برغم البداية الواعدة للاقتصاد العالمي في 2012 فانه يواجه وضعا عسيرا يهدد بحلقة جديدة من الركود ، وفق ما جاء في تقرير معهد المشاريع الاميركي الذي كتبه جون مكين. وهناك أسباب عديدة لهذا التوقع على رأسها عدم استقرار منطقة اليورو وفشل برامج التقشف واحتمال خروج اليونان من الاتحاد الاوروبي ، فضلا عن المخاطر المحيطة بكل من اسبانيا وايطاليا.
يضاف الى تلك الاسباب الوضع المالي في الولايات المتحدة والضرائب المرتفعة المتوقعة وتخفيض الانفاق المقرر في نهاية العام الجاري ، والتراجع في النمو الاقتصادي في الدول النامية الرئيسية في العام. وذكر التقرير ان ثلثي دول العالم تعاني من تراجع في النمو الاقتصادي ، والازمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008 تطل برأسها مرة اخرى وتهدد بحدوث كساد يصيب الدول الكبرى في العالم.
وهناك عوامل تزيد من غموض الرؤية بشأن الاقتصاد العالمي تشمل الازمة المالية في اوروبا وارتفاع الضرائب في اميركا وتراجع النمو الاقتصادي في دول العالم النامية الرئيسية.
وقد تتراجع احتمالات الركود اذا اتخذت اوروبا الخطوات اللازمة لاستقرار النظام المصرفي وتعديل السياسات النقدية ونتج عن الانتخابات اليونانية حكومة متعاونة. غير أن هذه الخطوات غير متوقعة في الوقت الحالي مما يعني أن الاتحاد النقدي الاوروبي قد لا يسلم بحلول نهاية موسم الصيف الحالي.
تراجع الأسهم
وفي الولايات المتحدة فقدت الاسهم كل مكاسبها في عام اعتبارا من اول يونيو الجاري ، بينما الاسهم في اماكن اخرى مثل اوروبا تراجعت قيمتها بشكل كبير. وتراجعت فوائد السندات الاميركية استحقاق عشر سنوات من 3 % منذ عام الى 1.5 % في مطلع الشهر الجاري، وهذا العائد اقل مما كان عليه في عام 2008 بعد انهيار بنك ليمان.
وعائدات السندات الالمانية استحقاق عشر سنوات حتى أقل من ذلك ويبلغ 1.2 % مما يعني البحث اليائس عن الاستقرار في اوروبا في ظل الركود وتعاظم الازمة المالية، وليس الوضع افضل من ذلك من حيث امان الاستثمار في الولايات المتحدة..
و قد ظهرت رسالة الركود جلية في اول الشهر الجاري عندما تراجع معدل التوظيف في اميركا. و بلغ معدل البطالة في اميركا 73 الف حالة شهريا في ابريل ومايو العام الجاري ، بعد ارتفاع بلغ 226 الف شهريا خلال الربع الاول من العام ، عندما كان معدل النمو الاقتصادي 1.9 % سنويا. وارتفع معدل البطالة من 8.1 % الى 8.2 %. ولابد من تخفيض توقعات النمو الاقتصادي الاميركي من الرقم المتفائل حاليا بمقدار 2.5 % ، الى 1.5 %. و
بما ان الركود يضرب اوروبا ويتراجع معدل النمو الاقتصادي في الصين والهند والبرازيل ، فان اضافة التراجع الاقتصادي في اميركا الى ذلك يعني ان ثلثي الاقتصاد العالمي اما ينكمش او ينمو ببطء . وليس ببعيد ان يضرب الركود غالبية دول العالم الكبرى.
السندات الأميركية
وعلينا ان نتذكر ان السندات الاميركية تصدر وهناك عجز كبير في الميزانية وترتفع نسب الديون الحكومية مقارنة بإجمالي الناتج المحلي الذي لم يكن مستقرا منذ اعوام.
