بلغ حجم البيانات والمعلومات المنتجة عالمياً العام الماضي 16 زيتابايت، أي ما يعادل تريليون تيرابايت، وهو معدل يتجاوز كثيراً السعة التخزينية لوسائط التخزين التقليدية الحالية التي لم تعد قادرة على النمو بصورة تستوعب هذا النمو الهائل في حجم البيانات والمعلومات المنتجة عالمياً، وللوصول إلى حل لهذه المشكلة، بدأت العديد من الفرق العلمية تستكشف طرقاً جديدة للتخزين، ومن بين الجهود الجارية حالياً هناك ثلاثة مشروعات بحثية حققت بالفعل نتائج مهمة، تشمل مشروع التخزين على الأسطح الزجاجية، إضافة إلى التخزين على ذرات الملح «الكلور»، فضلاً عن التخزين على الحمض النووي.
وأوضح تقرير نشرته مجلة «نيتشر» العلمية العالمية، أن مشروع التخزين على الأسطح الزجاجية خماسية الأبعاد يعد بتخزين 360 تيرابايت لـ14 مليار عام، فيما التخزين على ذرات الملح يعد بتخزين 10 تيرابايت من البيانات في السنتيمتر المربع، بينما التخزين على الحمض النووي يعد بتخزين تريليون غيغابايت في المليمتر الواحد من الحمض لمدة 2000 عام.
الأسطح الزجاجية
ووفقاً للتقرير، يضطلع بمشروع التخزين على الأسطح الزجاجية فريق من الباحثين في مركز أبحاث الإلكترونيات الضوئية التابع لجامعة «ساوثهامبتون» في بريطانيا، حيث يستخدم الفريق طريقة لتشفير وتخزين المعلومات على قرص زجاجي خماسي الأبعاد، ذي حجم فائق الصغر «نانومتري»، ويتم تسجيل البيانات عليه باستخدام الليزر فائق السرعة يعمل بمقياس «الفيمتو ثانية».
وبحسب الفريق فإنه يتم تسجيل الوثائق باستخدام الليزر فائق السرعة، والذي ينتج نبضات قصيرة جداً ومكثفة من الضوء. وتتم كتابة الملف عبر ثلاث طبقات من النقاط ذات البنية «النانو مترية» التي تفصل بينها خمسة مايكرومتر، إذ إن المايكرومتر جزء من مليون من المتر، فيما تقوم البنية النانوية ذاتية التجميع بتغيير الطريقة التي يقطعها الضوء من خلال الزجاج، وتعمل على تعديل استقطاب الضوء بحيث يمكن قراءته بواسطة المجهر الضوئي والمرشح البصري، ويتم ترميز المعلومات في أبعاد تشمل الحجم والاتجاه، وشكل التموضع ثلاثي الأبعاد للبنية «النانو مترية».
وقال الباحثون إن هذه الطريقة في التخزين تجعل سعة القرص «النانومتري» خماسي الأبعاد 360 تيرابايت، كما تجعله قادراً على الاحتفاظ بالبيانات في الاجواء التي تصل فيها درجة الحرارة إلى 190 درجة مئوية.
ذرات الملح
أما مشروع التخزين على ذرات الملح فيقوم على هذا المشروع فريق من العلماء في جامعة «ديلفت» التكنولوجية بهولندا، حيث يحاول الفريق بناء شريحة ذاكرة بالغة الصغر لتخزين المعلومات والبيانات باستخدام ذرات «الكلور»، معتمداً في ذلك على الطبيعة الخاصة لذرات «الكلور» أو الملح، التي تجعل كثافة تخزين المعلومات فيها أكثر بمرتين أو ثلاثة في القيمة الأسية لتخزين الأقراص الصلبة الحالية أو شرائح الذاكرة الإلكترونية الحالية.
وحسب تقرير «نيتشر»، فإن الفريق يستخدم تقنية يطلق عليها «مجهر المسح النفقي»، وهي عبارة عن جهاز مزود بإبرة حادة تستكشف ذرات الكلور على السطح واحدة بعد أخرى، وتستطيع تحريك الذرات حول السطح، ومن ثم ترتيب ذرات الكلور في سلسلة من الشبكات المربعة الشبيهة بالأشجار على سطح النحاس، بحيث تحتوي كل شبكة على عدد قليل من الفتحات الفارغة التي يمكن للباحثين دفع ذرات «الكلور»، وتبديل وضعيتها في حالتين، ما يسمح لهم باستخدام كل حالة لتعبر عن الصفر والواحد المستخدمة في التخزين الرقمي.
ووفقاً لهذا التصور فإن ذرة «كلور» والفراغ المجاور لها، يمكن أن يعبرا عن بايت واحد من البيانات، وإذا استطاع الباحثون إنشاء بنية ثلاثية الأبعاد، فإن نظام ذرة «الكلور» يمكن أن يحمل مئات التيرابايت من البيانات على المكعب بحجم حبة الملح.
الحمض النووي
وبالنسبة لمشروع التخزين على الحمض النووي، فهناك جهات بارزة عاملة على المشروع، مثل مركز «مايكروسوفت» للأبحاث، والمعهد الفدرالي السويسري للتقنية في زيوريخ، إذ إن كلا الجانبين يستهدف حفظ البيانات الرقمية فترة طويلة بتوظيف جزيء «الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين».
وتنطلق هذه الفكرة من أن الحمض النووي كان هو الوسيلة التي خزنت بها الكائنات الحية كميات هائلة من معلومات المورثات المهمة، وهي البيانات الجينية التي تدعم كل صور الحياة على الأرض. وبسبب تلك الميزة سعى الباحثون إلى توظيف هذا الجزيء ليخزنوا عليه بيانات رقمية غير محدودة تخزيناً آمناً، ليحمل المعارف البشرية قروناً عدة.
وتتمثل القاعدة التي يقوم عليها المشروع في أن جدائل الحمض النووي تتضمن أزواجاً من التكوينات القاعدية المترابطة معاً، منهما الزوجان القاعديان المعروفان باسم «إيه» و«سي»، والزوجان القاعديان «جي» و«تي»، حيث يتعامل العلماء مع الزوجين «إيه» و«سي» على أنهما الصفر في عمليات التخزين، بينما الزوجان «جي» و«تي» يعدان الواحد في عمليات التخزين، مع بناء ودمج آلية لتصحيح الأخطاء تحسباً لتضرر الحمض النووي.
وطبقاً لتقديرات الباحثين العاملين بالمشروع فإن المليمتر المكعب الواحد من الحمض النووي يمكنه تخزين إكسابايت واحد، أي تريليون غيغابايت من البيانات، لمدة تتجاوز 2000 عام.