“اطمئن السوق العقاري بخير.” هكذا تقول لافتة عملاقة على مبنى من 40 طابقا يطل على الطريق السريع في دبي في اعلان لموقع للتسويق العقاري أواخر العام الماضي وربما كان هذا صحيحا حينئذ لكن المخاطر تتنامى. وينم نمو القروض المصرفية وأنشطة البناء عن استئناف المؤسسات المالية ضخ الاموال في المشروعات العقارية في الاشهر القليلة الماضية بعد أن شهدت انخفاضا حادا في أعقاب انهيار السوق العقارية في دبي عام 2008.
وفي غضون ذلك ارتفعت أسعار العقارات من جديد بفضل الطفرة الاقتصادية في دبي مما يعزز احتمال صعود السوق لمستويات قد لا يمكنها الحفاظ عليها طويلا.
لكن زيادة المعروض في ظل طلب غير مستديم يشكل مزيجا خطرا كان في حد ذاته سببا في أزمة دبي قبل ستة أعوام مما اضطر شركات شبه حكومية لاعادة جدولة ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وأحدث هزة في الاسواق المالية العالمية بأنحاء العالم.
لكن السلطات تقول هذه المرة انها مدركة للمخاطر موضحة أنها تبنت خطوات تنظيمية لكبح نمو الطلب لكن الاجراءات تظل متواضعة مقارنة بما اتخذته مدن أخرى في أنحاء العالم تواجه نفس المشكلة مثل هونج كونج وسنغافورة.
وقال سايمون وليامز كبير اقتصاديي المنطقة في اتش.اس.بي.سي “من السابق لاوانه الحديث عن بلوغ الذروة لكن وتيرة نمو القروض تنبئ بتسارع الدورة.”
وتابع “ببساطة لا يتفق مثل هذا النمو للقروض مع النظام الاقتصادي واستقرار أسعار الاصول وحان وقت التحرك من خلال السياسات قبل أن تظهر الفقاعة وليس حين تحدث بالفعل.”
الطلب
وقالت نايت فرانك للاستشارات ان أسعار المنازل في دبي سجلت أسرع زيادة سنوية في الاسواق العالمية الكبرى في الفترة من يناير كانون الثاني الى مارس اذار للربع الرابع على التوالي وارتفعت 7ر27 ٪. وزادت الايجارات
30 ٪ في المتوسط بنفس الفترة.
وقالت دائرة الاراضي والاملاك بدبي ان حجم الصفقات العقارية في دبي البالغ عدد سكانها 3ر2 مليون نسمة قفز بنسبة 38 ٪ في الربع الاول من العام الى حوالي 61 مليار درهم (6ر16 مليار دولار).
وثمة أسباب تشجع على ارتفاع أسعار العقارات من بينها معدل نمو سنوي للاقتصاد يبلغ نحو خمسة ٪ وتدفق أموال المستثمرين العرب بحثا عن ملاذ امن في المنطقة المضطربة.
وقالت نايت فرانك ان بعض الاسعار عادت لمستويات الذروة التي كانت عليها قبل انهيار السوق العقارية الا أنها مازالت تقل عنها في بعض المراكز الاقتصادية العالمية اذ يتراوح سعر المتر المربع للعقارات المتميزة في دبي بين 6200 و7500 دولار مقابل 27 ألفا و600 دولار و33 ألفا و700 دولار في سنغافورة.
ولم تعد أحجام الصفقات لمستوياتها قبل انهيار السوق لكن ثمة دلائل على تباطؤ الطلب وقالت بروبسكوير العقارية ان الاحجام هذا العام تقل نحو 25 ٪ عنها قبل عام نظرا لارتفاع الاسعار.
وقال برافيس جافور الرئيس التنفيذي لبروبسكوير “الفجوة بين السعر الذي يطلبه البائع والسعر الذي يريد أن يدفعه المشتري كبيرة جدا في الوقت الحالي.”
غير أن دائرة الاراضي وصفت الزيادة في الربع الاول بالكبيرة وأضافت أنها تتطلع لمزيد من النمو.
وتوقع سلطان بطي بن مجرن المدير العام لدائرة الاراضي والاملاك أن تشهد الفصول الثلاثة التالية نشاطا مماثلا لاسيما في الفترة اللاحقة على اطلاق عدد من مشروعات التحفيز الاقتصادي في دبي والكشف عن جزء من التحضيرات لمعرض اكسبو 2020.
وغذت الحكومة الطفرة العقارية الحالية باعلانها في نوفمبر تشرين الثاني 2012 عن مشروع عقاري ضخم يضم أكبر مركز تسوق في العالم وأكثر من 100 فندق ومتنزها أكبر من هايد بارك في لندن بنحو الثلث.
وفي الوقت ذاته مازالت غاليبة 200 جزيرة صناعية مقامة على شكل خريطة العالم خاوية بعد أن كادت شركة نخيل المملوكة للحكومة والمنفذة للمشروع تتخلف عن سداد ديون في 2009.