فما الذي ادى الى فزع المستثمرين من شراء السندات الحكومية ولماذا يتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي بهذا القدر الكبير؟
الرد على هذا السؤال هو ان هناك كثيرا من الاخطاء في الاشهر الماضية ادت الى ضبابية الرؤية الى مستوى يجمد قدرة صناع القرار على اتخاذ القرارات. بصورة ادق انزلقت اوروبا في الركود مما ادى الى تفاقم الازمة المالية التي يمكن أن تسبب انهيارا في النظام النقدي الاوروبي وتجر اوروبا الى ركود اعمق وتقرب العالم من الكساد.
الأكثر من ذلك ان النمو الاقتصادي الاميركي تراجع بسرعة مع اقتراب نهاية العام الجاري الذي سيشهد ارتفاعا في الضرائب وتخفيضا في الانفاق الى ما يصل الى 4 % من اجمالي الناتج المحلي مما يعزز عدم وضوح الرؤية المستقبلية ويهدد بدفع الاقتصاد الاميركي الى الركود بحلول نهاية العام، اذا لم يكن قبل ذلك.
و في نفس الوقت فان جهود الصين الحثيثة الحريصة لاستقرار القطاع العقاري نتج عنها تراجع في النمو الاقتصادي قد يصل في العام الجاري الى 7 % مقابل توقعات بمعدل نمو 9 %. ويتعاظم الاحساس بعدم الجدوى بين صناع القرار والسياسات مع ملاحظة ان قدرتهم على احتواء ازمات اخرى قد تلاشت.
وليس هناك حلولا سهلة لكل المشكلات التي تهدد الاقتصاد العالمي. والنظر عن كثب الى مصادر تلك المشكلات في اوروبا والولايات المتحدة والاسواق الصاعدة، خاصة الصين، هو الوسيلة الوحيدة لتحديد السبل الممكنة لتخفيف اثر الازمة.
مشكلات اوروبا
لعبت اليونان دورا في تقليص جدية الازمة الاوروبية المتفاقمة التي سببتها ازمة الرهونات العقارية ، في محاولة لتقليل اثر الازمة المالية عامي 2007 و2008. ونذكر انه خلال عام 2007 لاحظ الكثيرون مشكلات النظام المالي الاميركي وارتباطها بمشكلات الرهن العقاري ، التي بلغت خسائرها نحو 1.5 تريليون دولار. وقيل في ذاك الوقت ان الغاء 30 % من الرهونات العقارية سوف يكلف 450 مليار دولار فقط ، وهو رقم ليس صغيرا لكنه ممكن.
وتضافرت عوامل مثل عدم الاستجابة بقرارات سياسية وشدة تعرض البنوك للرهونات العقارية والاستثمار في سوق الاوراق المالية المرتبطة بالعقارات الى انهيار الرهونات العقارية بحلول صيف 2008 وبالتالي انهيار بنك ليمان.
و تم تركيز استجابة اوروبا للازمة المالية فقط في عام 2010 على اليونان من خلال برنامج غير واضح يطالب التقشف مقابل قروض قصيرة الاجل. وكانت النتيجة ضعف الاقتصاد لدرجة ان النسبة بين ديون اليونان واجمالي ناتجها المحلي ارتفعت نتيجة برنامج التقشف الذي كان يهدف في الاساس الى تقليل تلك النسبة. وادت المخاوف من انهيار النظام النقدي الاوروبي الى ضغوط على الاسواق المالية.
وزادت بسرعة احتمالات خروج اليونان من الاتحاد النقدي الاوروبي وانتشرت الازمة الى اسبانيا لأن الترابط السياسي في منهج اوروبا لحل الازمة المالية قد ضعف. و ادت شدة تعرض البنوك للفقاعة العقارية وعدم نجاح جهود الحكومات في اعادة احد اكبر البنوك الاسبانية للحياة الى تعظيم المخاوف من ان الازمة المالية في اوروبا سوف تنتشر الى أكثر من اليونان لتشمل اسبانيا ثم ايطاليا.
عودة المشكلات الأميركية
الضعف والوهن السريع اللذان اصابا الاقتصاد الاميركي ، وفاقمته بيانات البطالة المذكورة آنفا ، ضاعف من الاثر السلبي للركود الاوروبي والازمة المالية الاوروبية ، واثر ذلك على الاقتصاد العالمي.
