في خطوة تستهدف كبح معدلات التضخم المرتفعة أصدرت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي مساء الأحد الموافق 21 مايو 2017، قرارًا برفع الفائدة نقطتين مئويتين، ليزيد معدل الإيداع والإقراض إلى % 16.75و17.75% على التوالي، لأول مرة منذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر الماضي.
ويُمثل سعر عائد الإيداع الحد الأدنى لسعر الفائدة في تعاملات البنك المركزي مع البنوك، بينما يُمثل سعر عائد الإقراض الحد الأقصى له، ويتحكم المركزي في سعر الفائدة كأحد أدوات السياسة النقدية للحد من التضخم، حيث يعد الهدف من رفع الفائدة هو امتصاص السيولة من السوق وبالتالي الحد من الطلب وآثاره التضخمية.
وأكدت لجنة السياسات النقدية في بيانها أن هدف تلك السياسة هو تقييد الأوضاع النقدية لاحتواء التضخم الضمني بعد استبعاد صدمات العرض، والذي يتأثر بتوقعات التضخم والضغوط الناجمة من جانب الطلب، وليس لتحييد آثار الصدمات الناجمة من جانب العرض.
و جاء هذا القرار بعد تصريحات لـ “جهاد عازور”، مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحفي في أبريل الماضي،قال فيها إن «مستوى التضخم تخطى الـ 30% خلال الأشهر الماضية، وذلك سيؤثر بشكل سلبي ليس فقط على الاستقرار المالي بصفة عامة، بل أيضًا على الاحتياجات الاجتماعية، وأصحاب الدخول الأقل، والقطاع الأفقر من السكان». مضيفًا: «في تلك الحالة، يكون استخدام اﻷدوات النقدية، وتحديدًا سعر الفائدة، هو اﻷفضل».
تلك التصريحات التي تزامنت مع بيان أصدرته مدير عام صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، خلال شهر أبريل الماضي، قالت فيه:” مصر تنفذ برنامج قوي للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى مساعدة الاقتصاد على العودة إلى مستوى يتناسب مع إمكاناته الكامنة وتحقيق معدلات نمو أعلى و خلق المزيد من فرص العمل، ونحن ندرك التضحيات والمصاعب التي يتعرض لها الكثير من المواطنين المصريين، خاصة بسبب التضخم المرتفع، ويعمل الصندوق على مساعدة الحكومة والبنك المركزي للسيطرة على التضخم، كما يدعم الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل».
قبل أن تقول، خلال حديثها عن مصر في مؤتمر صحفي عقدته في 20 أبريل، إنه «من الواضح وجود سؤال يحتاج المواجهة بشكل رئيسي و هو التضخم، الإصلاحات الأخرى يجب أن تستمر، إلا أنه يجب أن يكون هناك تركيز على التضخم، اعتقد أن البنك المركزي ووزير المالية المصري كلاهما مدركين وينون، كما أتمنى، التعامل مع مخاطر التضخم التي يتحمل السكان أثرها».
وأعقب تصريحات جهاد عازور وكريستين لاجارد؛ زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، في 11 مايو الجاري، لمراجعة التزام مصر بالبرنامج الاقتصادي المتفق عليه، وقررت البعثة الموافقة على الشريحة الثانية من قرض الصندوق لمصر، والمقدرة بـ 1.25 مليار دولار، إلا أن القرار النهائي ينتظر موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.وبالتالي فإن البنك المركزي رفع سعر الفائدة مستجيبًا لصندوق النقد الدولي.
هل تنجح تلك السياسة في كبح جموح التضخم؟!
يذّكر تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الصندوق فّض من توقعاته للنمو الاقتصادي لمصر في 2017 من 4% إلى 3%، بحسب تقرير آفاق النمو العالمي الصادر عنه في أبريل المنقضي. وأرجع تقرير «المبادرة المصرية» ذلك التراجع المتوقع إلى فشل الدولة في تطبيق بعض تطلعات البرنامج، مثل الفشل في سياسة التضييق النقدي، برفع سعر الفائدة ورفع سعر الخصم.
و شهدت مصر معدلات قياسية للتضخم، الذي تخطي الـ 30% في فبراير الماضي، كما شهدت تباطؤًا في النشاط الصناعي، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن انخفاض قيمة العملة المحلية، و تراجع الاستهلاك نتيجة التضخم، كما تتوقع الشركات تراجع استثماراتها لنفس الأسباب.
وطبقًا للإحصاءات الرسمية، فإن معدّل النمو ظل دون الـ 4% في الأرباع الثلاثة الأولى في السنة المالية الحالية (2016/2017)، حيث كان في الربع الأول 3.4%، مقارنة بـ 5.1% في الفترة نفسها من العام المالي السابق، ثم زاد إلى 3.8%، مقارنة بـ 4% في نفس الربع من العام المالي (2015- 2016)، ثم زاد زيادة طفيفة ليصل لـ 3.9% في الربع الثالث، مقارنة بـ 3.6% خلال الفترة المناظرةِ من العام المالي السابق.
