مجلة مال واعمال

بنوك دول منطقة اليورو تقف على حد السكين

-

التطورات في منطقة اليورو لا تزال تمثل الخطر الأكبر على الاستقرار المالي العالمي. والخطوات المهمة التي تم اتخاذها أخيرا على صعيد السياسات خففت العبء عن الأسواق المالية، وهو ما كانت في أمس الحاجة إليه، حيث خفت حدة انتشار المخاطر السيادية وتمت إعادة فتح أسواق التمويل المصرفي، فضلاً عن عودة أسعار الأسهم إلى وضعها الطبيعي. مع ذلك، لا يزال هناك احتمال لحدوث انتكاسات جديدة. فالطريق محفوف بالمخاطر والسياسات تحتاج إلى مزيد من التعزيز لضمان الاستقرار المالي وترسيخه”. هكذا كان تقييم تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، للتقدم تجاه ما سماه على نحو متفائل، بـ ”السعي من أجل استقرار دائم”. لكن هناك كثيرين ممن سيقبلون شيئاً أقل طموحاً: بضع سنوات من الاستقرار ستشكل فرحة غير متوقعة.

ووفقا لما نشرته جريدة الاقتصادية اليوم الاحد فقد قدمت تقارير صندوق النقد الدولي، ”نظرة اقتصادية عالمية”، الذي صدر الأسبوع الماضي، توصيات معقولة: ”من الضروري كسر حلقات التغذية الراجعة السلبية التي تربط بين النمو دون المستوى، وتدهور المركز المالي، وزيادة احتياجات إعادة التمويل، وتقليص المديونية. ويتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يطبق تسهيلا نقديا إضافيا لضمان تطور التضخم بما يتماشى مع ما هو مستهدف على المدى المتوسط والاحتراز من مخاطر الانكماش، ما يسهل أيضاً إجراء عمليات التكيف الضرورية الخاصة بالقدرة التنافسية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تعمل الهيئات المصرفية معاً على مراقبة مديونية بنوكها في الداخل والخارج والحد منها”.

دعونا نلخص ذلك. أولاً، لا يزال من السهل تحديد المخاطر، وليست أقلها حالة البنوك، خاصة في ظل علاقتها الوثيقة بالديون السيادية الهشة. ثانياً، النمو بطيء للغاية والسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي صارمة للغاية. وأخيراً، لا بد أن يرتفع معدل التضخم في الدول التي تتمتع بقدرات تنافسية أكبر من أجل تسهيل عملية التكيف بين الدول الأعضاء. فإذا طُلب من صندوق النقد الدولي تقديم المساعدة للدول الأعضاء خارج الموارد الإضافية التي اكتسبها، يجب أن تتوافق شروطه الخاصة بمنطقة اليورو مع هذه الحجج. ولا يكفي استعراض القوة على الدول الضعيفة، فنظام السياسة نفسه يحتاج إلى تغيير.

أمور مشجعة

وربما تكون أهم نقطة برزت حتى الآن هي أن الأزمة تخضع لمخاطر سياسية متزايدة، وهو ما يوضحه سقوط الحكومة الهولندية وفوز فرانسوا هولاند في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية. فصوت الشارع يطغى على صوت المؤسسة. والخوف أن يتسبب ذلك فقط في تحقق تنبؤ بأزمة أخرى تحقق ذاتها بذاتها، يمكن أن تنجرّ إليها حتى فرنسا، وبذلك يمكن أن تكون اللعبة قد انتهت.

ومن الأمور المشجعة أن منطقة اليورو اتخذت موقفاً عندما واجهت خطر الانهيار المالي في أواخر عام 2011. وخفضت عملية إعادة التمويل الأطول أجلاً التي قام بها البنك المركزي الأوروبي من ضغوط التمويل واحتوت مخاطر فشل البنوك. كما تقوم الحكومات الجديدة في الدول الواقعة تحت ضغوط بتطبيق إصلاحات جوهرية. فقد حققت كل من إيرلندا والبرتغال تقدماً في برامج التكيف الخاصة بهما، كما أجرت اليونان مفاوضات بشأن إعادة هيكلة ديونها.

كذلك تحقق تقدم على طريق مراقبة الاختلالات الداخلية بشتى أنواعها، بحيث لا يقتصر الأمر على الاختلالات المالية وحدها. وتم تعزيز ”جدار حماية” منطقة اليورو من العدوى.

