يُشكلُ القضاء التجاري في المملكة أحد أهم الركائز الأساسية لحماية الحقوق والأموال والأصول المتداولة تجارياً كما يشكل خطاً رئيساً في تعزيز ودعم بيئة الاستثمار والتنمية والاقتصاد الوطني والتشجيع له، وفي ظل ما يحظى به مرفق القضاء عموماً بشقيه العام والإداري كان للقضاء التجاري الاهتمام البالغ من ولاة الأمر رعايةً لأعماله ومرافقه وإجراءاته، وذلك من خلال تخصيص محاكم تجارية بدوائرها المشكلة في عدد من مدن المملكة؛ مما سيُسهم في تسريع مستوى إنجاز القضايا التجارية وتقليص أمد التقاضي وتحسين وتطوير أداء الخدمات العدلية المتخصصة.
ونظراً للتطور الاقتصادي العالمي الذي أوجد معاملات تجارية متطورة لم تكن معروفة من قبل، فإن الحاجة دعت إلى وجود قضاء تجاري متخصص يلم القاضي فيه بالمستجدات والمعاملات المعاصرة، إضافة إلى إلمامه بالقواعد الشرعية والقانونية.
هذه النقلة النوعية للقضاء التجاري المتخصص ستشمل أيضاً جودة الأحكام القضائية ومدى قدرتها على تحقيق الغاية من القضاء في أحسن مستوى، وكذلك سرعة الفصل في النزاعات التجارية، بالإضافة إلى وضوح الأحكام والاجتهادات القضائية واستقرارها، مما يمكن المستثمر من خلال محاميه ومستشاره القانوني معرفة القواعد والاجتهادات التي يسير عليها القضاء حتى يمكنه مراعاتها في تعاقداته، وحتى يعرف بوضوح ما له من حقوق وما عليه من التزامات، إلى جانب مواكبة الاجتهادات القضائية للأعراف التجارية وأعراف العقود المتخصصة ومبادئها المتفق عليها عالمياً.
«الرياض» تسلط الضوء عبر هذا التحقيق على القضاء التجاري وأهميته ودوره في دعم الاقتصاد الوطني وحفظ حقوق المستثمرين، وكذلك تناقش النقلة النوعية التي يشهدها من خلال تخصيص مقار ودوائر تجارية متخصصة، وتكشف عن ما تم إنجازه من الأعمال والقرارات والمهام والآليات؛ تنفيذاً لوثيقة سلخ الدوائر التجارية ودوائر الاستئناف التجاري، بالإضافة إلى إحصائيات الدعاوى التجارية قيداً وحكماً.
ثروة قضائية
في البداية تولى “ديوانُ المظالم” ومنذ زمن مهمة الفصل في القضايا التجارية إليه وذلك من مُستَهَل عام (1408هـ) بصدور المرسوم الملكي رقم (63) وتاريخ 26/11/1407هـ وقرار مجلس الوزراء رقم (241) وتاريخ 26/10/1407هـ، والمتضمن نقل اختصاصات هيئات حسم المنازعات التجارية إلى ديوان المظالم اعتباراً من بداية السنة المالية (1408هـ)، وما زال حتى تاريخه يقوم بهذه المهمة مكوّناً بطبيعة الحال ثروة قضائية من الأحكام، تولى إصدارها قضاة الدوائر التجارية، كانت محل الاهتمام من المختصين والمستفيدين؛ وذلك إلى حين إتمام عملية سلخ الدوائر التجارية ودوائر الاستئناف التجاري التابعة لديوان المظالم إلى القضاء العام، والمقررة بتاريخ 1/1/1439هـ. وفي ظل اهتمام القيادة الرشيدة لمرفق القضاء ودعماً لآلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم وتحقيقاً للأهداف والرؤى القضائية الحالية؛ فقد صدر مؤخراً الأمر الملكي الكريم رقم (10827) وتاريخ 3/3/1438هـ؛ بالموافقة على سلخ القضاء التجاري من ديوان المظالم إلى القضاء العام بتاريخ 1/1/1439هـ؛ وذلك من أجل إتمام وتيسير اكتمال منظومة العمل القضائي.