وتبنت السلطات بعض الخطوات لمكافحة المضاربة والبيع السريع لعقارات لم يكتمل تشييدها في معظم الحالات. وفي العام الماضي ضاعفت دبي الرسوم على الصفقات العقارية الى أربعة ٪ في حين فرض مصرف الامارات المركزي سقفا على القروض العقارية.
وتبنت بعض الشركات العقارية اجراءات خاصة بها فمنعت اعمار العقارية اعادة بيع أي عقار الا بعد سداد نحو 40 ٪ من ثمنه.
لكن هذه الاجراءات ضعيفة مقارنة بالضريبة التي تفرض في هونج كونج على اعادة بيع أي عقار بشكل سريع وتصل الى 15 ٪ مقابل 30 ٪ في سنغافورة. وفي الشهر الماضي حذر صندوق النقد الدولي من أن دبي قد تحتاج لدراسة هذه الادوات أيضا.
وفي الوقت الحالي لا يبدو أن الامارة المتعطشة للنمو ستتخذ خطوات أشد ويشير تاريخ القيود على الرهن العقاري الى ضعف هذا الاحتمال اذ سبق أن خفف البنك المركزي القيود الصارمة التي فرضها بعد شكاوي من البنوك التجارية.
وفي بيان صادر في التاسع من يونيو حزيران أصرت دائرة الاراضي على أن السوق بخير وأن ارتفاع الاسعار ناجم عن قوة الاقتصاد.
وفي تقرير الاستقرار السنوي حذر مصرف الامارات المركزي من أن السوق العقارية ربما تشهد نشاطا محموما.
لكن لم تتضح ماهي الخطوات الاخرى التي يمكن أن تتخذ في ظل استمرار تدني سعر الفائدة الاميركية وضعف احتمال رفع أسعار الفائدة في الامارات العربية المتحدة نظرا لربط الدرهم بالدولار الاميركي.
العرض
ويكتنف نفس القدر من الغموض جانب العرض من المعادلة.
فقد أعلن في دبي على مدى الثمانية عشر شهرا الاخيرة عن خطط لتنفيذ مشروعات عقارية تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار لكن لم يتضح عدد المشروعات التي شرعت الشركات في تنفيذها بالفعل وسرعة التنفيذ.
وبدأ تنفيذ الاعمال الاساسية في البعض منها. وبعد انكماش قروض البناء في الامارات على مدى 16 شهرا قفزت في ديسمبر كانون الاول 1ر40 ٪ مقارنة بنفس الشهر من العام السابق لتصل الى 181 مليار درهم مسجلة أسرع وتيرة نمو منذ يونيو حزيران 2009 بحسب بيانات البنك المركزي.
وتتجاوز وتيرة نمو القروض العقارية معدل نمو القروض المصرفية ككل اذ ارتفعت الاخيرة 8ر8 ٪ فقط في ديسمبر كانون الاول الى 1ر1 تريليون ولكن من المرجح ان تكون طفرة الاقتراض في مستهلها.
وقالت مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز في تقرير الشهر الماضي “نتوقع تسارع القروض العقارية مع اطلاق شركات التطوير العقاري مشروعات جديدة وسعي مزيد من العملاء المحليين والاجانب لدخول سوق الرهن العقاري.”
وأشار مصرفي في دبي طلب عدم نشر اسمه الى نزوع البنوك المحلية لتحمل مخاطر أكبر بتمويلها شركات التطوير العقاري وقال “تعرض بعض البنوك تمويل صفقات الشركات بنسبة مئة ٪ على أساس انتقائي. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة.”
ومن المستبعد على ما يبدو العودة للاقتراض المفرط كما كان الحال قبل طفرة 2008 اذ خرج عدد من الشركات العقارية من الفئة الثانية من السوق نتيجة انهيارها في حين مازالت تبعات الازمة تؤثر على القوائم المالية للشركات التي استمرت في السوق وهو ما يدفع البعض على الاقل الى توخي مزيد من الحذر.
وثمة دلائل على أن شركات التطوير العقاري تولي اهتماما أكبر لمخططات منافسيها ولا تنفذ المشروعات الا على مراحل بعد اعادة تقييم توقعات الطلب عند كل مرحلة.
وقال فهد اقبال مدير أبحاث كريدي سويس في الشرق الاوسط “يوجد تنسيق أكبر على صعيد العرض” عن ذي قبل.
وقالت ستاندرد اند بورز في تقريرها انه رغم ذلك قد تظل المخاطر كبيرة في السنوات القليلة المقبلة مضيفة أن أي هبوط مفاجئ للثقة من جانب قطاع كبير من المستثمرين الاجانب أو تشديد حاد للسياسة النقدية الامريكية قد يقود لهبوط في السوق.
وقال فاروق سوسة كبير اقتصاديي المنطقة في سيتي جروب “ما حدث عام 2013 لم يكن ليدوم. السؤال المهم هل ستثبت الاسعار على المدى الطويل أم سترتفع مرة اخرى.”
وتابع “التغيرات في دبي سريعة .. اذا شيدوا جميع هذه المشروعات الكبيرة فأعتقد أنه يحق لنا حينئذ أن نقلق أكثر بشأن دورة كبيرة أخرى في السوق العقارية قد لا تملك مقومات الاستمرار.