تقرير حصري لمجله مال واعمال – الاردن
حلقت السلط الى العالمية و نقشت اسمها على قائمة التراث العالمي، بعد أن أدرجتها منظمة اليونسكو مدينةً للتسامح والضيافة الحضارية.وتوجت مدينة للتراث العالمي بعدما أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة بعد ان قرّرت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، إدراج السلط ضمن لائحة التراث بعد ترشيحين سابقين عامي 1995 و2017، لتضاف إلى 5 مواقع أثرية غير مأهولة بالسكان، وهي المغطس، والبترا، ووادي رم، وأم الرصاص، وقصير عمرة.
حيث استطاعت مدينة السلط بأزقتها الكادحة التي تتسرب اليها أشعة الشمس على استحياء، وبخطوات متفحصة لعبق التاريخ الممتد عبر العصور، ان تبهر لجنة التراث باليونسكو، الذين ارهقهم النظر الى ناطحات السحاب وضوضاء المدن الكبيرة، لإدراجها على قائمة التراث العالمي.
ارض التين والعنب
تعرف مدينة السلط بعروس البلقاء وهي من أكبر المدن الأردنية من حيث عدد السكان بحوالي 150 ألفاً، وتضم مزيجاً من الحضر والبدو، ومن شتى الأصول من بلاد الشام.
يطلقون عليها أرض التين والعنب، المدينة الذهبية التي امتازت بحجارة مبانيها الصفراء، وهي سادس موقع أردني ينضم إلى قائمة التراث العالمي (اليونسكو) باعتبارها نموذجاً حياً للتسامح وأصول الضيافة الحضرية في الأردن.
تتميز السلط بحارات قديمة ومنازل بنيت بهندسة جميلة تعكس الحضارات التي مرت عليها. في هذه المدينة تلتحم الكنيسة بالمسجد ويتجاور المسلمون والمسيحيون في منازل متلاصقة، توحّدهم روح المكان وجماله. التعايش الديني في المدينة بأبهى صوره في مدينة تحتضن مزيجاً من الحاضر والماضي.
بساطة وتسامح
والسلط التي تمتاز بعظم التراث المعماري الذي تلمس فيه الجذر الانساني المفعم بالبساطة والتسامح، والعيش المشترك والترحيب بضيوفها، وجبالها التي شهدت تاريخ الحضارات الانسانية، وأدراجها الشاهدة على عظمة المكان والانسان السلطي، وجمال المدينة الذي يأسر القلب ويلقي السحر في النفوس، حفزت القائمين على اللجنة لضمها لقائمة التراث العالمي.
مدينة السلط التي يمتد تاريخها لاكثر من 5500 عام، احتضنت حجارتها الصفراء مئات القصص والروايات حول أبنائها الذين جاؤوا من مناطق مختلفة، بحثا عن الاستقرار والحياة الجديدة، وكانت ملجأ للباحثين عن الطمأنينة والسلام، وحاضرة في الوجدان الانساني والوجود الكوني .
موقع متميز
تبعد مدينة السلط عن عمان 28 كيلومترا باتجاه الغرب، في حين تبعد عن القدس من جهة الشمال الشرقي نحو خمسين كيلومترا، بينما تبعد عن دمشق باتجاه الجنوب 240 كيلومترا، ويشكل جبل النبي يوشع أعلى نقطة ارتفاع عن سطح البحر وتبلغ 3595 قدما أي ما يعادل 1096مترا، حيث انه من قمة هذا الجبل يشاهد المرء منظرا رائعا نحو الغرب حيث يتراءى أمامه نهر الأردن من طبريا وحتى البحر الميت والتلال المحيطة بهما حتى جبل الشيخ في جنوب لبنان، في حين تصل أدنى نقطة ارتفاع تابعة للبلقاء الى 280 قدما.
تميزت مدينة السلط قديماً بأهمية كبيرة نظرا لوقوعها بالقرب من طريق الحج الشامي، حيث كانت ملتقى الحجاج الذين يأتونها من كافة المناطق المجاورة، في طريقهم الى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، قبل انجاز سكة حديد الحجاز، التي أصبحت تمر بمدينة عمان بعد عام 1908، وقد زاد مد سكة الحديد من أهمية السلط حيث كانت السكة تمر بالمناطق التي تتبع قضاء السلط.
وكان للسلط أهمية كبيرة ايضا كونها تقع على الطريق المؤدية الى مدن فلسطين التي ارتبطت في السلط ارتباطا وثيقا، حيث انعكست آثاره على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والعمرانية..
وأضفت طبيعة السلط الجبلية على المدينة، طابعا معماريا جميلا ، فامتازت مبانيها بالحجارة صفراء اللون، وكثر فيها استخدام العقود والقناطر، كما انتشرت مقالع الحجارة والمشايد على أطراف المدينة بشكل ملفت للنظر.
