مجلة مال واعمال

التنويع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: حتمية تنموية

-

طبقاً لآخر المستجدات الصادرة عن صندوق النقد الدولي IMF لتوقعاته للاقتصاد العالمي، ووفقا لشركة أبردين ستاندرد إنفستمنت العالمية ASI؛ بدا واضحا أنه لا خيار أمام دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوى تسريع خططها للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط.

وكان تقرير صندوق النقد الدولي قد صدر في منتصف شهر أكتوبر الجاري مخيبا للآمال، إذ انخفضت التوقعات فيه بالتعافي السريع في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من الآثار البالغة للجائحة. وتوقع التقرير حدوث انكماش بما نسبته 4.1٪ للمنطقة ككل هذا العام، أي بما يعادل – 1.3 نقطة مئوية أسوأ من التقييم الصادر قبل ستة أشهر[1].

وطبقا لذلك؛ يبدو أنه من غير المرجح أن يتحسن الوضع في الوقت القريب، ويبني صندوق النقد الدولي هذا الافتراض على تصور مفاده أن متوسط سعر النفط سيكون أقل بقليل من 42 دولارًا لبرميل البترول في الفترة المتبقية من عام 2020، وأقل من 47 دولارًا للبرميل في عام 2021. كما يتوقع تقرير الصندوق أن تشهد المنطقة انخفاضًا في الإيرادات تصل قيمته إلى 224 مليار دولار هذا العام، وأن تنخفض اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الست بمقدار 6٪ في 2020.

وحدد صندوق النقد الدولي خطة عمل لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى للتنفيذ على نطاق أوسع تعتمد على ثلاث خطوات تمثل أولويات فورية هي: احتواء الأزمة الصحية، تخفيف وطأة خسائر الدخل، وزيادة الإنفاق الاجتماعي. وأكدت الخطة أنه يجب على الحكومات أيضًا أن تبدأ في إرساء الأساس للتعافي وإعادة البناء، من خلال معالجة الأسباب العميقة للأزمة.

وتعليقًا على تقرير صندوق النقد الدولي، قال إدريس الرفيع، رئيس منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في أبردين ستاندرد إنفستمنت العالمية: “كان من الطبيعي أن تقود الضربة المزدوجة التي تلقتها اقتصادات المنطقة ممثلة في الانخفاض الحاد في أسعار النفط وجائحة كوفيد-19 إلى خسائر ملموسة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام، فالمنطقة تضم دولا تعد من أكبر مصدري النفط الخام في العالم، وبالتالي تعتمد اقتصاداتها الوطنية على النفط بشكل كبير. لذا يعتبر التنويع الاقتصادي هو الطريقة المثلى والأكثر واقعية التي يمكن لاقتصاديات المنطقة من خلالها الخروج من هذه الأزمة، ومن الضروري أن تخطط البلدان للمستقبل وأن تستفيد من الاتجاهات المستقبلية التي ستقود الاستثمار وسلوك المستهلك، فعلى سبيل المثال ثمة حاجة كبرى إلى تبني الرقمنة، وغيرها من المحركات الجديدة والناشئة للنمو الاقتصادي لتحويل الاعتماد من النفط إلى القطاعات غير النفطية”.

وأضاف الرفيع: “صحيح أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تتبني رؤى وطنية شاملة تركز على خلق اقتصادات أكثر تنوعًا واستدامة، لكن الجائحة جاءت لتؤكد أهمية هذا التنويع والحاجة إلى تسريع وتيرته على جميع المستويات”.

وتجدر الإشارة إلى أن الجائحة قد أثرت أيضا بشكل كبير على بعض مزودي الخدمات غير النفطية الأكثر نجاحًا وموثوقية في المنطقة، في قطاعات مثل السياحة والنقل وتجارة التجزئة والعقارات، لكن تظل قضية التنويع الاقتصادي حتمية تنموية للمنطقة.

كما أشار صندوق النقد الدولي أيضًا إلى أبعاد أخرى للأزمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الميزانيات العمومية المتوترة للشركات، والتحديات التي يفرضها أداء العمل من المنزل، والاعتماد على التحويلات، واعتبر الصندوق كل هذه العوامل مؤثرات رئيسية على آفاق التعافي والانتعاش.

واقترح صندوق النقد الدولي على صانعي السياسات أن يوازنوا بعناية بين الحفاظ على سبل العيش والوظائف، وتقليل آثار الانكماش، وعمليات تعزيز التعافي، وعدم إعاقة إعادة العمليات الضرورية لتخصيص الموارد ” reallocation”، وذلك لتجنب انخفاض معدلات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأعوام القادمة عما كان عليه الوضع قبل الجائحة. وعلى المدى المتوسط​​، سيكون من الضروري- أيضا – إعادة بناء هوامش الضمان المالي المؤقتة ” buffers ” للحماية من الصدمات المستقبلية.

ويؤكد صندوق النقد الدولي على الدور الحيوي للسلطات لتحقيق التوازن -بحذر- بين توفير الائتمان المستمر والحفاظ على الاستقرار المالي.

ومع انحسار الجائحة؛ يرى الصندوق أن الجهود يجب أن تركز على “التخلص من التسهيلات التنظيمية المقدمة لصالح تعزيز عمليات الإشراف على الأداء والاستمرار في تحسين الشمول المالي لتعزيز النمو الشامل”، على أن تشمل هذه الإجراءات الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs).

ويتطلع صندوق النقد الدولي إلى الحكومات للتخفيف من المخاطر المالية من خلال تطوير أطر مالية متوسطة الأجل، كاستجابةً منها لمواطن الضعف المالية المتزايدة. ويطمح كذلك الصندوق لاعتماد قواعد مالية لتعزيز إدارة الديون. في الوقت نفسه؛ يريد صندوق النقد الدولي مزيدًا من الحيز المالي عبر عدد من الطرق، مثل تعزيز الامتثال الضريبي، وزيادة تقدم الأنظمة الضريبية ورفع كفاءة الإنفاق، الذي يتحقق بدوره بتعزيز الحوكمة والإلغاء التدريجي لدعم الوقود.

وأخيرا يؤكد صندوق النقد الدولي أنه يتعين على صانعي السياسات، في ذات الوقت، السعي إلى دعم التعافي الشامل من خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وإعطاء الأولوية للإنفاق على الصحة والتعليم وإعادة التدريب على الوظائف.