هناك ما يدعو لأن تكون هذه المدينة واحدة من أكثر المدن الآسيوية تألقا
أول ما ستلاحظه في العاصمة الفلبينية مانيلا هو كثرة تحديق السكان المحليين فيك. فمن يترعرع في هذه المدينة لا يتربى على أن التحديق في الآخرين من الأمور غير اللائقة، لذا، فإن هذه العادة تلازمهم. لكن لا تقلق، فهي مجرد نظرات فضول، وغالباً ما يكون رد الفعل الوحيد تجاهها هو ابتسامة ودودة.
الأمر الثاني الذي عليك أن تدركه هو الجغرافيا الحضرية المعقدة للمدينة. فبالنسبة للآتين من خارج الفلبين، تعتبر المنطقة التي تعرف باسم “مترو مانيلا” هي ببساطة مدينة مانيلا نفسها. أما لمن يتجول فيها بشكل أعمق، فسيجد أنها تشمل 16 مدينة صغيرة.
ومن بين هذه المدن، مدينة “ماكاتي سيتي” العصرية ذات الطابع العالمي، ومدينتي “بونافاشيو غلوبال سيتي” و “أورتيغاس سيتي”، وهما المركزان الماليان والتجاريان في العاصمة. وعلى بعد 10 كيلومترات إلى الشرق من وسط العاصمة، يقع مقر الحكومة حيث بلدة مانيلا القديمة. ولا تزال توجد هنا بضع بقايا من الإرث الاستعماري الإسباني ضمن بعض المباني المنهارة.
هل الفلبين هي النمر الآسيوي القادم؟
حقق الاقتصاد الفلبيني نموا بسرعة جنونية منذ عام 2010، حيث ازداد الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 42 في المئة؛ وإرتفع فائض الحساب الجاري بنسبة 77 في المئة، وتقدم ترتيب البلد من ناحية التنافس العالمي 33 مركزاً نحو الأعلى. وقد استندت جميع هذه الأرقام إلى ما نشره صندوق النقد الدولي و المنتدى الاقتصادي العالمي.
إن هذا التقدم المذهل ميّز هذه الأمة باعتبارها واحدة من أسرع الأمم نمواً في آسيا. ولا زالت العمالة المصدَّرة إلى الخارج تغذي اقتصاد البلد بما يقرب من 20 مليار دولار أمريكي، في شكل تحويلات مالية سنوية (أي أموال ترسل إلى الوطن من قبل الفلبينيين العاملين في الخارج).
أما في أيامنا هذه، فإن لدى الفلبينيين أسباب أقل لكي يتطلعوا للعمل خارج وطنهم؛ إذ أن نصف المناطق الخاصة المسجلة لدى “سلطات المنطقة الاقتصادية الفيلبينية” هي عبارة عن مجمعات لتقنية المعلومات أو الشركات العابرة للحدود. وقد أصبحت مجالات العمل هذه بقيمة 18 مليار دولار أمريكي.
واستضافت المدينة في العام الماضي “المنتدى الاقتصادي العالمي”، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، استضافت “منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهاديء”، حيث شارك في هذا المنتدى 20 دولة عضوة قدمت تعهدات والتزامات جديدة لدول منطقة آسيا والمحيط الهاديء. كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس جمهورية الصين من بين الضيوف الكبار الذين شاركوا في هذه الفعاليات.
تُعرف دولة الفلبين على نطاق عالمي بأن الناطقين فيها باللغة الانجليزية يتمتعون بمستوى لغوي عالٍ، ما يجعلها الخيار الأفضل لمراكز الاتصالات التي تؤسسها الشركات لدعم عملائها، إضافة إلى غيرها من خدمات الشركات العابرة للحدود من جميع بقاع العالم الناطقة باللغة الإنجليزية.
وتأتي مانيلا في المرتبة الثالثة في قائمة تشمل 100 من أفضل الأماكن التي تختارها الشركات العابرة للحدود، أو ما تعرف بشركات الاستعانة بالمصادر الخارجية، وذلك حسب مؤسسة “ثولونس” للاستشارات، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويدخل ما يقرب من 400 ألف فلبيني من خريجي الجامعات في مجالات العمل كل عام. ويعمل الكثير من هؤلاء في مراكز الخدمات الهاتفية وغيرها من الشركات ومؤسسات الأعمال والتجارة الدولية، وخاصة في مجالات تطوير البرامج وشبكة الإنترنت، والأمور القانونية والنَسخ، والأمور المالية، والخدمات اللوجستية والمحاسبية.
الهوس الثقافي
على الرغم من هذا الشغف باللغات، يكون من الصعب أحيانا على الأجانب أن يجعلوا الآخرين يفهمونهم عند الحديث في مجال التجارة والأعمال. ويفضل الفلبينيون أن يكونوا مهذبين للغاية، وربما لن تحصل منهم دوماً على رد فعل مباشر إذا اعتقدوا أن إجابتهم قد تجرح مشاعر شخص ما.
وقد تحتاج إلى بعض الوقت لتتكيّف مع نمط الخطاب هذا، لكن عندما تتعلمه ـ عن طريق فهم والتقاط اشارات خفية ـ فإن التفاهم والتعامل معهم يصبحان أسهل بكثير. وتعد أجواء العمل في المكاتب ودية بالنسبة للعمالة الوافدة، وتشعر فيها بمشاعر عائلية متينة.
الوصول إلى مانيلا
يعد مطار “نينوي أكينو الدولي” هو البوابة الدولية الرئيسية للمسافرين المتجهين إلى الفلبين. ويبعد المطار قرابة 7 كيلومترات جنوبي العاصمة مانيلا، ويقع جنوب غربي مدينة “ماكاتي”. وتم تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول إلى البلد لمواطني ما يقرب من 150 بلداً.
