فتحت توجهات دولة الإمارات الاستراتيجية لاستخدام التقنيات والحلول المبنية على الذكاء الاصطناعي عيون العديد من الشركات العالمية على الدولة، بهدف مواكبة هذه التوجهات، عبر تقديم نماذج جديدة للنهوض بالأعمال، مقارنة بالأنظمة التقليدية والروتينية التي تكبد الشركات تكاليف طائلة.
قال مسؤولو شركات متخصصة في حلول الذكاء الاصطناعي ل «الخليج»: ينبغي العمل سريعاً على تبني حلول الذكاء الاصطناعي مواكبة للتطورات التي ستشهدها العديد من قطاعات الأعمال في المستوى المنظور، مشيرين إلى أن التأخر عن ذلك سيؤدي إلى خسائر مالية كبيرة، فضلاً عن ضياع فرص استثمارية جيدة.
وأوضح هؤلاء أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل إدخال البيانات وإدارتها والبيع والتسويق وخدمة العملاء والاستعانة بالأنظمة الروبوتية سيساهم في الوصول سريعاً إلى العملاء أو الأسواق المستهدفة بأقل العمليات التشغيلية، الأمر الذي يساهم في تخفيض التكاليف.
تغير طريقة سير الأعمال
قال أنوراج أجروال، المدير التنفيذي، كانون الشرق الأوسط: بات من الصعب الحديث عن تطور الأعمال دون التطرق إلى الذكاء الاصطناعي، حيث حقق هذا المجال الجديد نقلة نوعيّة في طريقة سير الأعمال، مقارنة بتلك التي سادت خلال القرون الماضية، ومن هذا المنطلق، سارعت دولة الإمارات إلى اتخاذ خطوة مبتكرة في هذا المجال تجسّدت في تعيين وزارة للذكاء الاصطناعي، لتبدأ بعض الدول الأخرى تحذوا حذوها.
وأضاف: تجلّت أهمية الذكاء الاصطناعي في استطلاع أجرته مؤسسة جارتنر للأبحاث في شهر يناير / كانون الثاني 2019 كشفت فيه عن تبنّي 37% من المؤسسات للذكاء الاصطناعي في جانب من جوانب عملها، في الوقت الذي صعدت فيه أهمية حلول تجارب العملاء إلى الواجهة بوصفها أكثر المجالات التي تعزز قيمة الشركات كونها تقدّم تجربة شخصية ومتينة.
أظهرت مؤخراً دراسة أجرتها شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصادي العالمي بحلول عام 2030، وتوقعت أن تصل حصة منطقة الشرق الأوسط من هذه الفوائد الثمينة إلى نحو 2% بواقع 320 مليار دولار، مع تحقيق الإمارات والسعودية لأكبر هذه المكاسب.
من السهل علينا إدراك سبب التعقيدات التي واجهت الشركات خلال العقد الماضي على الأقل، في كيفية الاستثمار في تقنيات قادرة على الاستمرارية في ظل ما يشهده قطاع الأعمال من وتيرة تطور تقني متسارعة، فقد عكفت المؤسسات في ذاك الوقت على إنفاق ميزانيات ضخمة للتقنيات الجديدة، ولم ترغب بأخذ خيار استبدال هذه التقنيات بالكامل في غضون 3 أعوام، لذلك جاء الذكاء الاصطناعي ليقدم حلولاً تقنية جديدة قادرة على مواكبة مشهد التطور بكل جوانبه.
فهم الذكاء الاصطناعي يعزز فرص توظيفه
قال أجروال: يجب على المؤسسات التعرّف عن كثب إلى جلّ المزايا الكامنة في الذكاء الاصطناعي وما يمكنه أن يضيفه على عملها إن أرادت تبنّيه في مجمل عملياتها.
وتوضح مؤسسة جارتنر في مخطط بياني بأن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى ما يتراوح بين عامين إلى 5 أعوام ليبلغ ذروته، وفي ظل اقترابنا اليوم أكثر من بلوغ هذه الذروة، بات من الأهمية بمكان التعرّف إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بمخرجات الأعمال.
وتابع: من المهم تجنّب إدخال تغيير جذري إلى مسار العمل، بل في المقابل، توظيف الذكاء الاصطناعي في سياقه وكمثال على ذلك؛ يمكن لشركة متخصصة في قطاع التجزئة أن تبدأ بتطبيق خدمة ذكية لفرز المتصلين بمركز خدمة العملاء، لضمان معرفة متطلبات المتصل وتوجيهه إلى موظف الخدمة المناسب.
