على مدى الأعوام الخمسة الماضية، كان الاقتصاد العالمي ينظر للفرص المتاحة في الشرق. ففي الوقت الذي عانت فيه أغلب الاقتصادات المتقدمة من مزيج من النمو البطيء وشيخوخة السكان ومستويات عالية من الديون، لعبت كل من الهند والصين دور المحرك البديل الذي حافظ على مستوى الطلب العالمي.
فوفقا لتقرير اقتصادي نشرته صحيفة “الرياض” السعودية، يعيش في الهند أكثر من 1.2 مليار نسمة وتتمتع بمعدلات نمو عالية للناتج المحلي الإجمالي، ترتقي الحالة المالية للملايين من السكان إلى “الطبقة المتوسطة” مما ينتج عنها زيادة في القدرة الاستهلاكية. ولكن الهند واجهت أيضاً مصاعب عديدة خلال الخمسة أعوام السابقة، وكان أهمها التضخم الذي أعاق قدرة الحكومة على تحفيز الاقتصاد المتباطئ.
وبعد فترة قصيرة من الانكماش في 2009، عاد التضخم بقوة ليصل إلى أكثر من 10% في إبريل 2010، واستمر عند هذه المستويات حتى وقت قريب جداً. وقد ازداد تأيثر ذلك على المستهلك الهندي بشكل قوي مع انخفاض سعر صرف الروبية الهندية بنسبة 20% تقريباً مقابل الدولار الأمريكي في 2011، مما جعل السلع المستوردة – وخصوصاً النفط – أكثر كلفة. وفي فترة مثل تلك، اضطر البنك المركزي الهندي إلى رفع معدلات الفائدة اثنتي عشر مرة ب 375 نقطة أساس إجمالياً، أي ما يعادل 3.75% حتى وصلت إلى المعدل الحالي الذي يبلغ 8.5%. وقيّدت هذه المعدلات العالية للفائدة قدرة الأفراد على الاقتراض، وزادت بالتالي معدلات الادخار، كما حدت الشركات من الدخول في مشاريع واستثمارات جديدة التي تمكّنها من التوسع. وأخيراً، بدأ التضخم بالانخفاض في أكتوبر الماضي، مما دفع المستثمرين إلى ترقب تحولات في السياسات الاقتصادية بهدف دعم النمو. وفي يوم الثلاثاء الماضي، بدأت هذه التحولات بالفعل عندما أعلن البنك المركزي عن تخفيض معدل الاحتياطي النقدي، وهو نسبة من الودائع تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها نقداً لدى البنك المركزي، ب 50 نقطة أساس حتى وصلت إلى 5.5%. وبهذا التخفيض يمكننا أن نقول ان التخفيف النقدي لتحفيز الاقتصاد قد بدأ، وسيستمر خلال 2012.
تستخدم الدول عدة أدوات وسياسات مالية ونقدية بهدف تحفيز اقتصاداتها، وأكثر هذه الأدوات شيوعاً هو سعر الفائدة، الذي ينظر له على أنه كلفة الاقتراض فبزيادته تزيد التكلفة والعكس صحيح. ومن الأدوات الأخرى هي عمليات السوق المفتوحة، التي يضخ أو يسحب البنك المركزي من خلالها السيولة النقدية وذلك عبر شراء أو بيع السندات، ومعدل الاحتياطي النقدي. وتلتزم أغلب البنوك بهذا المعدل كنسبة من ودائع العملاء من أجل ضمان السيولة للمودعين. وفي حالة الهند، ثبتت هذه النسبة عند 6% منذ مايو 2010، الأمر الذي قيّد 3.85 ترليونات روبية هندية (أي ما يقارب 77 مليار دولار أمريكي) لدى البنك المركزي الهندي ومنعتها من التداول في النظام المالي. وسيساهم انخفاض 50 نقطة أساس من معدل الاحتياطي النقدي في ضخ ما يعادل 6.5 مليارات دولار أمريكي في الاقتصاد الهندي، ليزيد من السيولة المتوفرة للشركات والمستهلكين، مل سيدفع بدوره إلى ارتفاع مستويات الاستهلاك والاستثمار، وبالتالي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.
وقد خفض أغلب المحللين توقعاتهم عن الاقتصاد الهندي خلال عامي 2011 و2012، وتبعتهم لذلك الحكومة الهندية أيضاً عبر تخفيض النمو المتوقع للسنة المالية التي تنتهي في مارس 2012 من 7.6% إلى 7% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وستستمر المخاطر السلبية في 2012، ففي ظل ضعف الطلب العالمي، تزداد الحاجة إلى إصلاحات تنظيمية فيما يخص الاستثمار الأجنبي، ولايزال مستوى التضخم أعلى من المعدل الذي يفضله البنك المركزي والذي يقع بين 4% و5%. فالوضع المالي الحالي لا يبدو جيداً، لكن أساسيات الاقتصاد الهندي ثابتة ولم تتغير. فقد نتج عن الفترة الطويلة من ارتفاع أسعار الفائدة معدلات ادخار عالية، التي ستزيد من الإنفاق الرأسمالي عند انخفاض أسعار الفائدة مجدداً. وقد وضعت الحكومة الهندية خطة خمسية تبدأ من عام 2012 إلى عام 2017، مع تركيزها على تحسين البنية التحتية السيئة للهند. والأهم من ذلك هو أن الهند تمتع بعدد سكاني شبابي كبير على عكس الصين، وهم اليوم يتهيئون لدخول سوق العمل، إضافة إلى أن الجامعات الهندية أصبحت تخرّج اليوم محترفين طليقين باللغة الإنجليزية. ومع كل هذه العوامل الدافعة، تشهد الهند العديد من الفرص في قطاعات البنية التحتية والقطاعات الاستهلاكية، وهي القطاعات التي بدأ المستثمرون النظر إلى الفرص التي توفرها على الرغم من الأداء السلبي للأسواق الهندية في 2011.
وخصصت مؤخراً الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، وهي واحدة من أكبر الصناديق السيادية في العالم، مليار دولار أمريكي لاستثمارها في صناديق استثمار طويلة الأجل في الهند، وسيكون تركيز هذه الاستثمارات على أسهم قطاعات مختلفة من السوق الهندي. كما تستثمر صناديق سيادية خليجية أخرى في الاقتصاد الهندي، فجهاز أبو ظبي للاستثمار يملك حصص في شركات تكنولوجية ومالية وكيميائية وشركات السيارات الهندية. وبالإضافة لذلك، تملك الصناديق الاستثمارية العمانية والقطرية مراكز مهمة في سوق الأسهم الهندي. فكل هذه الدول تشترك بقناعة واحدة: أن الهند تمتلك عوامل ودوافع قوية للنمو، وهي بذلك تراهن على أن الاستثمار في الهند سيكون مجدياً.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-nr