تأسيس المدن الذكية أمر بالغ التركيب ويحتاج لإتقان تام من الجهات المسئولة كافة عن قيام مثل تلك المشروعات، وهنا يوضح لنا المحاضر الأكاديمي الكبير في مجال إدارة الأعمال، جون ماكومبر، ويقترح خارطة طريق لبناء مدن ذات تقنيات متقدمة في ثلاث خطوات في حاجة ملحة للدراسة والتدقيق البالغين.
نهج المسئولين في الترويج عن المدينة الذكية
هذه النوعية من المبادرات التي تتبني مفهوم “التفكير خارج الصندوق” تتطلع دوماً إلى التعامل مع مسئولين حكوميين من أصحاب التفكير المتقدم، أو مستثمر خاص تتوفر فيه نفس الصفات، لذلك حينما تُقْدم حكومات البلاد على قرار تأسيس مدينة ذكية، فغالباً ما يُترك أمر الرؤية والتنفيذ في ملعب القطاع الخاص، وفي بعض الأحيان أيضاً تتبنى الدولة تكاليف ونفقات المشروع وفقاً للسياسات العامة المتبعة بالبلاد.
وهنا يبرز دور ملئ بالكثير من التفاصيل الإدارية ويقع عبئه على المعنيين بالبلدية أو المحافظة المقرر إنشاء إحدى المدن الذكية على أرضها، ومن أولوياتهم كمسئولين دراسة الخطط الترويجية للإعلان عن تفاصيل تلك المدينة ذات التقنيات التكنولوجية المرتقبة، كما عليهم أن يتخذوا نهجًا استباقيًا من الأعلى إلى الأسفل يعتمد على إبراز الانطلاقة التكنولوجيا المتبعة بغرض إحراز التقدم العمراني بمفاهيمه الجديدة والمتمثل في تأسيس مدينة ذكية تواكب الحراك المستقبلي الحالي في العالم كله.
مشاكل الحكوميين في تطويع الأمور لتأسيس المدن المتطورة تقنياً
وللعلم، فإن معظم المدن بما تشمله من هيئات حكومية لا تعمل كنظام مؤسسي واحد حيث أنهم كبلديات أو محافظات يميلون للعمل في صوامع مستقلة لذا فإن الأقسام أو الهيئات المعنية بمدينة ما لا تتعاون معاً على إيجاد الحلول، ناهيك عن العمل بالاقتران مع رعاة المشروع التجريبيين لتأسيس مدينة بتقنيات مختلفة، وبالتالي لا تتوفر ميزانية مالية للمراحل التجريبية، ويشير هذا القيد الواضح معالمه إلى أن المسئولين عن المدينة المرجو تنفيذ المشروع بها لا يمكنهم في كثير من الأحيان أخذ زمام المبادرة في عملية التدقيق الكامل بما تشمله من تصميمات هندسية، وملاحظة النماذج الجديدة في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال.
فيما يترتب عليه، مجالا واسعاً قد فُتحت أبوابه لأوساط مجتمعية لديها قابلية لخرق تطبيق المفاهيم والأفكار المرجوة لما تهواه أنفسهم، وهو الأمر الذي ينتج عنه مدن لا تصلح إلا للنخب والطبقات الراقية فحسب. أو فساد الأمر ككل وأن تشهد تلك المدن التي كان من المرتقب لها أن تكون منارة لتقنيات متطورة هبوطاً حاداً ينتهي إلى عدم فعاليتها على الإطلاق.
وهنا يرى المحاضر الأكاديمي ماكومبر أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص من شأنه أن يقود إلى تأسيس مدينة تشهد تقنيات تكنولوجية حديثة، ولكن يؤكد البروفيسور جون ماكومبر أن المدن الذكية تتطلب النظر وبدقة في ثلاثة أبعاد، وعلى رأسهم، التعرف على شخصية المدينة وتسليط الضوء على أبرز ما يميزها كبعد أول.
أما البعد الثاني فيتمثل في متطلبات رأس المال لمختلف المبادرات المرجو تنفيذها بمشروع المدينة الذكية.
والبعد الثالث هو عملية صنع القرارات المعنية بكل تفصيلة من تفاصيل المشروع المرجو تجسيده على أرض الواقع.
وهنا يقترح الأكاديمي في عالم ريادة الأعمال على صانعي القرار في تنفيذ تلك المبادرات الجريئة بضرورة إتباع تسلسل تحليلي يتمثل في رصد المقر المقترح البناء عليه، واقتراح الحلول ثم النظر للسلطة السيادية بالبلاد.
