحلية لصالح المنتجات الأجنبية.
وباختصار فإن المنتج المحلي محارب لسبب واحد فقط هو أنه «منتج محلي» لا أكثر ولا أقل. بحيث أصبحت هذه العبارة «سبة أو عورة» وبعض الملاك بدون ذكر أسماء يرفض بشكل قاطع استخدام المنتج المحلي ويقول بالحرف «لا أريد استخدام منتج محلي في بنايتي»!! في حين تجد أن 35 سوقاً عالمية تستخدم المنتج المحلي الإماراتي على نطاق واسع!! ولكننا لا ننكر الجهود الجبارة للحكومة في سعيها لرفع كفاءة وجودة المنتج المحلي ونشكرهم على دعمهم هذا.
ولكن هناك بعض العقليات التي تفضل المنتج الأجنبي على المحلي وتتصور ان التقنيات التي انتجت تلك المنتجات ما تزال حكراً على المصانع الأجنبية مع أنها أصبحت في متناول القطاع الصناعي المحلي بل وهناك بعض المواد التي تم تصنيعها محلياً في وقت لا تزال بعض المصانع العالمية غير قادرة على إنتاجها.
موازٍ
من جهته كان ماجد سيف الغرير رئيس مجلس إدارة غرفة دبي دعا بوصفه العضو المنتدب لشركة الخليج للسحب إلى حماية منتجات الألمنيوم الوطنية من الإغراق كإجراء موازٍ لفرض دول أوروبا ضريبة بنسبة 6% على منتجات الألمنيوم الإماراتية، وذلك بفرض ضريبة موازية على المنتجات التي تغرق السوق المحلي وبالأخص من السوق الصيني، مشيراً إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الاقتصاد بصياغة تشريعات بهذا الصدد.
وتنتج «شركة الخليج للسحب»، إحدى الشركات التابعة لـ«مجموعة الغرير»، مقاطع لسحب الألمنيوم في مختلف القطاعات بما فيها قطاع الهندسة المعمارية وقطاع النقل ومعدات التكييف والتدفئة والأثاث والتطبيقات البحرية والملاحية وقطع السيارات، إلى جانب مجموعة متنوعة من المنتجات المصنعة خصيصاً وفق طلب العملاء.
تحذير
حذر الرميثي من الآثار الكارثية والمدمرة لاستمرار تدفق الحديد الصيني والتركي إلى البلاد بأسعار متدنية تقل عن مثيلاتها العالمية والمحلية ما يهدد صناعة الحديد والصلب الوطنية. وقال إن شركة الإمارات للحديد ترحب بالمنافسة العادلة القائمة على معايير الجودة والمواصفات القياسية للمنتج، مشددا على أن منتجات شركة حديد الإمارات ذات جودة عالية ومواصفات عالمية، معتبرا ما تشهده الأسواق من تدفق غير منطقي للحديد المستورد خارج إطار المنافسة ويندرج تحت سياسات حرق الأسعار واغراق السوق.
شدد المهندس الرميثي على ضرورة إعادة النظر في التعرفة الجمركية على واردات الحديد، مشيراً إلى الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول لمواجهة هذا الخطر ومنها ما فرضته الولايات المتحدة الأميركية من رسوم إغراق تصل إلى 110% على وارداتها من لفائف الحديد الصيني، كما رفعت تركيا رسومها الجمركية بواقع 30-40% بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية بفرض رسوم جمركية على الواردات من مسطحات الحديد الصيني تراوحت ما بين 13-45%.
دعوات لتدخل حكومي على غرار سيناريو الإسمنت
دعت شركة حديد الإمارات، الجهات المعنية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حمائية حاسمة وسريعة لمواجهة إغراق الأسواق المحلية بمنتجات الحديد الصيني والتركي، محذرة من مخاطر حقيقية تواجه مستقبل صناعة الحديد والصلب في دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل غياب السياسات اللازمة لحماية المنتجات الوطنية.
وقال سعيد غمران الرميثي، الرئيس التنفيذي لشركة حديد الإمارات، وهي أكبر مصنّع متكامل للحديد في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملوكة بالكامل للشركة القابضة العامة (صناعات): إن تدفق واردات الحديد الصيني والتركي بأسعار أقل من تكلفة التصنيع سيؤدي إلى إغراق وتشبع الأسواق، قائلاً إن استمرار هذا الوضع من دون تدخل حكومي قد يؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج المحلي ومستوى الربحية لدى الشركات الوطنية مما قد يؤثر سلباً على الاستثمارات الضخمة والمشاريع القائمة وخطط التوسع المستقبلية ومسيرة الصناعة والاقتصاد في البلاد.
