وأقر عمرو الجارحي وزير المالية أمام اجتماع مجلس الأعمال المصري الكندي الأسبوع الماضي أن الأوضاع المالية بمؤشراتها الحالية لن تمكن الاقتصاد من الاستمرار.
وتجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي مستوى 98 بالمئة، ووصلت نسبة فوائد الديون إلى 33 مليار دولار خلال العام المالي الماضي ما يعادل 30 بالمئة من حجم الموازنة العامة للدولة.
وأدى التباطؤ الاقتصادي وتراجع حجم الإنتاج إلى دخول الاقتصاد في عدة مراحل من الركود، في ظل زيادة فاتورة الواردات وتراجع الصادرات، ما أدى إلى نقص غير مسبوق في دخل مصر من العملة الصعبة.
وتواكب مع ذلك توقف كبير في الحركة السياحية لمصر عقب حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء نهاية شهر أكتوبر الماضي.
وأدى تفاقم هذه الأمور مجتمعة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة عند 14.8 بالمئة، وزيادة العجز في الميزان التجاري مع العالم الخارجي إلى 46.27 مليار دولار سنويا.
وتسيطر على القاهرة حالة من الخوف من فشل عمليات الطرح في ظل الأوضاع الحالية ما يضع الحكومة في مأزق شديد لعدم توافر عملة حرة من الدولار لمواجهة أعبائها.
ولم تجد مصر سبيلا للنجاة من تلك الإشكالية إلا بطلب أكبر قرض في تاريخ المنطقة من صندوق النقد، للحصول على شهادة ثقة تمكنها من إقناع الأسواق بشراء إصداراتها من السندات.
وقالت هالة السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن مصر تسعى للحصول على شهادة ثقة من الصندوق أمام المؤسسات الدولية لتعزيز ملاءتها المالية، ومواجهة العجز غير المسبوق في الموازنة والمعدلات الخطيرة للدين العام.
عمرو علوبة: حالة الفرح التي تعم البلاد بسبب مفاوضات قرض صندوق النقد غير مفهومة
وأعلنت داليا خورشيد وزير الاستثمار الأسبوع الماضي عن خطة لجذب استثمارات بنحو عشرة مليارات دولار خلال 3 سنوات عن طريق طرح أصول شركات قطاع الأعمال العام وحصص من بعض البنوك في سوق رأس المال.
وقال عمرو علوبة رئيس جماعة المهندسين الاستشاريين إن حالة الفرح التي تعم البلاد حالياً بالدخول رسمياً في مفاوضات الحصول على قرض صندوق النقد غير مفهومة.
وأوضح لـ”العرب” أن الحل الوحيد لمواجهة مشكلات مصر الحقيقية زيادة معدلات الإنتاج والتصدير وعودة السياحة.
وأضاف أن مشكلة مصر بالأساس تتمثل في حالة الركود والعزوف عن العمل التي تسيطر على الجميع، أما الاقتراض فليس حلا قاطعا، بل هو حل مؤقت لوضع متأزم.
وقال سمير رضوان وزير المالية الأسبق لـ”العرب” إن القرض الذي تطلبه مصر حالياً لن يحل مشكلة البلاد لأن مصر بحاجة لإصلاح الاقتصاد.
وتتناقض حالة التفاؤل التي تشهدها القاهرة خلال الأيام الحالية بسبب بدء مفاوضات الاقتراض رسميا من صندوق النقد الدولي مع توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بالحد من الاقتراض من الخارج.
وكان السيسي قد أصدر توجيهات لوزيرة التعاون الدولي بعدم التوسع في الاقتراض من الخارج، إلا للمشروعات التي تستطيع الوفاء بأقساط ديونها، حتى لا يتم تحميل الأجيال المقبلة بأعباء الديون.
ويأمل شريف إسماعيل رئيس الوزراء المصري أن تجمع القاهرة نحو 21 مليار دولار بضمنها قرض صندوق النقد، بمعدل 7 مليارات دولار سنوياً خلال 3 سنوات لمواجهة التشوهات الهيكلية في الموازنة وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي للبلاد.
وكان وزير المالية قد أعلن أن مصر تسعى لاقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد على مدار 3 سنوات، بواقع 4 مليارات دولار سنوياً.
ووصلت ديون مصر الخارجية إلى نحو 48 مليار دولار، ليصل نصيب الفرد من الدين الخارجي نحو 528 دولارا، كما زادت الديون الخارجية خلال السنوات الخمس الماضية بنحو 13.7 مليار دولار.
ولعل الدافع الحقيقي للدخول في جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد هو الحصول على شهادة ثقة من مؤسسة دولية، تستطيع القاهرة من خلالها تفادي تخفيض تصنيفها الائتماني من جانب مؤسسات التصنيف العالمية.
وتسعى القاهرة خلال الشهرين المقبلين لطرح سندات دولارية في الأسواق العالمية بقيمة 3 مليارات دولار، في حين أن العالم يعلم المؤشرات المالية المتردية للبلاد، ما يرفع من سعر الفائدة على هذه السندات بشكل كبير لارتفاع درجة المخاطرة.
وثبتت وكالة “فيتش” تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل بالعملة المحلية والأجنبية في مايو الماضي عند درجة “بي” مع نظرة مستقبلية مستقرة، وأرجعت ذلك إلى توازن الفرص الإيجابية مع المخاطر التي تحيط بمستقبل أداء الاقتصاد المصري. وتصنيف درجة “بي” من قبل وكالة “فيتش” يعني أن الاستثمار في الدولة محفوف بالمخاطر.