لا أعتقد أنه سيُضبط، لذلك أقول اليوم إنه سيفوز، فقد أنهيت آخر مقال لي عن حملة الانتخابات الأميركية في السادس من هذا الشهر بالقول: الأميركيون والناس في كل بلد يصوتون بجيوبهم.
ثمة مؤشرات واضحة على أن الاقتصاد الاميركي بدأ يخرج من الأزمة الخانقة التي ورثها أوباما عن جورج بوش الابن، فدخوله البيت الأبيض في مطلع 2009 تزامن مع خسارة الاقتصاد الاميركي 598 ألف وظيفة في الشهر الأول من تلك السنة، و651 ألف وظيفة في الشهر الثاني.
نحن في 2012، والشهر الأول من هذه السنة شهِدَ زيادة الاقتصاد الاميركي 242 ألف وظيفة، والشهر الثاني 227 ألف وظيفة، وأرقام مكتب الإحصاءات في وزارة العمل تُظهر أن زيادة الوظائف في الأشهر الخمسة الأخيرة سجّلت معدلاً هو 155 ألف وظيفة جديدة كل شهر.
البطالة كانت تقترب من عشرة في المئة في آخر سنة لبوش في الحكم، وهي الآن 8.3 في المئة، وقد ارتفعت أسعار الأسهم، وكذلك ثقة المستهلكين، وزاد الإنتاج الصناعي.
الناس ينتخبون بجيوبهم، غير أن الصورة السابقة لا تكتمل إلا بالإشارة الى منافسي باراك اوباما، فلو ان الرئيس اختار بنفسه منافسين يسهُلُ عليه أن يهزمهم، لما وجد أفضل من ميت رومني وريك سانتوروم ونيوت غينغريتش.
رومني لا يفتح فمه حتى يُخطئ في قضايا وأرقام، وهو من طائفة المورمون، وقد كاد يخسر الولاية التي وُلِدَ فيها (ميشيغان) لمنافسه سانتوروم، وعندما ألقى خطاب «الفوز» كان الإستاد الكبير حيث تكلم شبه خالٍ.
أما سانتوروم، فهو على يمين حزب يميني، وقد تذكر فجأة أنه كاثوليكي (وهذا في بلاد غالبية سكانها من البروتستانت)، وأخذ يلتزم مواقف ضد حبوب منع الحمل والإجهاض.
ثم هناك غينغريتش، وهو فضيحة مالية وأخلاقية على قدمين، ولو اختاره الجمهوريون مرشحاً للرئاسة لاستطاع ابني الذي يحمل الجنسية الاميركية، بُحكم ولادته في واشنطن، أن يهزمه.
ولا أنسى رون بول، فهو أفضل المتنافسين الجمهوريين على الرئاسة، إلا أن تأييده محدود، ويقتصر على أوساط الشباب.
أركان الحزب الجمهوري يعرفون مصيبة الحزب بالمتنافسين منه على الرئاسة، لذلك بدأت أسمع كلاماً عن عملية إنقاذ، كأن يبرز اسم «فارس على حصان أبيض» يختاره مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيعقد في تامبا، بولاية فلوريدا، في 27/8/2012. وبين الأسماء المطروحة حاكم فلوريدا جيب بوش، شقيق جورج، وحاكم إنديانا ميتش دانيالز، وهو من أصل سوري.
المتنافسون الجمهوريون يدركون صعوبة وضعهم مع تحسن الاقتصاد، الذي كان، وبوقاحة متناهية، سلاحَهم ضد الرئيس منذ البداية، رغم أن اوباما ورِثَ الأزمة المالية عن الجمهوريين. هم الآن بدأوا يتحولون الى قضايا أخرى، ويحذِّرون من ان اوباما سيُنفق بلا حساب ويُضاعف الدَّين القومي إذا انتُخب، وسيزيد الضرائب، وسيصل سعر غالون البنزين الى خمسة دولارات، وربما تجاوزها. والواقع أن آخر استطلاع للرأي العام أظهر تراجع شعبية اوباما بسبب سعر البنزين تحديداً، إلا أنه يظل أكثر شعبية من أي مرشح جمهوري للرئاسة.
أقول أنا إن باراك أوباما سيبتعد في ولايته الثانية عن إسرائيل، خصوصاً حكومة بنيامين نتانياهو الفاشستية، وربما يبدأ تنفيذ ما وعد الفلسطينيين والعرب والمسلمين به ثم تراجع تحت ضغط لوبي اسرائيل وعصابتها في الكونغرس والمال اليهودي. وقد رأينا ثلثي أعضاء الكونغرس يشاركون في المؤتمر السنوي للوبي (آيباك)، أو وكر الجواسيس.
إذا كان لنا أن نحكم على ما سيفعل اوباما من وحي خطاباته، بما فيه خطابه الأخير عن حال الاتحاد، فالإشارات كانت عن إصلاح نظام الهجرة، وتفعيل نظام الرعاية الصحية، وإحياء الصناعة، وفرض ضرائب على الأثرياء، وتسهيل الالتحاق بالدراسة الجامعية لمن يرغب. وهو مع هذا وذاك، بدأ حملة لكسب النساء اللواتي تعترض غالبية منهن على المحافظة الشديدة التي يبديها خصومه الجمهوريون.
هذا إذا لم يُضبَط اوباما بين الآن و6/11/2012 مع متدربة صغيرة في زاوية مظلمة من البيت الأبيض.
*نقلاً عن “الحياة” اللندنية