مؤتمر واشنطن يبحث “خارطة طريق” لترسيخ التسامح وتعزيز السلم العالمي
ابن بية يعلن عن مبادرة “إطعام الطعام” تأسياً بسنة أبينا إبراهيم عليه السلام
ابن بية يدعو لتطوير ما تحقق وتحويله إلى نموذج لكل أتباع الديانات والفلسفات
ابن بية: السلام والصداقة شعارنا ورسالتنا إلى البشرية في منتدى تعزيز السلم
العيسى يتمنى أن يتصدى “حلف الفضول” المنتظر معالجةً لازدراء أتباع الأديان
براون يؤكد الحاجة إلى توافق الأديان على مشروع سلام شامل يخدم البشرية
سوينك: مؤتمر واشنطن فرصة لتشكيل إطار يعزز خطوات السلام والتسامح
الكعبي يدعو لتشكيل حلف فضول عالمي يحفظ الإنسان والأديان والأوطان
الكعبي: تعاون الأديان يشكل سداً منيعاً ضد الكراهية وخطاب العنف والتطرف
تواصلت أعمال “مؤتمر واشنطن” لليوم الثاني؛ برعاية “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” من أجل التوصل إلى خارطة طريق للتحالف بين الأديان في العالم؛ بغرض ترسيخ ثقافة التسامح وتعزيز السلم العالمي وحماية مستقبل البشرية. وانطلقت الفعاليات بحضور المئات من القساوسة الإنجيليين والحاخامات والأئمة من أكبرأربعين مدينة أميركية، إلى جانب نخبة من العلماء والمفكرين وممثلي الأديان في مختلف بلدان العالم، في فندق “ماريوت- جوجتاون” في واشنطن العاصمة.
واستهل الجلسة الافتتاحية معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، فرحب بالحضور، متوجها بالشكر للعلماء والقساوسة والحاخامات والأئمة على مشاركتهم بأعراس السلام، كما رحب بمعالي محمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وسفير الولايات المتحدة لحرية الأديان سام براون، ومعالي وزير خارجية فنلندا تام سوينك شوين، الذي يشارك في مؤتمر واشنطن بصفة رسمية، ممثلاً حكومة بلاده، وداعما لنشاط قافلة السلام الأميركية. وقدم الشيخ ابن بيه تصور أولياً لمرحلة ما بعد “مؤتمر واشنطن”،مؤطراً للصيغةالتي يُفترض أن يقوم وفقها نشاط قافلة السلام، في ضوء ما تحقق من نتائج إيجابية، واقترح مرتكزات تؤسس لإنطلاق “حلف الفضول الجديد”للتحالف بين الأديان والفلسفات معاً، مون جوهر المشروع يقوم على أبعاد إنسانية على كل المستويات الأخلاقية والدينية.
وتحدث الشيخ ابن بيه عن دور “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” منذ انطلاقته الأولى قبل خمس سنوات، مؤكداً أن عمله يقوم على شقين: شق يبحث في ظاهرة العنف وجذورها، والأخر يقوم على المبادرات والتعاون مع الأصدقاء الباحثين عن السلام؛ دون أن ينفي بروز العديد من المشاكل الفكرية في الشق الأول، وخاصة فيما يتعلق بأسئلة مثل: هل الدين سبب ظاهرة العنف، أم العنف ناشىء عن عوامل أخرى، والدين وسيلة؟. إذن كيف نعالج تلك الدعوى؟. وكيف يكون الدين حلاً وليس مشكلة؟. وحين توجد دعوى مظلومية، هل السلم أولاً أم العدالة؟.
وفي إطار الإجابة عن تلك التساؤلا ت، قال الشيخ ابن بيه إن الظواهر في السلوك البشري، تعود إلى عوامل متعددة، منها ما هو موضوعي، وما هو ذاتي، ومنها ما هو حقيقي، وما هو وهمي. وهذا مايجعل البحث متشعباً. هذا فضلاً عن تأثير خلفية الباحث أو المحلل الثقافية، التي تلعب دوراً مهماً في تحديد الأسباب، وهو ما يحتم سبرها مجتمعة، وفحص تأثيرها؛ لتحديد العامل الغالب فيها، الذي يفترض التركيز عليه بالمعالجة. ما يستدعي أن تكون الحلول مركبة، بمعنى أن تتلاقى جميع المقاربات في التفسير الصحيح للظاهرة. ذلك لأن العنف؛ كسائر أنماط السلوك والأفعال البشرية، هي كامنة في النفس قبل أن تظهر للعيان. من هنا يتوجب على رجال الدين البحث في نصوصهم وتراثهم، للعثور على أسس التسامح والتعايس، التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في النفوس. مؤكداً أنه يمكن التصدي لمروجي الكراهية، المتلبسين بلبوس ديني؛ بالرجوع إلى النصوص والتأويل المناسب لها.