تغيير أنظمة العمل
أكد أمير حسين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «سبارك كوجنيشن» أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستقود الإمارات إلى إعادة تشكيل العديد من جوانب الحياة، وصولاً إلى تغيير أنظمة العمل وكيفية التعامل مع أهم المشكلات وتحقيق تصور أفضل للمستقبل.
وأضاف، أن تخصيص الإمارات استراتيجية رسمية للذكاء الاصطناعي، يشير إلى تحقيق عوائد مالية متوقعة على الاقتصاد الكلي للإمارات بنحو 22 مليار درهم، فيما تؤكد الأبحاث التي أجرتها مؤسسة PwC الشرق الأوسط أن دولة الإمارات ستستفيد بشكل كبير من ثورة التكنولوجيا التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مع التوقّعات بأن يساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 320 مليار دولار (1.2 تريليون درهم)، أي ما يعادل 11٪ من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي بحلول عام 2030.
وأضاف حسين أن الإمارات سارعت لمواكبة التطورات المتسارعة عبر وضع استراتيجية للذكاء الاصطناعي واتخاذ القرارات السريعة لتنفيذها، بما يعود بالفائدة على قطاع الأعمال.
وأشار حسين إلى أن الإمارات تستعد لتكون واحدة من أكثر اللاعبين قدرة على المنافسة في السوق العالمية للذكاء الاصطناعي، وذلك بطرق مبتكرة، لكن بالنظر إلى الجهود الضخمة القائمة على قدم وساق، يمكن أن تكون الفرصة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير ونرى أن دولة الإمارات تمضي بسرعة وبخطى ثابتة لخوض غمار المستقبل.
وقال حسين إن شركة «سبارك كوجنيشن» في الإمارات تستهدف توظيف تقنيات وحلول الذكاء الاصطناعي قطاعات أبرزها: الطيران والنفط والغاز، أما في المستقبل، ستعمل الشركة على استكشاف الفرص المتاحة في قطاع الاتصالات، كما تتعاون الشركة مع وزارة الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت شركة SparkCognition مؤخراً عن افتتاح مقرها الإقليمي في الإمارات والإعلان عن العديد من الشراكات في الدولة.
تحقيق قفزات
بدوره قال ستيفان بارايسو، المدير التنفيذي لشركة أزور ديجيتال العالمية: بدون شك تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي سيتم العمل بها في دولة الإمارات، القدرة على مساعدة الشركات في القفز بالقيمة المقترحة عبر القنوات المتعددة، شريطة تنفيذها تنفيذاً صحيحاً، وبينما نتطلع نحو المستقبل، يمكننا بالفعل رؤية كيف بدأ الذكاء الاصطناعي في تغيير الطريقة التي نعيش بها وكيفية تفاعلنا سوياًَ كبشر، قد لا يُقدِّر الكثيرون منا مقدار الذكاء الاصطناعي المستخدم في خلفية كل عملية شراء نجريها عبر الإنترنت.
وفي ظل تحديات تزايد المنافسة والسلوكيات غير المنتظمة لعملاء المبيعات «متعددة القنوات»، بدأ لاعبو أنشطة البنوك والسفر وتجارة التجزئة في اعتناق فكر الذكاء الاصطناعي بحق.
وأضاف بارايسو، أن استراتيجيات مبيعات التجزئة المبنية على الذكاء الاصطناعي تلبي توقعات العملاء واحتياجاتهم بفاعلية وربحية، وذلك من خلال تخصيص رحلة العميل في الشراء، وصولًا إلى توفير المخزون بسلاسة من المستودع إلى باب العميل، حيث كشفت دراسة للتجارة الدولية أن 91٪ من المديرين التنفيذيين لشركات البيع بالتجزئة يعتقدون أن الحوسبة الإدراكية ستلعب دوراً ثورياً داخل الصناعة في المستقبل المنظور، مع اعتقاد 83٪ بأن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير حاسم في مستقبل أعمالهم.
وأشار بارايسو، إلى أن العلامات التجارية العالمية قد تحولت بالفعل إلى الذكاء الاصطناعي وهي تعزز بالفعل معدلات مشاركة العملاء، وتعمل على تحسين وتنسيق مليارات التفاعلات شهرياً عبر قنواتها التسويقية لتحديد الأنماط التي تؤدي إلى التفاعل وبالتالي المرور المؤهل في النهاية.