وبعيداً عن الزجاج والجديد وصولاً إلى الأسمنت الذي على ما يبدو بات في مأمن من الإغراق طبقاً لوجهة نظر رجل الأعمال خالد بخيت الذي يرى بأن صناعة الأسمنت الوطنية تشهد استقراراً ومكانة رصينة، وقال إن هذه الصناعة المهمة تجاوزت بفضل الدعم الحكومي تحديات ضخمة فأصبحت اليوم قادرة على سد حاجة السوق من احتياجاته من دون تكرار ما حدث في الطفرة العقارية الماضية إذ إن الأسعار الآن مستقرة وإن زادت فلن تتجاوز 10% فيما لو زاد الطلب على الاسمنت وأصبحت المصانع تعمل بـ80% من طاقتها.
أن ما تحتاجه هذه الصناعة هو (التشجيع) من جانب بعض الجهات الرسمية وقال بأن (تشجيع هذه الصناعة مهم للغاية ونأمل من الجهات المعنية النظر بعين الاعتبار إلى أهمية انتقال دولة الإمارات إلى مصاف الدول الصناعية بعد أن قطعت شوطاً كبيراً في زمن قصير). وشدد بخيت على أن من المهم أن يكون لدينا استراتيجية صناعية، تستهدف إقامة اقتصاد مستدام مبني على المعرفة والتنوع والابتكار، ويشجع المشروعات الصغيرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي، ويزيد من قدرة المنتجات المحلية من المنافسة في الأسواق العالمية، وفق القوانين الدولية التي تضعها منظمة التجارة العالمية.
«الاقتصاد» تسعى إلى قانون يحارب الإغراق
تعمل وزارة الاقتصاد على إعداد مشروع قانون اتحادي لمحاربة الإغراق، يستهدف حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة، ويتضمن فرض رسوم جمركية 5% على الواردات، ووقف إعفاءات جمركية معينة بالنسبة للمنتجات المستوردة، التي يثبت إضرارها بالصناعات الوطنية عبر ممارسات الإغراق.
وانهت الوزارة إعداد مشروع قانون مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية، لتباشر التشاور مع الجهات المحلية المعنية في إمارات الدولة لضمان صدور القانون بشكل يحمي الصناعة الوطنية، ويحقق مصالح مختلف الأطراف في الوقت ذاته.
الدفاع عن الصناعة الوطنية أولوية
تؤكد «الاقتصاد» على أن الإجراءات التي تتخذها الوزارة لا تعني فرض إجراءات حمائية من قبل الوزارة، بل الدفاع عن الصناعات الوطنية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية، التي تتعرض لها في السوق المحلية أو تواجهها في أسواقها التصديرية، لضمان المنافسة العادلة بين منتجات الصناعات الوطنية والمنتجات المستوردة، إلى جانب التطبيق العادل لقواعد التجارة الدولية الموضوعة بهذا الصدد، وتيقنت الوزارة من حدوث حالات إغراق من بعض أنواع الحديد المستورد من بعض الأسواق، ما يضر بالحديد المنتج محلياً، والاستثمارات التي تصل لمليارات من الدراهم التي تم إنفاقها فيه.
التشريعات الجديدة تردع المخالفين
تجزم الوزارة أن «صدور القانون يعزز قدرة الدولة على اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة الإغراق وإبلاغ منظمة التجارة العالمية بالقانون الجديد، لكي تطلع عليه جميع الدول الأعضاء بالمنظمة، ما يشكل رادعاً لبعض الدول التي يمارس منتجوها عمليات الإغراق. وكانت الوزارة انتهت من إعداد سياسة مقترحة من وزارة الاقتصاد لمواجهة عمليات الإغراق، تتضمن مجموعة من الإجراءات المقترحة لمواجهة الإغراق، وتم رفعها إلى مجلس الوزراء من أجل مناقشتها واتخاذ قرار بشأنها والبدء بتطبيقها قريباً، إلى حين صدور القانون ومروره بالدورة التشريعية الاعتيادية، وذلك حماية للمنتجات والصناعة الوطنية في أسرع وقت ممكن».
إغراق
زادت واردات الدولة من الحديد الصيني 63% في 2014، وزادت من الصلب 300% ومن لفائف الحديد 112%. وسجل يناير 2015 زيادة 186%. كما سجلت الواردات زيادة من حديد التسليح التركي 28% إلى 1.33 مليون طن في 2014. وزادت في يناير 2015 بنسبة 88%.