وأضاف معالي الشيخ ابن بيه إن منتدى تعزيز السلم يقدم الرواية والرؤية، رؤية الاسلام في دعوته للسلام والتسامح، اعتماداً على النصوص، والتأويل الصحيح؛ بعكس الرواية المحرفة على يد الغلاة، الخارجين عن الضبط الديني والعقلي. مؤكداً أن جذور هذا الانحراف ليس بجديد، وإنما هو وريث الحَرفية في الفهم والتأويل، من دون تعليل، والاجتزائية في الدليل، والوقوف على الفروع من دون أصول، والأخذ بالجزئيات وإهمال الكليات. وهذا ما نعمل على تفكيكه بالبحث والممارسة؛ بغرض التأكيد على أن الدين ليس سبباً للحروب ولا الكراهية، على الرغم من الأمثلة الأليمة في الماضي والحاضر، المطبوعة في الذاكرة الإنسانية.
وتناول الشيخ ابن بيه مقولات فلاسفة التنوير، التي أقصت الدين، واعتبرته “أفيون الشعوب”، كما فعل ماركس، أو أبعدته عن الشأن العام؛ لأنه من دون سند عقلي؛ حسبما يعتقد ديفيد هيوم، أو إحلال الدين العملي كما في دعوة كانت، الذي استبعد الأديان التوحيدية، معتبراً إياها آيدويولوجيات دوغمائية، ولا يمكن أن تكون أساساً للسلام. ولا حظمعالي الشيخ ابن بيه أن الفيلسوف الألماني فريريك نيتشة كان أكثر بصيرة، عندما قال في كتابه “ماوراء الخير والشر”: “إن الذين أوجدو القيم في البشرية قلة في التاريخ ومنهم موسى وعيس ومحمد”.
ولاحظ الشيخ ابن بيه أنالفيلسوف كانت حكم على الأديان من خلال ممارسة بعض أتباعها، الذين وظفوها لأغراض سياسية بفهم منحرف. وهو ما نعاني منه اليوم، ونسعى جاهدين للرد عليه. وكان الأولى به أن يحكم على الأديان من خلال مبادئها السامية. وأستعرض الشيخ بعض النصوص التي تدعو وتحض على التسامح والتعايش الإنساني السعيدمن الانجيل والتوراة والقرآن الكريم؛ للتأكيد على صحة ما يقول.وخلص معاليه إلى أن الأديان تدعو إلى الحب والتسامح والعفو والترابط والتكافل. ولذلك يرى فضيلته أن اجتماع قادة العائلة الإبراهيمية اليوم يمثل تحدياً، بل رفضاً لنظرية مسؤولية الدين عن الحروب والدمار، وتأكيد على حقيقة أن الدين هو السلام. موضحاً أن قانون كانت الأخلاقي ليس فيه ثواب ولا عقاب، أي ليس فيه وعد الآخرة. ما يجعله محدود الجدوى في ردع النفوس الجامحة. وبالتالي لن يحقق سلاماً؛ لأنه مجرد افتراض سعادة في السلام؛ قد يجدها الفيلسوف المتأمل، ويعجز عن إدراكها عامة الناس.
وتوافق الشيخ ابن بيه مع نيتشة بأن الحضارة تمرض ولكنه شدد أن أطباؤها ليسوا الفلاسفة فقط، وإنما هم “النخبة الواعية من رجال الدين والفلاسفة والمفكرين، فعلى عواتقهم تقع المسؤولية الأخلاقية في التصدي للمنحرفين والغلاة والمتطرفين”.