وتأثر التخطيط العمراني لمدينة السلط بعوامل عدة منها العامل الاجتماعي القائم على تقسيم المدينة إلى محلات، (والمحلة هي حي يضم عددا من الحارات التي تفصل بينها الشوارع الرئيسية وتتفرع منها الأزقة)، وتكونت هذ المحلات في أعالي الجبال وفي سفوحها، وامتدت لتلتقي في موقع متوسط عند سفوح الجبال، ما أكسب الموقع أهمية كبيرة جعلت منه المكان الأمثل لانشاء مركز مدينة السلط ، لعدة أسباب ابرزها توسطة أحياء المدينة وطبيعته المنبسطة ووفرة الينابيع.
ومن الجدير بالذكر أن تخطيط مدينة السلط جاء متسقا مع تخطيط المدينة الاسلامية من حيث وجود المسجد وقصر الحكومة وعيون الماء و النشاط التجاري في مركز المدينة، وتفرع الشوارع والطرق من هذا المركز إلى سائر أرجاء المدينة، مشيرة الى ان الحكومة التركية قامت ببناء مركز حكمها الاداري (السرايا) في ساحة السلط الرئيسية، كما بنت الجامع الكبير الذي اعتبر اکبر مكان للتجمع الديني في المدينة، وقامت الدكاكين التجارية على جوانب الساحة الرئيسية التي تفرعت منها الشوارع الرئيسية.
تاريخ السلط
ويرجع تاريخ مدينة السلط الى العصور القديمة، اذ كانت لها عدة أسماء عرفت بها على مر العصور منها أسم “جادورا” أو “جادارا” وقد ورد هذا الاسم لأول مرة في إحدى الوثائق الاشورية، الاسم الآخر “الصّلت” الذي أورده المؤرخ الشهير ابن الأثير، وأسم “السنط”، ويعتقد الباحثون الغربيون أن أصل هذه التسمية يعود للكلمة اللاتينية “سالتوس” التي تعني الغابة، والسنط أيضا هو أحد أنواع الأشجار وتنطبق أوصافه على شجر البلوط او السنديان المنتشر بكثرة في مختلف مناطق المدينة.
أما الاسم الحالي للمدينة “السلط” فقد ورد أول ذکر له عند الجغرافي ابن سعيد المغربي، ثم تبعه كثيرون من المؤرخين في استخدامه.
كانت مدينة السلط في العهد العثماني مركزا للقضاء المسمى باسمها، حيث يحده من الشمال نهر الزرقاء، ومن الجنوب وادي الموجب، ومن الغرب نهر الأردن، ومن الشرق طريق الحج الشامي (سكة حديد الحجاز المارة في عمان )، وتقدر مساحة قضاء السلط في تلك الفترة بعشرة الاف كيلو متر مربع.
رحلة الى السلط
ما أن تطأ قدم الزائر الوسط المركزي لمدينة السلط في الأردن، حتى يبهره هدوء المدينة الممزوج بعبق الماضي، ويستوقفه الطراز العمراني للمباني ذات اللون الأصفر، والأبواب، والنوافذ المقنطرة (شاهد الفيديو أعلاه).
وتتقاطع المآذن مع أعمدة الكنائس في محيط حيوي يقدّر بنحو 5-6 كيلومترات يضم 657 مبنى تراثيا، شكلت وغيرها مقوّمات المنافسة لتُدرج ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، حاملة شعار “مدينة التسامح والضيافة الحضارية”.
والسلط التي تقع على بعد نحو 29 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من العاصمة عمّان، تُعتبر مركز محافظة البلقاء، ويشكل سكانها وتراثها مزيجًا متنوعًا من السكان، وكانت مركزا تجاريا لبلاد الشام والضفتين، وحاضنة ثقافية، ومنارة تعليمية، حيث تأسس فيها أول صرح تربوي عريق، أي مدرسة السلط الثانوية.
والتي خرجت افواج من الشخصيات التي تركت بصمات واضحة في بناء السلط لتكون السلطانة ولتجعل كل من يصل اليها ويشاهد على ابوابها اول صرح تعليمي جامعي خاص عمان الاهلية ونرى بوابتها تحتضن سلطانة البلقاء لتقول الانطلاقة التعليمية النوعية جاءت منا هنا ومن السرو تنطلق رحلة العلم والمعرفة.
سلطانة البلقاء مدينة للتراث العالمي
السلط ونظرة الزائر
وتمتاز السلط بمحيط تجاري، وعمراني، وسكاني حيوي، ومنها شارع الحمّام بمحلاته التجارية المميزة والذي أُقيم على آثار رومانية، يقابله المعلم الأشهر أي بيت أبو جابر الذي أصبح اليوم متحف السلط التاريخي، والمطل على ساحة العين، والسرايا العثمانية، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، وشهد عصرا من العصور الذهبية بإدارة عائلة أبو جابر، ليكون مقر ضيافة، وكذلك محل إقامة للملك المؤسس عبدالله الأول عندما كان أميرًا .
