تتعالى الشكاوى المتكررة من قبل المواطنين خصوصاً، كما غير الأردنيين المقيمين في المملكة، من الصعوبات المعيشية وغلاء الأسعار، وضعف حركة النشاط الاقتصادي.
ويجد كثيرون أن ما تشهده البلاد من ضعف في النمو الاقتصادي، مغاير تماما لما جرى تاريخيا؛ عبر الاستفادة من الأزمات الإقليمية بحكم ميزة الاستقرار الراسخة، وبالتالي تحويل التحديات إلى فرص.
ففي العام 2004، أي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وما نجم عنه من تدفق للاجئين والمستثمرين أيضا، سجل النمو الاقتصادي حينها، بالأسعار الثابتة، نسبة 8.6 %. وشعر كثيرون بتحسن الأوضاع التي تجلت بنمو مزدهر في قطاعي الأراضي والأسهم، علما أن المملكة كانت قد تخرجت في حزيران (يونيو) من ذلك العام، من برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي.
لا شك في أن برامج الإصلاح الاقتصادي لها كلف تتمثل خصوصاً في الضغط على الطبقات الوسطى والفقيرة تحديداً، رغم الحديث عن شبكات الأمن الاجتماعي. لكن التخفيف من حدة هذه الكلف يكون بنمو اقتصادي قوي؛ الأمر الذي لا يبدو متوفرا في الوقت الراهن. شعور المواطنين بالتحسن يحدث عبر قطاعين، هما: العقار والأسهم كمصدر للثروة. وربما تكون الأسهم هي الأسرع في ذلك. وليس مقبولا أن تبقى أحجام التداول عند 5 ملايين دينار، لقطاع تقارب قيمته السوقية 18 مليار دينار؛ فالسيولة متوفرة لكن حالة عدم اليقين هي سيدة الموقف، لاسيما وأن السوق المالية هي مرآة للاقتصاد الوطني.
ومن ثم، فإن الاهتمام بالبورصة، وتوفير محفزات لها، يجب أن يكون محل تركيز السلطتين التشريعية والتنفيذية، عبر تقديم الحكومة قانونا معدلا لقانون الأوراق المالية، تترجم به رؤى المستثمرين والمتعاملين ومدراء الشركات المالية ومعتمدي سوق رأس المال، والسير في إقراره، ليشكل النواة الأولى لتهيئة البيئة التشريعية المناسبة لجذب الأنظار، مع أهمية التركيز على تذليل العقبات لإنشاء الصناديق المالية. كذلك، يجب أن يتم تسويق بورصة عمان في المحافل الدولية؛ على أن يتولى الترتيب والتنسيق، بمساعدة هيئة الأوراق المالية، القطاع الخاص، عبر طرح الفرص الاستثمارية على مدراء الاستثمار والصناديق العربية والأجنبية.
على أرض الواقع، استمرار حالة السكون في بورصة عمان ليس أمرا هينا، فيما مجرد ظهور بداية تعافيه، وتدفق الاستثمارات، سينعكسان على الطلب المحلي. فالمستثمر الصغير من حيث مساهمته في سوق رأس المال، في حال تحقيقه أرباحا، سيتوجه لشراء سلع معمرة، أو تلبية مستلزمات مالية. ومن يحقق أرباح أكثر قد يتوجه لشراء شقة أو أرض.
وبالنسبة لشركات المساهمة العامة، سواء من بنوك أو شركات تأمين لها محافظ، والتي تضررت من الهبوط الكبير في البورصة، فإن أي تحسن في هذه الأخيرة سيعود بالنفع على هذه الشركات وأرباحها، وبما ينعكس بالتالي إيجاباً على إيرادات الخزينة.
في أغلب البيوت الأردنية، ثمة متعامل واحد على الأقل في بورصة عمان، من خلال مساهمة معينة. ولذلك، فإن الحديث عن اهتمام حكومي بصناعة الأوراق المالية، سيكون له وقع إيجابي على قطاع واسع من المواطنين.
لا شك في أن عدم التدخل في السوق هي من مبادئ الرأسمالية. لكن جسامة الظروف قد تفرض أمورا استثنائية، تماماً على نحو ما قام به موطن الرأسمالية (أميركا)؛ حتى إن مجلة “نيوزويك” علقت على الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة لمجابهة الأزمة المالية العالمية 2008، عبر قيام الحكومة الأميركية بحيازة أصول رأسمالية، بعنوان “كلنا اشتراكيون”. فماذا تنتظر لتدخل الحكومة لجلب المنافع للاقتصاد الوطني، وزيادة الطلب ؟