اراء حقيقة “تخمة معروض” من النفط الخام في الأسواق العالمية

تحليل اقتصادي
7 أغسطس 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
اراء حقيقة “تخمة معروض” من النفط الخام في الأسواق العالمية

أسعار-النفط-590x331يتكرر كل يوم ذكر عبارة “ تخمة المعروض من النفط الخام “ في أسواق العالم وأنها سبب استمرار انخفاض أسعار النفط . وكأن هذه التخمة تحولت إلى “ قدر” لا نهاية له. علما بأن سعر البرميل في مطلع يوليو 2008 كان قد تجاوز 145 دولارا، كان سببه التوترات السياسية على الصعيد العالمي وضعف الدولار مع وجود معروض متصاعد من النفط الخام في الأسواق. ووقتها لم يكن هناك نقص في المعروض من النفط الخام.ومنذ بدء تراجع أسعار النفط في أسواق النفط يعزى سبب التراجع إلى “تخمة المعروض”. غير أن تقريرين حديثي الصدور ومن مؤسستي خبرة متخصصتين في شؤون النفط والطاقة، يؤكدان عدم وجود معروض يتجاوز الطلب اليومي من النفط الخام في الأسواق. توثق “إدارة الطاقة الأمريكية” الإنتاج اليومي في العالم من النفط الخام فتقول: بلغ إنتاج النفط الخام في العالم 92.43 مليون برميل يوميا عام 2014. وارتفع إلى 93.85 مليون برميل يوميا عام 2015 .
وتوقعت الإدارة أن يرتفع الإنتاج إلى 95.29 مليون برميل يوميا عام 2016، وسيرتفع إلى 96.67 مليون عام 2017، وسيتواصل ارتفاع إنتاج النفط الخام سنويا بنسبة 2.7%. وجاء في تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن حجم الطلب العالمي يقدر الآن ( عام 2016) بـ 97 مليون برميل يوميا. وسيرتفع إلى 100مليون برميل يوميا خلال 5 سنوات. وبذلك فلا وجود لمعروض يتجاوز حجم الطلب اليومي على النفط الخام . إذ أن الإنتاج اليومي من النفط الخام في دول العالم كافة عام 2016 يبلغ 95.29 مليون برميل وأن الطلب اليومي يقدر بـ 97 مليون برميل يوميا. بمعنى أن الطلب يتجاوز الإنتاج . ومعروف أنه ليس كل ما ينتج يصدر من النفط الخام.ومن بين الأمور المضللة لحقيقة كمية المعروض النفطي ولتوقعات الطلب العالمي ولاتجاهات الأسعار، أن مصدرها عدد غير قليل من المنظمات والبنوك وبيوت الخبرة والمسؤولين في الدول النفطية. فهناك منظمة الطاقة الدولية، ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) طالما تناقضتا في التوقعات والتقديرات. ففي مطلع أكتوبر 2015 رجحت وكالة الطاقة الدولية أن يواصل إنتاج النفط الصخري نموه القوي حتى عام 2020، وذلك بعد يوم واحد على إعلان منظمة أوبك أن إنتاج النفط الصخري تأثر بتراجع الأسعار بدرجة تفوق التوقعات مع إغلاق العشرات من منصات الحفر الأمريكية. وأضافت وكالة الطاقة في تقريرها عن سوق النفط في المدى المتوسط: إن الأسعار التي فقدت نحو 50 % من قيمتها ومن المرجح أن تستقر عند مستويات أقل بكثير من مستوياتها المرتفعة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.وتناقضت توقعات الوكالة مع تقديرات أوبك التي صدرت يوم 28/‏‏‏9/‏‏‏2015، والتي قالت فيها: إن انخفاض أسعار الخام سيبطئ الإنتاج في الولايات المتحدة ودول أخرى بوتيرة أسرع مما كان يعتقد في السابق. كما أن انخفاض الأسعار سيبطئ إنتاج النفط الصخري بوتيرة أسرع من المتوقع. وتوقعت أوبك نفسها في تقريرها ارتفاع الطلب على نفطها هذا العام مقارنة مع التقديرات السابقة وذلك مع تأثر المنتجين الآخرين باستراتيجية عدم دعم الأسعار. ورفعت أوبك تقديراتها للطلب على نفطها إلى 29.21 مليون برميل يوميا في عام 2015 بزيادة قدرها 430 ألف برميل يوميا عن التوقعات السابقة.وفي مطلع عام 2015 قال صندوق النقد الدولي: إن خسائر الدول المصدرة للنفط خارج دول مجلس التعاون الخليجي مثل الجزائر وإيران والعراق وليبيا واليمن، ستصل إلى نحو 90 مليار دولار أو ما يمثل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تصل خسائر دول مجلس التعاون الخليجي إلى 300 مليار دولار. ولم تقتصر الخسائر على الدول العربية المنتجة للنفط وإنما شملت الخسائر الشركات الأمريكية والروسية والأوروبية.