واشار التراجع في النمو الاقتصادي الاميركي بوضوح الى أن السياسات النقدية في الدول المتقدمة بلغت اقصى حدود قدرتها على تحفيز النشاط الاقتصادي ومساندة الاسواق المالية. وتراجعت اسعار الفائدة الى الصفر وزيادة الاحتياطات المصرفية لم تعد قادرة على توفير مزيد من القروض ، لذلك فان القنوات التقليدية للسياسات النقدية قد تعطلت.
اضف الى ذلك الخلل المالي في اوروبا وهناك خليط “مسمم” من سياسات نقدية غير فعالة وسياسات تقشف مالي. ولاغرو ان اوروبا وقعت في الركود وتتفاقم ازمتها المالية، مع ظلال سلبية على الاقتصاد الاميركي والعديد من الاسواق المالية. وقد يساهم مزيد من ضعف اليورو في رفع الصادرات الالمانية ، لكن ليس بالقدر الكافي لتحقيق استقرار اوروبي.
وكان الاقتصاد الاميركي نما بمعدل يقل قليلا عن 2% ، بسبب سياساتها المالية ، التي تختلف عن نظيرتها في اوروبا، حيث لا تزال توسعية الى حد ما. ويحتمل أن الدعم المالي الذي ضخته اميركا في نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري لم يكن له الا تأثير محدود على الاقتصاد.
والقانون الذي يدرسه الكونجرس حاليا يفوض برفع الضرائب وتخفيض الانفاق بما يعادل نسبة 4% من اجمالي الناتج المحلي، ويحتمل أن يأتي القانون بالفعل في نهاية العام الجاري. ولأنه ينبغي تغيير القانون لتجنب تلك الهوة المالية ، فان السياسة تلعب دورا كبيرا في هذا الامر.
مشكلات في الأسواق الصاعدة
كما لو كانت المشكلات في الدول المتقدمة ليست كافية. فإن اقتصاديات الدول النامية والصاعدة تتراجع في نموها ايضا بسرعة. وكما جاء في توقعات مكين ايضا في ابريل الماضي ، فان التراجع في نمو القطاع الخاص الصيني يشير الى مزيد من التراجع في النمو الاقتصادي الصيني عموما في العام الجاري.
وبصدور البيانات عن النمو الصيني فان تقديرات النمو للعام الجاري تصل الى 7 % سنويا ، بدلا من 9 % كما كان متوقعا من قبل ، بفعل تراجع الصادرات الى اوروبا واماكن اخرى في العالم. وقد يزداد تراجع النمو الاقتصادي الصيني اذا استمرت معدلات النمو الاقتصادي الاميركية والاوروبية في التراجع ايضا.
و الى جانب الصين ، فان النمو الاقتصادي في البرازيل والهند يتراجع ايضا. واكتشف صناع السياسات والقرارات في تلك الدول ان اجراءات التحفيز الاقتصادي ينتج عنها اثار ايجابية على النمو تزول سريعا في النهاية. وفي حال الهند والبرازيل الى حد ما فان مؤشرات ارتفاع التضخم الثابتة تضطر صناع السياسات الى انهاء الاجراءات التحفيزية.
حلول مقترحة
قال تقرير معهد المشاريع الاميركي: نحتاج الى اتخاذ ثلاث خطوات ، تتمثل في استعادة استقرار النظام المصرفي الاوروبي حتى يتوقف هروب المودعين وسحب اموال من البنوك.
ثانيا: لابد من ان تضع اوروبا اطارا واضحا للتطور السريع نحو اتحاد مالي. وثالثا: السياسات المختلطة التي تشمل مزيدا من التقشف المالي مقابل منح قروض سخية للدول الطرفية في الاتحاد الاوروبي لابد ان تتراجع.
ويمكن أن يساعد المصرف المركزي الاوروبي في تهدئة الاسواق وتقليل الغموض والضبابية عن طري توجيه دعمه الى نظام ضمان الايداعات في البنوك الاوروبية، ويمكنه خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة اساس لضمان توفر السيولة للبنوك.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-2ti