وجدد الشيخ ابن بيه تأكيده على تقديم السلم على العدالة، وهو ما أثار الكثير من الجدل، لا سيما أن كانت يعتقد بعدم استحالة تحقيق السلام قبل العدالة. مؤكداً أن منتدى تعزيز السلم ينظر إلى هذه المسألة على مستويين؛ باعتبار أن السلم الدائم يمكن أن يحقق العدالة، “وهذا ما نتفق عليه مع كانت”، بينما المستوى الثاني، أي السلم المؤقت، أو توقف الحرب والقتل، فهذا السلم لا تشترط فيه العدالة التامة؛ لأنه يمثل مقدمة ضرورية تقتضي الإسراع بها”.
وقال معالي الشيخ ابن بيه: “من الطبيعي أن تكون العدالة أساس السلام، فالعدالة أهم قيمة من القيم الدينية والإنسانية، إلا أن السلام قد يكون نتيجة تنازلات متبادلة، وقد يكون ثمرة تنازل من طرف واحد عن حق، لذلك نرى أن الذي يربح أخلاقياً هو الذي يتنازل، وقد يخجل الظالم الذي يجد نفسه مستولياً على حقوق الآخرين. ونحن في منتدى تعزيز السلم خصصنا جائزة الحسن ابن علي عليهما السلام، الذي تنازل عن الخلافة؛ لمصلحة السلام، في قصة مشهورة تاريخياً، وتشجيعاً للمبادرات التي تعزز السلام المجتمعي، وقد منحت هذه الجائزة في دورتين لمنصات سلام مشتركة بين المسلمين والمسيحيين في مصر ووسط إفريقيا.
أما في الشق الثاني من عمل المنتدى، وهو المبادرات والبحث عن الشركاء والأصدقاء، فقال الشيخ عبدالله بن بيه: “في مطلع 2016 اجتمع مئات من علماء المسلمين وممثلون عن الأديان والأقليات في تجمع فريد؛ لتدارس أحوال الأقليات غير المسلمة في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية بعد الأحداث الأليمة التي وقعت في بعض المناطق.ونتج عن هذا اللقاء إعلان مراكش لحقوق الأقليات ليس في الشرق الأوسط ولكن في العالم كله، وقد استلهمنا فيه إحياء وثيقة تاريخية هي “صحيفة المدينة المنورة”، التي مثلت أول دستور في العهد النبوي، ينظم العيش المشترك، ويجسد المواطنة بين أقوام من مختلف الديانات والأعراق بلغة العصر، الذي كتبت فيه. وقد وضع إعلان مراكش الأسس المعرفية والشرعية لإمكانية خطاب التعايش المؤصل في أفق المواطنة بين مختلف المجتمعات المسلمة. ملاحظاً أنه “بعد أربعين سنة على “وثيقة هلسنكي”، هاهم المسلمون يقدمون من رحم تاريخهم وثيقة لحرية التدين وحقوق المواطنة المتساوية. معبراً عن سعادته لأن “بعضكم كانوا شهوداً على تلك اللحظة التاريخية”، منوهاً أن الإعلان حظي؛ لحسن الحظ، بقبول واسع من المنظمات الدولية والجامعات، واعترفت به “منظمة التعاون الإسلامي” في قمة اسطنبول (10 إلى 15 إبريل 2016).
وأضاف معالي الشيخ ابن بيه أنه “في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، حيث تنطلق دروب صناع السلام، وحيث ترحب وتدعم قيادة ذلك البلد الكريم بكل الأفكار البناءة والمبادرات الريادية في تعزيز ثقافة التعايش والتسامح، استقبلنا “قافلة السلام الأمريكية” التي يقودها رجال آمنوا بضرورة التعاون الإيجابي بين أتباع الديانات الكبرى من أجل التخفيف من النبرة العدمية وإبعاد شبح الكراهية والعنصرية. وقد احتضنا هذه القافلة وواكبناها في جميع مراحلها، وعياً منا بالحاجة إلى تبني مقاربة السلم واضطلاع عقلاء العالم من القيادات الدينية بدورهم في صناعة جبهة فكرية موحدة، وصياغة تحالف إنساني يقوم على تفعيل دوائر المشتركات التي أدى تجاهلها وإذكاء الخصوصيات عوضها إلى ما هو مشاهد من الحروب والاقتتال. مشيراً إلى أن المحطة الثانية كانت في الرباط، حيث التحق بالقافلة مجموعة جديدة من الحاخامات والقساوسة والأئمة، وكان لرسالة جلالة الملك محمد السادس الأثر البالغ في تشجيع هذه المبادرة.