وكانت توقعات الصندوق أن يظل التضخم دون نسبة الـ 18% نتيجة الإجراءات التي تؤدي تقليديًا إلى تفاقم نسب التضخم السنوي على المدى القصير، لكنها وصلت إلى 29.6% في يناير الماضي و31.7% في فبراير، وتباطأت وتيرة الزيادة في مارس لكن ظل التضخم مرتفعًا عند نسبة 32.5%.
وعزا وزير المالية التضخم لزيادة أسعار السلع نتيجة تحرير سعر الصرف وإلى زيادات الأجور والمعاشات دون أن يقابلها زيادة في عرض السلع والخدمات، وتوقع أن ينحسر التضخم في آخر العام الحالي.
في المقابل، أرجع تقرير المبادرة المصرية التضخم إلى تحرير سعر الجنيه في الأساس، قائلًا إن السياسات النقدية التي تستهدف السيطرة على تراجع سعر العملة من خلال زيادة قيمة الفائدة المصرفية غير مجدي، لأن القطاع المصرفي يستوعب نقود 10% فقط من السكان.
عادة ما يتم رفع سعر الفائدة كي يتم تقليص التضخم المدفوع من الطلب و ليس التضخم المدفوع من العرض، إضافةً إلى أن القدرة على استخدام سعر الفائدة في التحكم في التضخم المدفوع من العرض على المدى القصير، هي قدرة محدودة. على سبيل المثال، رفع البنك المركزي بالفعل سعر الفائدة بنسبة 3% ومع ذلك تخطى التضخم نسبة الـ 30%.
ويعد التضخم المدفوع من الطلب هو أن يكون لدى الناس سيولة مالية، ويسعون وراء عدد قليل من المنتجات، وبالتالي إذا أقبل ألف شخص على سلعة واحدة، طبيعي أن يتسبب ذلك في زيادة التضخم. في تلك الحالة يتم رفع سعر الفائدة حتى يتم تشجيع الناس على الادخار وتقليل الشراء.
إلا أن ما يواجهه الاقتصاد المصري هو التضخم المدفوع من العرض أي أن المنتج يواجه ارتفاعا في تكلفة الإنتاج فيمرر تلك التكلفة للمستهلك سواء تقبل المستهلك تلك التكلفة أو لم يتقبلها. وبالتالي، إذا تم رفع سعر الفائدة في ظل عدم إقبال الناس على السلع ستستمر الأسعار في الزيادة لأنها مدفوعة أصلًا بزيادة أسعار المعروض وليس أن الطلب أعلى من العرض، وبالتالي فإن شعبًا أكثر من 30% منه تحت خط الفقر، وأكثر من 80% منه يكفي دخلهم استهلاكه بالكاد، لن يفاضل بين أن يأكل وجبة الغذاء أو أن يضع أموال الغذاء وديعة في البنك.
وبالتالي فإن أسعار الفائدة المرتفعة هي عبء على المديونين، وبالتالي هي عبء على الحكومة المصرية. وفي هذا الإطار يقول تقرير المبادرة إن زيادة أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم سيؤدي إلى «زيادة في بند الفوائد على الدين العام المحلي، وهو البند الذي صار الأكبر نصيبًا من الإنفاق الحكومي، أو حوالي 34%، ما يحرم المواطنين من أموال عامة كان من المفترض أن تصب في خانة تحسين الخدمات الاجتماعية»، ولكن هذه الفوائد لا تدخل في حساب عجز الموازنة، حيث يذكر تقرير المبادرة أن الصندوق قرر قياس النجاح في تخفيض العجز عن طريق رصد كل البنود الأخرى عدا الفوائد.
وبالتالي نجد أن بند الدعم يستمر في التقلص في مقابل التزايد في بند الدائنين، وبذلك فإن «رفع أسعار الفائدة هو جوهر عملية تمييز وظلم اجتماعي مخفية داخل السياسة النقدية في مصر».
وختاما، فإن رفع السعر الفائدة يمثل انتهاج سياسية نقدية انكماشية، بإيعاز من صندوق النقد الدولي لاستكمال متطلبات الحصول على الشريحة الثانية من قرض الـ12 مليون دولار، قد تدفع لزيادة مدخرات الأفراد لدى البنوك، الإ أنها ستقيد من معدل النمو الاقتصادي الذي تستهدفه الحكومة عند مستوى 5%، لتقييد عمليات الإقراض ومن ثم تراجع الاستثمارات، في تناقض واضح مع ما يستهدفه قانون الاستثمار الجديد، بل وسيزيد من خدمة الدين العام المتزايد بالفعل، ناهيك عن كون سعر الفائدة المرتفع يضغط على أسعار السلع للارتفاع وهذا سيخصم من رضاء المستهليكن، المتراجع بالفعل.