ولابد من التذكير بأن الطلب على النفط لا ولن يتوقف وسيتصاعد تدريجيا مع نمو الاقتصادات العالمية ففي الوقت الذي قادت فيه عمليات إنتاج النفط المتزايدة لبعض الدول غير المنتسبة لعضوية «أوبك»، إلى تخفيف الدول الأعضاء من حجم الإمدادات اليومية خلال الفترة الأخيرة، أكد مختصون، أن حجم استهلاك النفط العالمي سيقفز تدريجيا إلى 105 ملايين برميل بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 90 مليون برميل يتم استهلاكه يوميا حاليا.وإزاء الوضع الحالي هل يمكن تحديد العوامل الأكثر تأثيرا في اتجاهات أسعار النفط؟سياسة منظمة الأوبك: تلعب سياسة منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك الدور الأهم في تحديد سعر النفط الخام، فقد صرح عبد الله البدري أمين عام المنظمة مؤخراً إلى أن الدول الأعضاء لن تسعى إلى تخفيض إنتاج النفط لكي تدعم الأسعار، بل ان المنظمة تعتمد على ارتفاع الطلب العالمي للنفط الذي بدوره سوف يدعم الأسعار. وأظهر تقرير لمنظمة أوبك أن أعضاء المنظمة قد انتجوا حوالي 31.25 مليون برميل يومي خلال الربع الثاني من عام 2015 أي 3 ملايين برميل إضافي عن حجم الطلب العالمي، ذلك يعني أنه حتى لو خفضت أوبك حجم إنتاجها اليومي بمقدار مليوني برميل يومياً فإن ذلك لن يدعم ارتفاع الأسعار. المشكلة الأساسية لمنظمة الأوبك وخاصةً السعودية الدولة الأكثر تصديراً للنفط في العالم أنه ليست من مصلحتها تخفيض الإنتاج اليومي وذلك لحماية حصتها السوقية.قوة صرف الدولار الأمريكي: بما أن النفط الخام مسعر بالدولار الأمريكي فلا شك أن قوة الدولار الأمريكي تؤثر سلباً على أسعار النفط وذلك بحكم الارتباط العكسي الذي يربط الدولار بأسعار النفط. كما أن توجهات السياسة النقدية الأمريكية كانت السبب المباشر في ارتفاع الدولار، وبقي السوق يترقب توقيت رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن رؤية وتوقعات السوق بقيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في الأجل القريب من شأنه أن يدعم الدولار الأمريكي ويضغط بشكل غير مباشر على النفط الخام.عودة إيران: ان توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو 2015 من شأنه إزالة العقوبات الدولية عن إيران. الجدير بالذكر أن الإنتاج الإيراني قد هبط من 4 ملايين برميل يومياً إلى حوالي مليون برميل يومياً بعد العقوبات. ووفقاً لتصريحات وزير النفط الإيراني في وقت سابق من الشهر أن إيران تنوي زيادة إنتاجها اليومي بمقدار 500 ألف برميل يومياً فور رفع العقوبات ومن ثم مليون برميل خلال أشهر، كما تسعى إلى الرجوع إلى مستويات إنتاجها السابق أي حوالي 4 ملايين برميل يومياً. إن زيادة إيران لإنتاجها سوف تؤدي إلى زيادة في الإنتاج العالمي وذلك وسط ثبات في الطلب العالمي.تباطؤ نمو الاقتصادين الصيني والعالمي: ان الركود الاقتصادي وخاصةً في الصين التي هي محرك أساسي للاقتصاد العالمي أثر بشكل مباشر على أسعار النفط، فتراجع طلبات المصانع وخاصةً الصادرات كان تأثيره سلباً على النفط حيث انخفضت الصادرات حوالي 8.3% بسبب الضعف على السلع الصينية، كما تراجع مؤشر أسعار المنتجين إلى 5.4% الذي يعد أدنى مستوى منذ أكتوبر 2009. إضافةً إلى ذلك تشير التوقعات إلى احتمال تسجيل الصين معدل النمو الأدنى منذ سنين عديدة ليصل إلى 7% أو حتى أدنى من ذلك. كل هذه العوامل تزيد من التأثير السلبي على النفط الخام.وبالرغم من الأسباب المذكورة فإن سياسة منظمة أوبك يمكن أن تعدل أسعار النفط. فقرارها في نوفمبر 2014 بعدم تخفيض الإنتاج اليومي ألقى بثقله على الأسعار فبقي المعروض يزيد عن الطلب العالمي.أزمة أسعار النفط المتراجعة تؤكد قصور خبرة المسؤولين في كبريات الدول المصدرة للنفط وأعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك) في التعامل مع الأزمة والاتفاق على “ تفاهم” لمعالجة واقع الأسواق واتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تعيد التوازن لأسواق النفط بأسعار ترضي المصدرين والمستوردين وتعزز نمو الاقتصاد العالمي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.