وأكد الشيخ ابن بيه أن “مؤتمر واشنطن” هو تتويج لهذه اللقاءات والمشاورالت، والغرض منها تحقيق الأهداف التالية:
أولا: لتأكيد ما تم حتى الآن من ذلك العمل الرائع، الذي تمثل في إرادة التعايش السعيد ،وبناء جسور الصداقة والمحبة بين رجال العائلة الإبراهيمية ونسائها، الذين آمنوا بالقيم المشتركة، وآمنوا بأن إعلاء قيمة الإنسان أهم برهان على ما يتشاركون فيه من قيم الإيمان، فنحن نهنؤكم على هذا العمل، ونهنئ أنفسنا بأننا كنا شهوداً أو كنا شركاء.
ثانياً: لنتذاكر حول إمكانية تحويل النتائج الإيجابية إلى عمل دائم يؤسس لنموذج ليس فقط بين أتباع هذه الديانات، الذين نود أن ينخرطوا في هذا العمل، وأن يتأملوا في الروح التي دفعت أهله للقيام بما قاموا به، وأن يشاركوا بأفكارهم وبدعواتهم الإيمانية؛ بل أن يكون نموذجاً لكل أتباع الديانات والفلسفات.
ثالثاً: لإظهار الدين كقوة للسلام وعامل جذب بين المختلفين، وليس عامل حروب، وإثبات أن ذلك ممكن فعلاً، فديناميكية المحبة تتغلب على الكراهية،فالمحبة والسلام والصداقة، هي رسالتنا إلى البشرية، وهي شعارنا.
رابعاً: أن نوسع آفاق مبدأ التعارف والصداقة والتعايش السعيد؛ لتتحول إلى عمل إنساني ميداني؛ لمساعدة المرضى والمحتاجين؛ باعتبار ذلك من صميم موروثنا الديني. وفي هذا السياق أعلن معالي الشيخ عبدالله بن بيه عن مبادرة “إطعام الطعام” للمحتاجين من كل الأعراق والأديان، نستضيفهم على مائدة العائلة الإبراهيمية؛ لأن هذه المبادرة بالإضافة إلى أنها عمل خير، فإنها أيضاً سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، فقد كان يطعم الضيف كما جاء في القرآن الكريم،”ولقد جاءت رسلنا إبراهيم عليه السلام بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ” (هود -69).
خامساً: أن نتحالف حلف الخير، حلف الفضول، الذي زكاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وهو حلف مفتوح لكل الديانات والأعراق.
سام براون
وتحدث سعادة سام براون سفير الولايات المتحدة لحرية الأديان،ى فتوجه بالتحية للشيخ عبدالله بن بيه على هذه المبادرة الإنسانية الرائعة، وما تستدعيه من جهد أخلاقي وديني في خدمة الإنسان عموماً. ملاحظاً أن المشروع عظيم وهو في غاية الأهمية؛ لأن المجتمع الإنساني بمسيس الحاجة لتعزيز ثقافة التسامح وتعزيز السلم. وأكد الحاجة إلى أن تتوافق الأديان على مشروع سلام شامل يخدم البشرية.وأشار براون إلى إعلان مراكش، الذي شكل الأساس لمؤتمر واشنطن، معتبراً أنه في غاية الأهمية ليس لأنه يحمي الأقليات فقط، وإنما لأنه يؤس لثقافة إنسانية أكثر تأثيراً على الأجيال المقبلة، كما هو حال مشروع قافلة السلام التي يرعاها فضيلة تالشيخ ابن بيه. وأكد أنه على أتم الاستعداد للتعاون في هذا المشروع؛ لأن النهوض بمهمة تعزيز الحريات الدينية في العالم، هو في صلب اهتمام حكومة الولايات المتحدة، وأن دورهسوف يساند ساندة وزارة الخارجية، للقيام في هذه المهمة.
وأبدى السفير براون شديد إعجابه، وخاصة على مستوى هذا التناغم في افكار السلم والتسامح التي تجمع المؤتمرين مع فكر وتطلعات الشيخ عبدالله بن بيه. مبدياً التزمه وتعهده بأنه سيؤكد دعمه للمشروع أمام حكومته،، وأنه سيعمل على حثها لدعم المشروع ومؤازرته في كل السبل.
