أشار تقرير بحثي صادر عن جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية (ACCA) بعنوان “الابتكار في المالية العامة ” إلى تغييرات في الصورة النمطية للقطاع العام بوصفه مكانٌ يشحّ أو ينعدم فيه الابتكار. وكشف التقرير أنّ 91 في المائة من المشاركين في الاستبيان من القطاع العام أشاروا إلى وجود أحد أشكال الابتكار في مؤسساتهم، فيما أشار أقلّ من 90 في المائة من المشاركين من القطاع الخاص إلى حدوث ذلك.
وشارك بالاستبيان نحو 4,436 من أعضاء جمعية (ACCA) في 142 دولة ، إلى جانب حلقات حوارية شهدت مشاركة 89 عضواً من 32 دولة. وتمّ قياس مستوى الابتكار في ثلاثة مجالات: القائمة على الأفراد، البيانات والتكنولوجيا، والابتكار في العمليات، حيث هدف التقرير إلى دراسة نوع الابتكار الموجود في المالية العامة ، مع تسليط الضوء في الوقت ذاته على التحديات المستقبلية.
وكشفت آراء المشاركين عن التنامي التدريجي لمستويات الابتكار في القطاع العام ، ولكن عند سؤالهم عن نوع الابتكار المطلوب لتخطي التحديات المعقدة في الوقت الراهن، أوضح المحترفون الماليون عن إيمانهم بوجوب اعتماد الحكومات لأشكال جذرية من الابتكار. و وصف 66 في المائة من المشاركين في الاستبيان بالشرق الأوسط بأن الابتكار الجاري في مؤسساتهم على أنّه “متزايد” بطبيعته. من جهةٍ أخرى، أشار غالبية المشاركين من الشرق الأوسط (53 في المائة) إلى أن الابتكار يجب أن يكون “موجهاً” و”غير مسبوق” حتى يتمكّن من تخطي التحديات المعقدة في الوقت الراهن.
وفي إطار تعليقه على الأمر، قال أليكس ميتكالف، الخبير في القطاع العام لدى جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية (ACCA) ومؤلّف التقرير: “تُظهر النتائج أنّ الابتكار في القطاع العام ينمو تدريجياً بشكلٍ عام، ولا يتّصف بكونه ثوري أو تحولي. وفي ظلّ التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع العام ، ابتداءً من تخفيضات الميزانية ووصولاً إلى الافتقار إلى المواهب، أشار المشاركون إلى الحاجة إلى مقاربةٍ جديدةٍ كلياً في المستقبل، وكانت الفكرة الواضحة التي أعربوا عنها هي ضرورة تحوّل الحكومات من الابتكار التدريجي السائد حالياً إلى إجراء إصلاحات جذرية و غير مسبوقة”.
من جانه كتب ماثيو تايلور، الرئيس التنفيذي للجمعية الملكية لتشجيع الفنون والصناعات والتجارة (RSA) في مقدمة التقرير: “يُبدد هذا التقرير الأسطورة السائدة بأنّ القطاع العام يعارض الابتكار. إن التنبؤ بما يحمله المستقبل غير ممكن، ويجب على قادة الدول والمدن التحلّي بالقدرة على التجريب والتكيّف. نحن ندعم في الجمعية الملكية لتشجيع الفنون والصناعات والتجارة مبدأ ’التفكير كنظام والتصرّف كرائد أعمال‘. فالتغيير يُمكن أن ينتج عن أي مكان في النظام، إلّا أنّ التحول يعني القدرة المتواصلة على التجريب والتكيّف”.
وأضاف: “نحن بأمسّ الحاجة إلى قادةٍ يدفعهم فهم التحديات التي نواجهها وتصميمهم على إحداث فرق ملموس إلى المضي في مسيرةٍ دون معرفة وجهتها النهائية. وفي نهاية المطاف، وكما أشار العديد من المشاركين في استبيان جمعية (ACCA)، فإنّ السعي إلى إحداث التحول يمكن أن يكون أقل خطورة من الأمل بإمكانية تجنّبه”.
توصيات للتغيير
توفّر النتائج الثلاثة الأولى الواردة في التقرير أيضاً توصيات للتغيير تتضمن:
1. يؤمن المحترفون الماليون بضرورة تحوّل الحكومات من الابتكار التدريجي السائد حالياً إلى إصلاحاتٍ جذرية للابتكار.
