واعتمد أهل الإمارات على صيد اللؤلؤ اعتماداً كبيراً، إذ كانت هذه التجارة هي عصب الحياة بالنسبة لهم، كما عمل في هذه التجارة الآلاف من سكان الدولة في جميع إماراتها، ولكن مع ظهور النفط تضاءلت هذه التجارة في البداية، إلى أن انتهت كلياً بعد ذلك، حيث أصبح كل ما يتعلق بها من الذكريات التي عاشها الجيل السابق.
ودأب الخليجيون على إحياء تراث الآباء والأجداد بمهرجانات وفعاليات سنوية، ومن بين أهم هذه المهرجانات تلك المتخصصة بالغوص والبحارة وصيد اللؤلؤ، كما أن بيوت الخليجيين لا تخلو من إشارة إلى هذا التراث، إذ لابد أن تحتوي منازلهم على مجسمات صغيرة للسفن وأدوات الصيد، كنوع من الزينة، إضافة إلى كونه دلالة تعبر عن ماضي البلاد الذي يفخرون به.
ورغم الظروف الصعبة والمعانة الكبيرة التي كان يعيشها العمال في هذا القطاع الحيوي، فقد أمكنت الاستفادة من تلك الثروة الطبيعية المهمة، في تلك الحقبة، حيث تبدأ التحضيرات في أول يوم يخرج فيه أسطول السفن نحو «الهيرات» لصيد محار اللؤلؤ يسمى ب«الشلة» أو «الركبة»، حيث يكون فيه الاستعداد من قبل جميع البحارة للتوجه إلى الصعود على السفن، ويقف على الجانب الآخر وعلى الشواطئ أهالي البحارة لتوديعهم ثم تتحرك القافلة متجهة إلى الأماكن المقصودة. وفي اليوم الأخير للبحارة يعلن السردال أمير أسطول السفن ببدء رحلة العودة، ويسمى «القفال»، حيث كانت تطلق طلقة مدفع إعلاناً ببدء العودة إلى الديار، ويبدأ الأهالي وهم على علم بعودة الأسطول في إعداد أنفسهم لاستقبال أبطال البحر بالأحضان.
وللاستعداد للرحلة يجب توفير عدد من الأدوات التي يستخدمها البحارة، وهي «الديين»، وهو إناء مصنوع من خيوط متشابكة يعلقه الغواص في رقبته أثناء جمع المحار والأصداف ليضعه فيه، و«الحجر» وهو حجر يعلقه الغواص في إصبع إحدى رجليه لينزل سريعاً إلى البحر ويتصل بهذه الحجرة حبل متصل بالسفينة ليرفعه السيب، و«الفطام» مشبك يضعه الغواص على أنفه ليقيه دخول الماء من خلال أنفه، و«السكين» الذي يحمله معه الغواص لكي يحتمي به من المخاطر.
وفي ما يخص أنواع اللؤلؤ، فهناك مزايا ومواصفات، حيث يختلف اللؤلؤ فيها عن بعضه البعض، ويعرف اللؤلؤ الجيد من غيره بالشكل والحجم واللون والملمس وتأتي أسعاره مختلفة تبعاً لهذه المواصفات، وأفضل أنواعه من حيث جميع المواصفات هي: «الجيوان» وهي لؤلؤة معروفة باستدارتها الكاملة وكبر حجمها وجمال لونها، لونها أبيض مشبع بالحمرة. و«اليكة» وتأتي في المرتبة الثانية من حيث المواصفات، ماعدا الاستدارة فهذه اللؤلؤة أقل استدارة من الجيوان، و«القولوه» وتأتي في الدرجة الثالثة من حيث المواصفات، لكن لونها وردي غامق، يميل شكلها إلى الشكل الكمثري، و«البدلة»، وهي اللؤلؤة الرابعة من حيث درجة المواصفات ويميل لونها إلى اللون الأزرق قليلاً.
واشتهرت الإمارات باستخراج اللؤلؤ من «الهيرات»، وعرفت بداية في الشارقة، حيث كانت تحتوي على العديد من السفن، ثم بعد ذلك احتلت أبوظبي الصدارة في هذا الشأن، وكانت تحتوي على عدد كبير من سفن الصيد، بل كان يرتادها بعض البحارة من خارج الإمارات للاشتراك في رحلات صيد اللؤلؤ.
وكان اللؤلؤ يستخرج من مختلف المناطق في البحر، بالتعاون الكبير بين جميع إمارات الدولة، وبعد استخراجه يتم بيعه على «الطواويش» (جمع طواش)، الذين يقومون بدورهم إما ببيعه مباشرة في الإمارات للتجار الهنود والإنجليز، أو قد يسافر الطواش أو التاجر ببضاعته إلى الهند ليبيعها مباشرة هناك، بل إن بعض التجار لم يكتف بالذهاب إلى الهند وإنما سافر إلى باريس ولندن.