تام سوينك
كذلك تحدث تام سوينك وزير الخارجية الفنلندي، فأكد أن ما تقوم به قافلة السلام هو في غاية الأهمية، وهو عمل مقدر عالياً من الحكومة الفنلندية، ولذلك “أنقل إليكم دعمنا ومؤازرتنا على كل المستويات”.مشدداً علىأن لقاء اليوم هو مصدر إلهام للقيام بالخطوة اللاحقة على مستوى تحالف الأديان. وأبدى كامل اعجابه بإعلان مراكش، الذي يركز على حقوق وكرامة الأقليات وحرية التدين على مستوى العالم. إنها خطوة جميلة. ولكن التحدي أمامنا، هو شكل المقاربة التي يفترض أن نتحدث بها إلى الآخر المختلف. فهذا ما نرجو الاهتمام به.ويرى في مؤتمر واشنطن فرصة لتشكيل إطار يعزز خطوات السلام، إن مثل هذا الكيان سيقوم”بدور جوهري في ترسيخ ثقافة التسامح؛ لأنني أعتقد أنه إذا كان الدين جزء من المشكلة، فهو بالتأكيد جزء من الحل”.
محمد بن عبد الكريم العيسى
إلى ذلك تحدث معالي محمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، فتوجه بالتحية إلى فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، وإلى جميع العلماء من ممثلي الديانات الإبراهيمية. معتبراً أن هذا اللقاء المتميز بحضوره وموضوعه “يتطلع لتعزيز
قيم الوئام بين أتباع الأديان، ملبياً دعوة محبي السلام، من خلال فِكْرَةِ حِلْفٍ رحَّب به نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ” لو دُعيت به في الإسلام لأجبت”، وهو حِلفُ الفضول. وهذا الحِلْفُ لم يكُن حلفاً إسلامياً، لكنه حَمَلَ قيم الإسلام الرفيعة حيث شَمَلَتْ موادُه متطلباتِ السلام المجتمعي والدولي من خلال ترسيخ مبادئ الحقوق والحريات.
وتمنى معالي العيسى أن يشمل هذا العهدُ معالجةً لازدراء أتباع الأديان، والتصديَ الحكيم لفوبيا الأديان، والدعوةَ للحوار الفعال، والتفرقةَ بين التفهم والقناعة؛ فالأول يُقر بسنة الخالق سبحانه في الاختلاف والتنوع والتعددية، والثاني يُقر بأن العقائدَ والقناعاتِ لا تُفرض، وأن عدم قبولها لا يعني المواجهةَ بينها والإكراه عليها، مع التحذير من توظيف الدين لأي غرض مادي، ومن الإساءة للعواطف الدينية بما يصرف بعضها عن مسارها الطبيعي، والتأكيدَ على عقد اللقاءات الدورية للتذكير والمذاكرة حول المشتركات بين الأديان والثقافات، ومن ثم الانفتاح والتعاون والتعايش على ضوئها، مع التعزيز المستمر لكافة أساليب فهم الآخر.
الدكتور محمد مطر الكعبي
من جهته قال سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي أمين عام “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” إن الأديان فاعل أساسي في تعزيز السلم، وأن تعاونها يمثل سدا منيعا ضد ثقافة الكراهية وخطاب العنف والتطرف، وهو ما يتوجب أن تتضافر جهود عقلاء الأديان لتشييد لبنات هذا الصرح، حفظا للإنسان والأديان والأوطان على حد سواء. وحتى يكون هذا التعاون واقعا حقيقيا يُفترض البحث عن المشترك في أفق إقامة تحالف للقيم، وحلف فضول عالمي يكون مرجعا للعالم كله، ونموذجا دينيا وحضاريا وإنسانيا، يثبت أن الإرادة القوية والنية الصادقة والإيمان بالسلام والجهد الفاعل، أركان هذا العمل، الذي يأوي إليه الجميع، والمظلة التي يستظل بها، وهو ما خلصنا إليه في الملتقى الرابع الذي نظمه منتدى تعزيز السلم بأبوظبي في ديسمبر 2017 تحت عنوان: “السلام العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام التطرف”، والذي أكد أن أمام أديان العائلة الابراهيمية تحديات كبيرة تجب مواجهتها؛ لاقتراح حلول إبداعية، تستثمر فيها مشتركات العدل والتنمية الاقتصادية والسلم الاجتماعي في أبعد الحدود، وهي متطلبات يجب أن تتبوأ أعلى سلم أولويات العالم مع وضوح في الرؤية يبعد شبح الحروب العبثية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال مقاربات جديدة في علاقة أتباع هذه العائلة في ما بينهم، قوامها القبول بالاختلاف بدل النقد والاتهام المتبادل، وتحالف الجميع لخدمة الإنسان، ونحن ندعو إلى هذه المبادرة إيمانا منا بأن الديانات الابراهيمية حينما تتصالح وتتصافح تستطيع تعزيز روح السلام في العالم، وتسهيل سلوك طريق العدالة والخير ومعالجة المظالم والمظلوميات انطلاقا من القيم المستوحاة من الأديان متمثلة في التسامح، وقبول الاختلاف والتعددية، والتواصل والتعاون.