ويشتهر البناء بطرازه الفريد الذي يجمع بين العمارة الإسلامية والغربية، وبناه المعماري ابن مدينة نابلس عبدالرحمن العقروق بين عام 1896و1905، وهو يحاكي البيت البيروتي الشائع بأبوابه، ونوافذه الكثيرة ذات الأقواس، والزجاج الملون، والقاعات الوسطية المخصصة لاستقبال الضيوف.
قدوة في التعايش
شكل الطيف الاجتماعي والديني المتنوع للسلط، واحدة من ركائز اختيارها ضمن لائحة التراث العالمي، إذ يتجاور ويتشارك المسلمون والمسيحيون من سكانها في منازلها، وجدرانها، وأزقتها، كما تعاقب العثمانيون والأكراد عليها، وكانت محطة رئيسية لحركة التجارة في بلاد الشام وتحديدًا من مدينة نابلس.
من جانب اخر فإن من أهم ما يميز السلط أنها عبارة عن “حي” واحد، فلا يتواجد حي للمسلمين أو للمسيحيين أو النوابلسة أو السلطية، فهذه المدينة كعائلة واحدة، وهو أساس إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي”، كما ان سكانها يستمرون بتطويرها وترميم مبانيها التراثية، التي تبلغ 657 بالحجر الأصفر وبطرز معمارية متنوعة.
حيث تتلاقى أبواب الكنائس مع أبواب المساجد في المدينة، كما هو الحال في مسجد السلط الكبير الذي بُني على أنقاض مسجد يعود للعصر المملوكي، ويقابله المجمع الانجليزي وكنيسة الراعي الصالح ضمن مسار “الوئام”، وبالقرب منهما كنيسة اللاتين 1886، وهي مواقع من بين مئات المواقع الأثرية والدينية، حيث يتمركز في قلب المدينة 5 مقامات دينية مسيحية وإسلامية، من بينها أيضا مقام النبي الخضر والكنيسة الارثودكسية التي بُنيت إلى جوار مغارة عثمانية في عام 1682، وأُعيد ترميمها في عام 2004.
وتُعد الضيافة في بيوت سكان المدينة، سمة متجذرة فيها بالرغم من أوضاع جائحة كورونا مؤخرًا، إذ بادرت بعض السيدات مؤخرا بتحويل جزء من منازلهن كمقرات إقامة، وضيافة للأكلات التراثية المحلية.
مدينة السلط التي يمتد تاريخها لاكثر من 5500 عام، احتضنت حجارتها الصفراء مئات القصص والروايات حول أبنائها الذين جاؤوا من مناطق مختلفة، بحثا عن الاستقرار والحياة الجديدة، وكانت ملجأ للباحثين عن الطمأنينة والسلام، وحاضرة في الوجدان الانساني والوجود الكوني.
لماذا السلط؟
لم يأت اختيار السلط من قبل منظمة اليونسكو من فراغ، فالمدينة جذورها ضاربة بعمق التاريخ الذي يزيد عن 5000 عام، فهي مدينة الحجارة الصفراء، ذات الطراز المعماري البهي الذي يشد كل من ينظر إليه من خلال الأقواس والقناطر، غير كونها مدينة حاضنة للتعايش الأخوي بين سكانها من أبناء الديانتين /الإسلامية والمسيحية/.
مخطط زمني يوضّح أبرز المراحل التي مر بها ملف مدينة السلط قبل الترشّح لقائمة التراث العالمي.
تُعد مواضيع التُراث من المواضيع الشائكة والتي لها أكثر من بُعد، بحيث لا يُمكننا الحديث عن موضوع وربطها بمُسببات معينة وتجاهل غيرها، إذ يعتقد البعض أن التُراث خصوصاً عند ربطه بمكان ما، على أنه معالم ماديّة ملموسة في ذلك المكان، لذا وحتى نزيل اللبس، سيتناول التقرير موضوع التراث بشقيه التراث الملموس، والتراث غيرالملموس، وكيف تأثرا ببعضهما وكوّنا المشهد الحضاريّ الثقافيّ الحالي لمدينة السلط الذي أهّلها لِتُدرَج على قائمة التراث العالميّ، والأبعاد الاقتصاديّة لتطورات هذا المشهد، كما سيتناول التقرير الجانب القانونيّ في التعامل مع هذا التُراث لما ينطوي عليه من أهمية.
ولتسليط الضوء على هذه المدينة من وجهة نظر مختلفة التقينا ابرز الشخصيات فيها وجعلنا رواية حكايتها بطريقة مختلفة.
اليك يا مدينة المحبة تحية ولك تنحي القبعة اعجابا
المصدر : https://wp.me/p70vFa-Ev4