أولاً : رصد مقر البناء المرتقب
بدءاً ذا بدء، ينبغي إدراك أن المدن في طبيعتها وخصائصها غير متشابهة، وأنه من السذاجة أن يُتخذ قراراً بشأن تأسيس مدينة بتقنيات تكنولوجية متقدمة والاستثمار بها دون مراعاة ذلك الأمر مسبقاً، وذلك ما أشارت إليه شركة ماكنزي للاستشارات الإدارية العالمية في مقال عن “مستقبليات الحراك المجتمعي” المتمثل في الهيئات الحكومية أو المحافظين، والمستثمرين، والشركات المعنية التي يتطلب منها فحص ما لا يقل عن ثلاث مجموعات ذات صلة بحجم ثروات البلد، ومدى النمو المحقق اقتصادياً فضلاً عن حجم الكثافة السكانية بها.
على سبيل المثال:
– مدن تمتاز بكثافة نموها الاقتصادي مثل طوكيو وهي مدينة مكتظة بالسكان واقتصادها ناضج.
– مدن كثيفة في اقتصادها الناشئ أمثال مكسيكو سيتي والتي لديها جوهر حضاري كبير .
– مدن قليلة من حيث الكثافة السكانية وتتمتع بانتعاش اقتصادي مثل مدينة هوستن والتي تتميز بمساحاتها الضخمة نظراً لكونها أكبر مدن ولاية تكساس الأمريكية.
– مدن قليلة السكان وتمتلك اقتصادات ناشئة أمثال مدينة لاجوس بنيجيريا، ومدينة بنجالور الهندية، وجاكرتا الأندونيسية.
ومن هنا نستنتج أن الأسلوب الحياتي المتقدم للمدن ذات التقنيات العالية والذي من شأنه أن يؤثر في مواطني الدولة يختلف من بيئة لأخرى، فما هو مطبق من تقنيات باليابان وتسبب في تغيرات معيشية بين سكانها بسبب التطورات الناشئة في البنية التحتية من طرق ومياه ومباني، يختلف جذريا عن التغيرات الطارئة على النمط الحياتي في نيجيريا جراء ذلك التطور المشهود.
ثانياً: اقتراح الحلول
المشروعات التكنولوجية مختلفة تماماً عن غيرها من المشاريع ليس فقط في طموحها البرمجي، إنما أيضاً من حيث الرأس المال المطلوب لتنفيذها. لذا يجب طرح عدداً من التساؤلات من أجل الحصول على الحلول والإجابات المرجوة، أمثال “من سيتولى مهمة الدفع؟ وعلى ما ستنفق تلك الأموال؟، ومن المستفيد الحقيقي من وراء إنشاء هذه المشاريع؟.
حيث تظل تجربة “واي فاي في كل مكان” هي واحدة من أرخص الأدوات التقنية الحديثة والتي تعد أقل تكلفة من برامج إدارة مياه الأمطار والقدرة على مواجهة الفيضانات وغيرها. ويذكر أنه عند بدء انطلاق تلك الخاصية الحديثة كانت جعبتها قد اشتملت بالفعل على حلول وإجابات على تساؤلات بصيغة “كيف؟ ولماذا؟”. فلابد لأي مشروع متقدم أن يقترح الحلول ويجيب على سؤالين أساسيين وهما، “لماذا تعد هذه التقنية جيدة للمواطنين؟، و” كيف ستكون التكلفة المطروحة لاستخدام تلك التقنية؟”.
ثالثاً: السيادة وسلطة الدولة
الأمر الثالث والأخير والذي غالباً ما يتم إغفاله عند إدارة أمور المشروعات وصنع القرارات بشأنها هي مسألة السيادة والقانون، وضرورة ورود المعلومات كافة بخصوص المشروع إلي الجهات المسئولة بالدولة. ومن ضمن هذه المعلومات تلك التساؤلات المتعلقة بــ :”الموقع المراد تنفيذ المشروع على أرضه، ومن المسئول عن الفصل في ذلك الشأن؟، وما هي القرارات التي سيتم تطبيقها فعليا من جانب المبتكرين من القطاع الخاص، أو من قبل أصحاب الرؤية في المشاريع المدنية، أو التطبيقات، أو الإشادة العامة أو غيرها؟”.
وفي ملخص للقول، فمن أجل أن تحرز النجاح في الأماكن المرجو اتخاذها كأساس لبناء المشروعات التقنية الحديثة مع مراعاة دراسة الأمر بتأني وبدقة شديدة، ابدأ في البحث عن أشكال متعددة ومتنوعة من الحلول وقبل وضعك في الاعتبار مسألة السيادة والقانون، فمن المفيد كريادي في عالم الأعمال أن تعيد النظر في ما تبحث عنه الأطراف المالية في الاستثمار التقليدي بالبنية التحتية للموقع المستهدف. ومن أجل تحقيق مزيد من الفعالية والتأثير و إحراز التقدم و النمو في مجتمعاتنا، فمن الضرورة إتباع خارطة طريق قائمة على ذلك التسلسل التحليلي المتمثل في رصد الأفكار والمقرات المقترحة للبناء، واقتراح الحلول والاهتمام بحقوق سلطة البلاد والقانون. بالإضافة إلى تفعيل منفذ جذب رؤوس الأموال واستثمار المشاريع الذكية بالدولة.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-qb6