وأضاف الدكتور الكعبي أن الأنبياء والرسل جاءوا برسالة السلام، وحَقٌّ على أتباعهم أن يكونوا دعاة سلام ورحمة، أن يكونوا أنصارا للمظلومين، وأن يكونوا حماة للإنسان والأديان، وأن يستلهموا من سيرهم ومبادراتهم، ولذلك نجتمع اليوم لنقدم للعالم النموذج الحضاري للتعايش والتعاون على الوجود والبقاء، رفعا للظلم، ومواجهة للكراهية والتطرف، معتمدين على ما في كتب أديان العائلة الإبراهيمية من نصوص داعمة ومقوية ومعينة على بلوغ المقصود. إننا نطمح أن نصل حلف عالمي للأديان لما نملك من إمكانيات التعاون والتعايش ما يمكن أن نقدم من خلاله حلولا واعية بالواقع العالمي وتركيباته المعقدة ومتغيراته وإكراهاته، نستثمرها لإحداث الأثر الصالح في النفوس والعقليات في هذا العالم الذي تتلاطم فيه أمواج التكتلات االمتصارعة، وذلك بأن يكون تكتلا يجمع ولا يفرق، يقارب ولا يباعد، يوحد ولا يشتت، يبشر ولا ينفر.
وأكد سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي أمين عام “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” أن دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة ومجتمعا، تعمل على أن يكون التسامح سائدا بين المجموعات الدينية والعرقية واللغوية، التي تعيش على أرضها، وما فتئت تشريعاتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية ومبادراتها الإقليمية والدولية والعالمية تؤكد توجهها في هذا الاتجاه؛ استثمارا لهذا التنوع في المنطق الديني والإنساني الذي نعتقد أنه عامل محفز على التعارف والتعايش. مشدداً على أن منتدى تعزيز السلم ماض في ترسيخ هذه الاختيارات من خلال مقارباته وأطروحاته الفكرية والعلمية والدينية المتميزة التي مكنته من أن يكون حاضرا برؤيته ومنهجه السليم وفكره الرصين ومبادراته القوية في أهم المحافل الدولية. راجياً “أن نرى حلف فضول جديد، للوئام والسلام السعيد بين الأديان، يستلهم جوهر الدين الصحيح في الديانات لتحقيق التعايش، وعمارة الأرض بقيم الخير والجمال، ونبذ الغلو والتطرف، ومسح تداعيات “الإسلامفوبيا”، وكل أشكال التنابذ الديني. ذلك الحلف، سيكون بحق يوما مشرقا وسعيدا في تاريخ الإنسانية.
الجلسات العامة
تلى الافتتاح عقد ثلاث جلسات تحدث فيها الشيخ حمزة يوسف هانسن نائب رئيس “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، والقس بيشوب افرام تيندورو، والحاخام ديفيد روزن مدير معهد علاقات الأديان الدولي، والأنبا انجيلوس أسقف لندن، والقس كريس سايبل، ،الحاخام إيريك يافي، وماغي الصديقي، والدكتورة أماني لوبيس عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وآخرين.
