ما إن تدخل مرسم الفنان الإماراتي الراحل حسن شريف، حتى تجد كل ما بداخله يحكي لغة الغياب، فكل شيء متروك على حاله، وكما كان حين غادر إلى المستشفى في رحلة علاج لم تُكتب له العودة منها. فوق المكتب ترك علبة السجائر وولاعة، وبقايا سجائره المدخنة، والرواية التركية «اسمي أحمر» بنسختها الإنجليزية، التي وصل في قراءتها إلى صفحة 39، بينما أكمل أكثر من نصفها بالنسخة العربية في المستشفى. كل ما تركه في حالة جمود، باستثناء فنه، الذي مازال ينبض بالحياة، فالأعمال التي تركها سواء التي بدأ بتنفيذها، أو التي وضع رسوماتها المفصلة، ستستكمل بعد رحيله، ليبقى فنه يروي حكايته في حضرة الغياب.
سيرة فنية
توفي الفنان الإماراتي حسن شريف في 18 سبتمبر 2016 عن 65 عاماً، وهو من فناني الجيل الأول، الذي أسس الحركة التشكيلية في الامارات. يعدّ الفنان الراحل الأب الروحي للفن البصري في الدولة. وعلى الرغم مما حققه في مجال التشكيل، فإن التشكيل لم يكن البداية الفنية الحقيقية لشريف، فقد بدأت رحلته مع رسم الكاريكاتير، حيث عمل في الصحف والمجلات حين كان طالباً، فقدم مجموعة من الرسومات التي عبّر من خلالها عن المناخ السياسي في الشرق الأوسط. ثم بعد ذلك انتقل إلى بريطانيا عام 1973، ثم في عام 1980 بدأ رحلته الدراسية في كلية بايام شو للفنون. درّب في الامارات مجموعة كبيرة من الفنانين الذين توجهوا إلى الفن المفاهيمي، وقد اقتنيت أعماله في العديد من المتاحف العالمية، وضمن مجموعات خاصة.
تشاهد في الاستوديو حيث كان يعمل ويعيش، كثيراً من الكتب، والأوراق والرسومات، فيما على الطاولة قاموس «المورد»، الذي كان من بين الكتب التي يقرأها كثيراً ويغوص في معاني المفردات وأصل الكلمات، ويستلهم منها أعماله، التي ترك منها ما هو منفّذ بالكامل، أو حتى غير المنفّذة بشكل نهائي، إلى جانب أعمال قد وضع كامل تفاصيلها على الورق.
وحول مصير هذه الأعمال، قال مدير أعماله وابن أخيه، محمد عبدالرحمن شريف، لـ«الامارات اليوم»: «لطالما كان جول حسن شريف أن تصل أعماله لأكبر فئة من الناس، لذا فإن توزيع الأعمال أو التصرف فيها سيستغرق كثيراً من الوقت، في حين أن توثيق أعماله قد تم البدء به، منذ عام 1990». وشدد على أن عمه «كان يعيش حياة بسيطة، ولم تكن لديه تطلعات مالية وحياتية، فكان اهتمامه الأساسي بالمواد الأولية، فيبحث عن الأشياء، وفي المواد المستهلكة، وكل ما أهمله الناس». ولفت شريف إلى وجود تواصل من قبل المؤسسات الحكومية بغية اقتناء أعمال له، ولكن هذا التواصل يتم عن طريق الصالة الفنية التي تمثل حسن شريف، والصالات الفنية التي تمثله حول العالم ثلاث، هي: «إيزابيل فان دين إيند» في دبي، و«ألكسندر جيت» في نيويورك، و«جي بي إيجنسي» في باريس. ولفت شريف إلى أن عمه «ترك مجلدات من الكتابات، وهذا ما يهتم به اليوم»، مشيراً إلى أن «العام الجاري سيشهد معرضاً استعادياً لحسن شريف، تنظمه الشيخة حور القاسمي، في الشارقة، كما سيعرض في (غوغنهايم) جزء من أعماله، إضافة إلى معرض سيقام في شهر مارس ببلجيكا».
ولفت شريف إلى أن «الأعمال التي وجد لها رسومات مع شروحات كاملة، سيتم تنفيذها، بينما الأعمال التي تركها ولم يكملها، ستعرض بالحالة التي تركها عليها دون استكمال وتبقى غير معنونة»، موضحاً أن «عدد النسخ من الأعمال سيتبع المواصفات التي وضعها، فإن وضع في مواصفات العمل عدد للنسخ سنلتزم بالعدد المكتوب». وقال: «ترك حسن شريف 82 مسودة، وهي الأساس كي نستكمل إنتاج الأعمال، ولكننا نسعى أيضاً إلى توثيق المسودات بشكل رقمي، كي نتمكن من إنجازها»، وشدّد على أن «الثقافة كانت نقطة الانطلاق في الأعمال الفنية، فأحياناً يستوحي العمل من (المورد)، فهو أكثر الكتب التي كان يقرأها، ويبحث عن الكلمات التي تثير فضوله بعمق، فكان يطلب مني البحث عن المفردة»، منوها بأن «عمل حسن شريف كان يجرد الشيء من المعنى، وكان دائماً يقول أعمالي موجودة للمثقفين فقط، لذا كان يبتعد عن تحديد المعنى. اللوحة تتحدث عن المزج اللوني، وعن أشياء أخرى، فكان يقول للناس ابحثوا».
من جهته، الفنان محمد كاظم، الذي كان من الأصدقاء المقربين لشريف، قال: «لدى حسن شريف أرشيف دقيق لا يوجد حتى في مؤسسات حكومية في الدولة، فهو لديه زخم كبير من الأعمال، وقدم مجموعة من الرسوم الكاريكاتورية قاربت 2000 رسمة». وشدد على أن «التوثيق والأرشيف الدقيق يقوم به شقيقه عبدالرحيم شريف، بحيث عمد إلى وضع تفاصيل الأعمال، بدءاً من سنة إنتاج العمل وصولاً إلى اسمه والمواد، إلى جانب الكتابات التي قدمها حول التجارب الفنية، ومعظم المواد مترجمة لأكثر من لغة، وقد تم تكليف عادل خزام بتحرير الكتابات، كما أنها ستترجم، وذلك بتكليف من جمعية الامارات للفنون التشكيلية».
وشدد كاظم على أنه «مع ظهور الصالات الفنية بعد تأسيس (الفلاينغ هاوس)، وثقت الأعمال بشكل دقيق، ومجموعة منها كانت ضمن مقتنيات خاصة، إضافة للأعمال التي تنتمي إلى فن الأعمال الحركي، التي اقتناها متحف (غوغنهايم) بأبوظبي». وتحدث كاظم عن معرض «تجارب وأشياء»، الذي قدم خلاله شريف أعماله من التسعينات وحتى 2011، موضحاً أنه «أنتج مجموعة من المواد المختلفة، وسماها كذلك، إذ كان الهدف منها ملء الفراغ بين النحت والتصوير»، مضيفاً أنه «لم يتوقف عن العمل حتى خلال فترة مرضه، فكان يعمل على الأعمال الورقية، وعلى اللوحة والفن النظامي»، لافتاً إلى أن «الرسومات التي تركها يسهل استكمالها باستثناء التي تتعلق بالنظام الرياضي، فهو من يضع النظام الرياضي لها، ويطبقها على لوحات، لذا يصعب تقديمها من بعده، ولكن عموماً مشروعاته قابلة للتمديد».
المصدر : https://wp.me/p70vFa-hGx