يشير ذلك إلى ضرورة أن يتمتّع واضعو السياسات وقادة القطاع العام برؤيةٍ وتوجّهٍ استراتيجي مشترك، لإتاحة الفرصة أمام الموظّفين لفهم كيف يُمكن للمؤسسة تخطي التحديات المعقدة التي تواجهها على نحو فعال.
2. على الوظائف المالية ان تلعب دوراً مهماً في عملية الابتكار في القطاع العام.
يجب أن يطبّق المحترفون الماليون في القطاع العام مبادئ التفكير المتكامل وخلق القيمة من خلال أشكال متعدد من ’رأس المال‘ للمساعدة في صياغة وتقييم الدوافع المنطقية وراء الحاجة للابتكار.
3. يمكن للوظائف المالية الحكومية من خلال قدرة التواصل تحقيق التحول المنشود نحو أشكال غير مسبوقة من الابتكار.
يجب على المحترفون الماليين الحكوميين العمل مع شركاء الأعمال الماليين للتواصل في جميع أرجاء المؤسسات والمساعدة على صياغة معالم ثقافة الابتكار.
ويُسلط التقرير الضوء على ثلاثة تحديات خاصة بالقطاع العام تواجه الابتكار الثوري:
• الحفاظ على بيئة مستقرة خلال الابتكار – يمكن لطرح أفكار جديدة أن يُحدث تغييرات جذرية، الأمر الذي يشكل خطراً بالنسبة للخدمات الحكومية التي غالباً ما تخدم الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.
• عقبة “من يتخذ الخطوة الأولى” – حيث يواجه القطاع العام عقبات تتمثّل بمخاطر خاصة بالمؤسسات، إلى جانب الفوائد المحتملة التي يمكن تحقيقها في أرجاء النظام.
• تحديات الانتشار والحاجة إلى نشر الابتكار بفعالية – بسبب أن الابتكار غالباً ما يكون ذا سياقٍ محدد، وأن القوى التنافسية لا تعمل بنحو يمكن مقارنته في القطاع العام لتحفيز اعتماد واسع النطاق للابتكارات الناجحة.
وأضاف ميتكالف: “على خلاف القطاع الخاص، يمثّل الانتقال إلى الابتكار الثوري في القطاع العام تحدياً بحدّ ذاته، إذ يجب الحفاظ على الاستقرار، ما يمثّل مأزقاً مزدوجاً بالنسبة للمبتكرين في القطاع العام . ولا تنطبق الفوائد الناتجة عن اتّخاذ الخطوة الأولى على القطاع العام ، ولا يعود السبب في ذلك إلى الافتقار لضغوط السوق التقليدية فحسب، ولكن بسبب الحاجة إلى إدارة المخاطر خلال محاولة توسيع نطاق الابتكارات كذلك”.
هذا وطُلب من المشاركين تصنيف “التحديات الرئيسية التي تواجه مؤسساتهم وتتطلب الابتكار”. وصُنّفت المهارات والمواهب كمصدر للقلق بالنسبة إلى 54 في المائة من المشاركين من القطاع الخاص، مقارنةً بـ60 في المائة من القطاع العام . فيما شكلت تخفيضات الميزانية مصدر قلق لـ61 في المائة من المشاركين من القطاع الخاص، مقارنةً بـ57 في المائة من القطاع العام . أمّا الاختلاف الأكبر بين القطاعين العام والخاص فتمثّل في الإبقاء على الثقة، حيث أشار 40 في المائة من المشاركين من القطاع العام إلى أنّ هذا الأمر يعتبر إشكالياً بالنسبة لهم، مقارنةً بـ9 في المائة من المشاركين من القطاع الخاص.
ويُختتم التقرير بالتأكيد على أن تعزيز الابتكار يُعدّ أمراً يتطلب تعاون من الجميع. واختتم أليكس ميتكالف بالقول: “تؤمن جمعية (ACCA) أنّ الابتكار ليس حكراً على رواد الأعمال و’الأفراد القادرين على كسر المألوف‘. ويتطلّب الأمر عملاً جماعياً للابتكار؛ أي وجود أشخاص يتمتّعون برؤى ومهارات متنوعة وقادرين على تخطي تحديات الابتكار الثوري. ويشمل ذلك المنظومة الأوسع للابتكار، وشبكة الاتصالات ، والمهارات، والمعلومات، والرؤى والأفكار، والحيز حيث يضطلع المهنيون الماليون في القطاع العام بدورٍ رئيسي في تمكين ودعم التغيير”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-xYZ