وقال الدكتور حمزة يوسف هانسن نائب رئيس “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، نحن نسعى إلى ثقافةالسلم والتسامح وتعزيز السلم المجتمعي، ولكن دعوني أصارحكم بأن لب المشكلة يتمثل بسلوك بعض رجال الدين، فهؤلاء هم الذين يشحنون بسطاء الناس بالكراهية. لذلك يتعين على هذا الملتقى أن ينشط لحث ممثلي الديانات على الانخراط بالسلم. وتحدث عن البعد الإشكالي، الذي يثير التطرف والغلو، فقال:”القرآن يميز بين الكرامة القائمة على الدين والكرامة القائمة على الأخلاق، معتبراً أن البشر كلهم أبناء آدم،أي كلهم أخوة بالضرورة، وعدم فهم هذه الحيقية هو أساس المشاكل، ومن لا يعرف ذلك هو الذي يسبب الألم.
وذكر أنه تحدث ذات مرة إلى الشيخ عبدالله بن بيه، وقال له أتمنى أنه يتمنى أن يمر يوماً من دون مشاكل؛ فأجابه الشيخ”: أتريد أن تموت، فالحياة لا تمضي من دون مشاكل، فاتعظ وتعلم كيف تتفهم طبيعة الحياة وطبيعة البشر، وهنا يكمن دورك بتفهم هذه المشاكل وجعل أصحاب يقتنعون بما تقتنع به” لتستمر الحياة بسعادة”.
وتوقف الدكتور هانس عند بعض المداخلات، فلاحظ أنه عندما يتقاتل المسلمون مع بعضهم البعض، فلا ينظر إلى نزاعهم بأنه إسلامي أو الإسلام باعثه، ولكن عندما يحصل نزاع مع الأقليات؛ للأسف يجري تصويره وكأنه عنف إسلامي؛ علما أن النزاع في الحالين ليس إسلامياً، وإنما هو تخلف وتطرف. والتاريخ يشهد تعايش المسيحيون واليهود في الحواضر الإسلامية بأمان واستقرار لقرون عدة في الماضي، والنماذج أكثر من أن تُعد أو تحصى.
من جهته تحدثالقس بيشوب افرام تيندوروعن النزاع في الفلبين بين جبهة مورو الإسلامية والحكومة، مؤكداً أن النزاع هناك ليس دينياً، وإنما هناك في الواقع، مظلوميات، وأنه تحاور مع الجبهة فقالوا له: أنتم أخذت أرضنا بالقوة وجعلتموها فلبينية، فكان ردي أننا لم نُسأل كمجمع كنسي في هذه المسألة، وليس لنا خيار، وإنما نحن معكم في البحث عن حقوقكم. ولكن أحيانا تكون العقبات كبيرة لأن السياسة تدفع بالنزاع، إلى غياب أصل المشكلة، وهذا ما يتعين على الطرفين معرفته. وبخصوص تجربته الشخصية يقول إنه على يقين أن الحوار يفتح الأبواب المغلقة، وأن إعلان مراكش يشكل دفعة قوية لفتح بوابات الحوار، وأنه يتطله إلى تشكيل نموذج مؤسسي دائم لمؤتمر واشنطن يضطلع بالتصدي للكراهية والإقصاء والغلو والتطرف.
كما تحدث الحاخام ديفيد روزن مدير علاقات الأديان الدولي فقال “عندما لا نكون مخلصين للآخرين نرى بهم بشراً، أما إذا كنا محبين ومؤمنين بأهميةالآخر فسوف نراهم ملائكة. مشدداً على أن معظم النزاعات تبدأ من سوء الفهم. لذلك نحنمطالبون بالحوار مع المختلفين، فهو السبيل الوحيد للتفاهم. وهذا تدعو له اليهودية كما الإسلام، حيث ينص القراآن على أن الله جعل الناس “قبائل وشعوباً لتعارفوا”. وهذا ما يسعى إليه الشيخ عبدالله بن بيه، ولذلك أنا متحمس لهذا التحالف الذي يدعو إليه.
أما الأنبا انجيلوس أسقف لندنف ثمن مؤتمر واشنطن عالياً، معتبراً أنه يعبر عن الحالة الإنسانية والأخلاقية، التي أرادها الله للبشر. ولاحظ أن الحقوق والحريات التي نعمل من أجلها هي في الأساس حقوق الله أو قانون الله، ولذلك عندما نطالب بها كمثلين للأديان، فهي مهمة إنسانية نبيلة، تقتضي أن نتعاون من أجلها. وأكد أننا جميعاً نواجه مشكلات مع الذن يتصرفون بكراهية أو بعنف أو بتطرف، وأن الطريق الوحيد للخلاص من هذ السلوك الشائن هو الحوار. علينا أن نقدم نموذجاً حسناً للحوار. وذكر بأهمية إعلان مراكش، وكذلك وثيقة عمان. ودعا الجميع للوقوف ضد جرائم الكراهية والاضطهاد العرقي والديني أينما وقع، وضد أي فئة كانت سواء مسلمين أو مسيحيين أو يهود.