وباختصار، يؤكد تقرير الاستقرار المالي العالمي تقلص المخاطر الاقتصادية السلبية فعلياً، لكنه للأسف يشير إلى بقاء مخاطر الاستقرار المالي. وزيادة تقليص البنوك لمديونياتها تشكل أحد الجوانب المهمة لهذه المخاطر. فعلى الرغم من أنه أمر ضروري، نظراً لميزانيات البنوك المتضخمة، إلا أنه يبقي خطيراً من الناحية الاقتصادية.

وبالنسبة لما سماه التقرير ”سيناريو السياسات الحالية” فقد يلجأ 58 من البنوك الكبرى في الاتحاد الأوروبي إلى تقليص ميزانياتها بواقع تريليوني يورو بنهاية عام 2013، أي بنسبة 7 في المائة تقريباً من إجمالي الأصول. وسيؤثر ذلك على عرض الائتمان المصرفي في منطقة اليورو بنسبة 7 في المائة فقط من الاعتمادات الجارية، لكن الانخفاض سيتركز فيما سماه التقرير الدول ”ذات الفوارق العالية” (في أسعار الفائدة) ليزيد بذلك من صعوبة إمكانية عودتها إلى النمو الذي يقوده القطاع الخاص.

سياسات متكاملة

ومن المرجح أن يكون الضحايا الآخرون، الاقتصادات الناشئة في وسط أوروبا وشرقيها. وحتى في ظل وجود ما سماه التقرير ”سيناريو السياسات المتكاملة” والذي يشمل تعزيز إدارة الأزمة وإعادة هيكلة البنوك بطريقة ديناميكية و”خريطة طريق لإقامة اتحاد نقدي أكثر تكاملاً من الناحية المالية”، قد يبلغ انخفاض أصول البنوك 2.2 تريليون دولار.

ومن أجل احتواء مخاطر عمليات تقليص المديونية غير المنظمة، سيتعين ضخ رؤوس أموال في البنوك بما في ذلك ضخها عن طريق صناديق الدعم الجديدة. ولكن هذا حتى لن يقطع الصلة الضارة بين البنوك والديون السيادية الهشة. وتشكل المطالبات على الحكومة الإيطالية نسبة 12.4 في المائة من الأصول الموحدة لمؤسسات الإيداع الإيطالية، وهو مبلغ يعادل 32 في المائة من توقعات إجمالي الناتج المحلي. أما في إسبانيا، فتمثل المطالبات نسبة 7.7 في المائة من الأصول و26.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويبقى دمج الديون السيادية الضعيفة في البنوك المعرضة للإفلاس يشكل خطورة كبيرة. وبالفعل عزز التمويل السخي للبنك المركزي الأوروبي هذه الصلة، فهذا الدواء له آثار جانبية خطيرة ولكن كان لا بد من استخدامه نظراً لرغبة العديد من الأجانب في الحد من مخاطر تعرضهم للإفلاس، فنصف الدين العام الإيطالي عبارة عن دين خارجي. وإذا تم التخلص من هذا الدين، فسينتهي المطاف بهذه الأموال في أيدي الإيطاليين.

وكشفت الأزمة المالية نقاط الضعف في أي اتحاد نقدي بخلاف الدول ذات السيادة، خاصة صعوبة التكيف والافتقار لبنك مركزي مناسب، كما كشفت نقاط الضعف في التكوين الفعلي لمنطقة اليورو. وأخيراً وليس آخراً، كشفت هذه الأزمة نقاط ضعف السياسات والمؤسسات الخاصة بالدول الأعضاء خاصة من حيث التنظيم المالي والبنوك وإدارة الشؤون المالية العامة وأسواق العمل. وللأسف، أدى حجم الأزمة إلى ضرورة علاج ما يمكن علاجه نظراً للضغوط الكبيرة. وفي كل مرحلة، فعلت منطقة اليورو أكثر مما كنا نتوقع إلا أن ذلك لم يكن كافياً.

ومع ذلك، فالأولويات العاجلة واضحة: إعطاء الدول التي تواجه صعوبات الوقت والفرصة لتكييف اقتصادها، فضلاً عن تحقيق الاستقرار مرة أخرى. ومن خلال قراءتي لتحليلات صندوق النقد الدولي أرى أن هذه الدول تحقق تقدماً مؤلماً، ولكن ينبغي بذل جهود أكثر من ذلك بكثير. وقبل كل شيء، يجب استئناف النمو إذا كانت هناك رغبة في إدارة عبء الدين العام والخاص والصلة الوثيقة بين هذه الديون والبنوك، فلا يزال التحدي كبيراً. حاول بجدية أكبر من أجل مصلحة الجميع.