ومع ذلك، يتوجب على المسافرين القادمين أن يُظهروا تذكرة العودة أو السفر خارج البلد، إضافة إلى حملهم جواز سفر ساريا لما لا يقل عن ستة أشهر.
وكان مطار “نينوي أكينو الدولي” لسنوات واحداً من بين أسوأ المطارات الدولية في العالم. لذا، على المسافر إلى هناك أن يهيء نفسه للفوضى التي تعمّ المكان. وقد حاولت سلطات المطار مؤخراً تحسين هذه السمعة السيئة عن طريق تخفيف الزحام في بعض الأماكن، وإضافة صالات مريحة جديدة.
وبحسب التطبيق الإلكتروني “واز” (Waze) المتعلق بحركة المرور، والذي يعتمد على آراء المستخدمين له عبر هواتفهم المحمولة، تم مؤخراً تصنيف المدينة باعتبارها الأسوأ في العالم.
لذا، حاول أن تتجنب التنقل في ساعات الذروة كلما أمكن ذلك. إذا كنت تريد مقابلة شخص بعيداً عن أحياء التجارة والأعمال في مانيلا، فعليك التخطيط مسبقاً لكي تختار فندقاً قريباً لمحل إقامتك أو عملك. ذلك أمر يُنصح به بشدة.
فمدينة مانيلا تعد واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في العالم، كما تعد بنيتها التحتية في مجال النقل والمواصلات في حالة منهارة. فغالباً ما تجد منظومة قطارات الأنفاق وقطارات السكك الحديدية مكتظة بالمسافرين بشكل مفرط.
كما لا يُوصى الأجانب أيضاً بتأجير سيارة خاصة، ولكن يمكن بسهولة طلب تأمين سيارة بسائق من موظفي الاستقبال في الفندق الذي تقيم فيه. وسيارات الأجرة هي الوسيلة المفضلة لدى زوار مانيلا الدائمين. كل ما عليك أن تتأكد منه هو وجود عدّاد في السيارة لكي تتجنب الزيادة المفرطة في الأجرة.
ويبلغ معدل تأجير سيارة في مانيلا أقل من دولار أمريكي واحد، علماً بأنه تتوفر أيضاً خدمة التأجير عبر التطبيق المحمول “أوبر” .
تناول وجبة طعام
للثقافات الماليزية والإسبانية والصينية تأثيرات رئيسية على طهي الطعام في الفلبين، لكن منظر المأكولات في مانيلا حافل بكافة ألوان الطعام من جميع أنحاء العالم.
في “ماكاتي”، تقدم مطاعم الفنادق خيارات عديدة للمسافرين من رجال المال والأعمال. أما بالنسبة لأولئك المغامرين بالتنقل خارج المدينة، فهناك مطعم “بارسينو” بأكلاته الإسبانية أو مطعم “ذا فورت” في بلدة “تاغيغ” الواقعة في العاصمة مانيلا؛ وهو المطعم المفضل الذي يقدم قائمة نبيذ ضخمة، وأطباق من أكلات “تاباس” و “باييا” الإسبانية الممتازة.
ولكي تكون أطباقه شهية للسكان المحليين والأجانب، فإن مطعم “إكس.أو. 46 بريستو” في بلدة “ماكاتي” يخلط الأكلات الفلبينية التقليدية بالأكلات العالمية.
خارج أوقات العمل
لا بد من زيارة هذا الحي الواقع في شمال العاصمة؛ فهو أقدم أحيائها وبمثابة نواتها التاريخية: إنه حي “إنتراميوروس”، ويعني “المدينة المسورة”. وتجد، ضمن أسوارها، قلعة متداعية عملت في الماضي على حماية سكانها من الغزاة.
وتقع إلى الجنوب من “المدينة المسورة” تلك، “مدينة الأحلام” الجديدة، وهي عبارة عن مجمع متكامل من الفنادق والملاهي، ويحتل مساحة 6.2 هكتار. ويوجد داخل المجمع فندق “نوبوو” و “سولير” و”ذا حياة”، ومطاعم يعمل فيها طهاة محترفون.
ويقع على مقربة من ذلك المجمع المركز التجاري “مول آسيا”، وهو أكبر مركز للتسوق في آسيا حيث يحتل مساحة 4 ملايين قدم مربع. ويتوجه إلى هذا المركز أكبر نجوم أغاني البوب من أمثال “تايلور سويفت” و “مادونا” لكي يملأ المعجبون مسارحه العملاقة.
ولعشاق الطبيعة، توجد رحلات لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات للتنزه خارج مانيلا. فعلى بعد 64 كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة، تقع مدينة “تاغايتاي”. وتتمتع هذه المدينة بإطلالة شاملة على بحيرة هائلة وبركان خامد.
كما أنها توفر فرصة للراحة سريعاً من حياة المدن الصاخبة، لذا يتوافد عليها الناس للتنزه في الممرات والمسارات العديدة عندما يكون الطقس لطيفاً. وعلى مسافة أبعد من ذلك قليلا، يعتبر الغوص في مدينة “بورتو غاليرا” من الرياضات الشائعة.
ولمن يظل في مدينة “ماكاتي” دون أن يُتاح له الوقت ليسافر خارجها، يمكنه الذهاب إلى “متحف أيالا”. وسيجد هناك موادا معروضة تتعلق بالأعراق البشرية، وآثاراً عن حضارة الفلبينيين، وفنونهم، وتاريخهم.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-9ea