بدوره القسكريس سايبل، أكد أنه التقى الشيخ ابن بيه مرات عدة، وأنه في كل مرة يجد نفسه مع الشيخ، و”كأن صوت الله هو الذي يجمعنا”.وأضاف “ما أريد أن أقوله، أن المرء عندما يعتزم فتح قلبه للآخر، فسيجد منه المثل، وحينها يكون التفاهم ممكنا. ما يعني أنه علينا أن نتذكر دائماً أن الأخوة في الله هي التي تجمعنا، فنحن جميعاً أبناء الله وعياله.
إلى ذلك تحدثت الدكتورة أماني لوبيس عن أهمية مؤتمر واشنطن، وما يتطلع إليه محبوا السلام من ورائه. مؤكدة أن المجتمع الإنساني بحاجة إلى تحالف الأديان. ولكنها لاحظت: “أننا عندما نتكلم عن الحريات الدينية، يتعين علينا بداية البحث عن طريقة لإدارة التنوع، كما لا بد لنا أن تكون لدينا اهتمامات مشتركة، وبخاصة ممثلي الأديان رجال ونساء. وإذا ما توفرت هذه العناصر؛ حينها يسهل الحوار. ولكن الواقع بالفعل ليس كذلك، وهذا ما يحتم أن نكون على قدر من الفهم العميق للدين، حتى نتمكن من استيعاب المختلف. كما تحدثت الدكتورة لوبيس عن تجربتها في دعم النساء في مجتمعها. وأشارت إلى مسألة ضرورة الانفتاح في الحوار على كل المستويات، سواء تعلقت الأمور بالمعتقدات أو الحقوق، فالضرورة تقتضي التعاون بين البشر، لأنه طريق الأمان والاستقرارو، وعكس ذلك يؤدي إلى الخراب والدمار.
من ناحيته تحدث الحاخام إيريك يافي عن المشكلات في اليهودية، وبخاصة ما سماه ظاهرة عدم التسامح عن بعض المجموعات. مؤكداً أنه كان مكتئباً بسبب ذلك، ولكن حالما حضر وشارك بمؤتمر واشنطن زالت هذه الكآبة، لا بل يعتق أنه أخذ جرعة تفاؤل، تحفزه على العمل الحثيث من أجل التوصل إلى تحالف بين الأديان، وأن نتصدى معاً لكل الأصوات الشاذة. وأكد أن هذه المجموعة التي تلتقي اليوم مؤهلة للقيام بهذا التحالف الإنساني الجميل. كما أكد ضرورة أن تزول الأحقاد والكراهية المتراكمة عن الماضي؛ حتى في حالة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني؛ رغم قسوته، فالمؤكد هناك اسرائيليين وفلسطينيين يرغبون بالحوار والحل السلمي والتعايش بأمان. لذلك يتعين أن نقدم لهم هذا النموج الرائع للتحالف بين الأديان. وشدد أنه لن يقبل أن يقال أن الإسلام متطرف أو عنيف، وأنه سيتصدى للمتطرفين والغوغائيين اليهود بالدرجة الأولى، و”أقول لهم انظروا إلى إعلان مراكش، وأبحثو في غوغل لتتأكدوا كيف يدين المسلمون الإرهاب والعنف والكراهية”.
الجسات المسائية
في الجلسات المسائية انقسم المؤتمرون إلى أربع مجموعات، وبدأوا بمناقشة إعلان واشنطن التاريخي، الذي يفترض الكشف عنه في آخر أيام المؤتمر (الأربعاء 7 فبراير)، وأن يتضمن الإعلان عن طبيعة أو شكل التحالف بين الأديان، مع صيغ وآليات تنظم استمراريته، وبرامح عمل تحكم أنشطته المستقبلية، على ان يكون مفتوحاً أما ممثلي مختلف الأديان على مستوى العالم.