وقال بارايسو: استخدمت شركات حلاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي العميق لتحديد المشترين المستقبليين لأي عنصر يُروَّج له، حتى بدون وجود نوايا حديثة، حيث ساعد البرنامج في توليد إيرادات متزايدة فيما يخص المبيعات متعددة القنوات، ما يصل إلى 60٪ زيادة في المبيعات لكل بريد إلكتروني، من خلال الاستهداف والتخطيط الذكي للحملات.
فهم سلوكيات التسوق
يساعد الذكاء الاصطناعي على فهم سلوكيات التسوق للعملاء في المتاجر الفعلية من خلال الملاحظات المرئية وإفادات مندوبي المبيعات، وهو أمر يصعب تحقيقه عبر الإنترنت؛ حيث يختبئ الزوار خلف الشاشة وتكمن وراء بيانات «جوجل أناليتيكس» مجموعة كبيرة من سلوكيات العملاء والمسارات التي يجب فهمها من أجل إجراء خيارات التحسين المناسبة.
وقد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي أكثر فائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث سلوكيات العملاء أكثر صعوبة في التفسير، في ظل وجود مجتمع كبير من المغتربين وكذلك تنوع الثقافات.
353 ملياراً مساهمة الذكاء الاصطناعي في ناتج الإمارات 2030
يشير تقرير PwC الشرق الأوسط إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العام 2030، أي ما يعادل 96 مليار دولار (353 مليار درهم)، علماً أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي تبلغ نحو 15.7 تريليون دولار (57.8 تريليون درهم).
وقامت حكومة دولة الإمارات بتأسيس وزارة جديدة للذكاء الاصطناعي، واستثمر صندوق «مبادلة»، أكثر من 15 مليار دولار في شركة «سوفت بانك» اليابانية للذكاء الاصطناعي، وفي صندوق استثمار تكنولوجي مستقبلي، لتتمكن من الوصول إلى الشركات الناشئة والناشطة في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أطلقت الإمارات مبادرة ذكاء اصطناعي في مجال الحوكمة بهدف تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية بمقدار 100 ضعف ويكمن الهدف الرسمي من ذلك أن تصبح الدولة «عاصمة للذكاء الاصطناعي» من خلال توفير خدمات حكومية يدعمها الذكاء الاصطناعي.
التحول إلى ركيزة أساسية في منهجية العمل
أوضح أنوراج أجروال، المدير التنفيذي، كانون الشرق الأوسط أن الذكاء الاصطناعي يكتسب أهمية متصاعدة ويحفز قابلية المستثمرين العالميين، حيث تسعى الدول الأوروبية جاهدة لمواكبة وتيرة التحول المتسارعة في كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وأكد أن الشركات تحتاج لتبنّي الذكاء الاصطناعي على أكمل وجه إلى إدراك أنه لا يمكن اغتنام كامل إمكاناته بتوظيفه حسب الحاجة بدلاً من التعامل معه كركيزة أساسية في منهجية عملها وتحتاج المؤسسات إلى البحث عن فرص الابتكار في الذكاء الاصطناعي ضمن نسيج أعمالها بكافة تفاصيله، وليس فقط بإدخال التكنولوجيا، ويمكن القيام بذلك من خلال غرس ثقافة قادرة على استيعاب الذكاء الاصطناعي بين الكوادر البشرية. وعقب تبنّي الذكاء الاصطناعي بالشكل المطلوب، تحظى الشركات بفرصة لا تقتصر فوائدها على تحسين المنتجات والخدمات الراهنة، بل تصوغ محفظة جديدة من الخدمات.
تجهيز الأعمال للذكاء الاصطناعي
تمثل التكنولوجيا وجودة البيانات واستعداد فريق العمل المكونات الثلاثة الرئيسية لضمان الاستفادة من تقنيات وحلول الذكاء الاصطناعي بنجاح في الأعمال، وقد أدى صعود الحلول التقنية القائمة على السحابة إلى تحقيق الوصول إلى وظائف الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تحسن بشكل كبير من تفاعل العملاء عبر «القنوات المتعددة»، وبتكلفة أقل بكثير، كما يتطلب جني الفوائد الكاملة لهذه الحلول الاستعانة بمحللي البيانات الأكفاء والمهرة، ممن لديهم القدرة على اتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً على الرؤى المتوفرة.