في الوقت الذي يشتكي فيه صناعيون من دخول استثمارات سورية إلى السوق المحلية، ترى فاعليات اقتصادية أن دخول تلك الاستثمارات يحقق منافسة في السوق المحلية.
يشتكي صناعيون أردنيون من بدء مزاحمة مستثمرين سوريين لإقامة مصانع في المملكة دون وجود أي ضوابط أو محددات لذلك.
ويطالب هؤلاء بحماية الصناعة الوطنية التي تعاني أصلا ضغوطات بما فيها عدم وجود حماية جمركية وضرائب وغيرها، مشيرين إلى أن “السوق الأردني صغير ولا يتحمل منافسين جددا”.
وقالوا إن “فتح مصانع لمستثمرين سوريين يؤدي إلى إغلاق مصانع غير قادرة على المنافسة خصوصا مع الركود الاقتصادي الذي تعانيه القطاعات المختلفة”.
غير أن وزارة الصناعة والتجارة تؤكد أن جميع الاستثمارات التي تسجل في المملكة تخضع لأحكام القوانين المعمول بها في المملكة، ويطبق عليها النصوص الواردة في قانون تشجيع الاستثمار، ولا توجد امتيازات لأي مستثمر أجنبي على المستثمر المحلي.
وتؤكد الوزارة أنها أوعزت للجهات الرقابية المختصة متابعة أي استثمارات غير مرخصة.
في المقابل، تتحفظ كل من غرفتي صناعة وتجارة الأردن على دخول ما تقولان إنها “استثمارات سورية صغيرة غير منظمة لا يتم تسجيلها وفق القوانين الأردنية”.
بيد أنهما أكدتا أن دخول الاستثمارات السورية للأردن أمر مهم يوفر منافسة، إلا أنه لا بد أن تكون تلك الاستثمارات قانونية ومسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة.
وتشير إحدى الشركات المستثمرة في مدينة الملك عبدالله الثاني في سحاب في شكوى قدمتها لغرفة صناعة الأردن أن “مصانع سورية تقوم بنقل آلاتها من سورية إلى الأردن بسبب الأحداث هناك”، بحسب الشكوى التي انتقدت سماح الحكومة الأردنية بنقل المصانع السورية الى الأردن “مما يؤدي الى وجود منافسة غير متكافئة بين هذه الشركات وبين المستثمرين الموجودين أصلا منذ سنوات في السوق.
وقالت الشركة في شكواها إن “إنشاء مصانع لمستثمرين سوريين سيؤدي إلى تخفيض الأسعار لدخول السوق الأردني المحدود أصلا، مما يؤثر سلبا على أعمال الشركات الاردنية”. مشيرة الى أن “هذا الامر سيؤدي ايضا الى تسريح عمال يعملون في مصانع محلية”.
وألمحت الشركة إلى أن المصنع السوري لن يقوم بتوظيف عمال أردنيين بل سيقوم بنقل موظفيه المتخصصين من دمشق إلى عمان وستكون عمالة غير شرعية، ولن يستفيد الاقتصاد من مثل هذا المشروع.
ويقول مدير عام مؤسسة وصاحب مصنع “رولات تغليف” رجائي تادرس إن “مصانع سورية باتت تنتقل بآلاتها ومعداتها إلى الأردن، وتقوم بإنتاج سلع منافسة في الأردن”، مشيرا الى أن “هذه المصانع تبيع بأسعار أرخص بكثير من الصناعات الأردنية”.
ويضيف تادرس أن “السوق الأردنية تعتبر صغيرة وأن تزايد اعداد المستثمرين يقلل من حصة المصانع الأردنية من الربح، والتي تعاني اصلا من أعباء الضرائب والرسوم” .
ويقول تادرس الذي قدم أيضا شكوى إلى غرفة صناعة الاردن، إن “هناك منافسا لنا في سورية يقوم حاليا بتفكيك آلياته ونقلها إلى الأردن، علما بأن هذا النوع من الاستثمار هو تخريب لاقتصاد الأردن حيث إنهم لا يقومون بنقل صناعات غير موجودة، ولكن يقومون بنقل صناعات موجودة أساسا بالأردن منذ سنوات وصناعات تعاني بالأساس من منافسة حادة محليا ومن الدول المجاورة عن طريق السماح باستيراد من دول الخليج ومصر إلى الأردن تحت باب حرية التجارة العربية وبدون أي جمارك أو معوقات”.
وأكد على ضرورة إيقاف التخريب والدمار الاقتصادي الذي سيلحق بالمصانع الأردنية في حال السماح بنقل آلياتهم ومصالحهم إلى الأردن، حيث إن معظم هذه الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الأردن تعاني من قلة المنافسة غير العادلة أصلا بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة بالدول المجاورة، ولا نستطيع التصدير الى الدول المجاورة.
كما يرى مدير مصنع لإنتاج مواد غذائية المهندس مراد صبيح أن تأثير هذه المصانع سيكون على المدى البعيد، حيث أنه ستكون هناك منافسة مع المصانع الأردنية، إلا أن هذه المنافسة ستكون في السوق الأردنية الصغيرة والتي لا تحتمل وجود مصانع أخرى.
ويشير صبيح إلى أن “الصناعات الأردنية أصلا تعاني من منافسة السلع المستوردة والوضع الاقتصادي المتردي، ومع فتح المجال للمصانع السورية فإن هذا سيؤثر سلبا على الأردنيين”.
ويلمح إلى أن “هذه الاستثمارات لن تشكل إضافة كبيرة للاقتصاد الأردني، خصوصا أن احتمالات توظيف الأيدي العاملة المحلية لدى هذه المصانع ستكون أقل، فضلا عن أن أصحاب هذه المصانع سيقومون بتحويل جزء كبير من أرباحهم كحوالات إلى سورية”.
وكانت أرقام رسمية صادرة أخيرا عن دائرة مراقبة كانت قد أكدت ارتفاع عدد الشركات المسجلة لديها خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الحالي بنسبة 1 % مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ عدد الشركات الجديدة المسجلة 7262 ورؤوس أموالها المسجلة حوالي 220 مليون دينار.
وجاء في هذه النشرة زيادة في عدد المستثمرين غير الأردنيين خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الحالي وصلت نسبته 38 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث بلغ عددهم 1886 مستثمرا بإجمالي حصص بلغت حوالي 262 مليون دينار.
وبين التقرير وجود ارتفاع في عدد الشركات الأجنبية العاملة المسجلة خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الحالي
33 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
واحتل المستثمرون العراقيون وعددهم 717 مستثمرا، الترتيب الأول بما نسبته
38 % من إجمالي عدد المستثمرين الأجانب خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الحالي، وفي المركز الثاني المستثمرون السوريون، حيث بلغ عددهم 334 مستثمرا وبنسبة 18 %، فيما احتل المستثمرون الأميركيون المرتبة الثالثة بعدد بلغ 86 مستثمرا أميركيا وبنسبة 4 % من إجمالي عدد المستثمرين الأجانب.
رئيس غرفة صناعة الأردن أيمن حتاحت بدا مرحبا بدخول هذه الاستثمارات السورية للأردن ولكن بشكل منظم على أن تعامل هذه الصناعات معاملة الصناعات المحلية.
وقال إنه “لا بد من تنظيم أي استثمار أجنبي حسب الأصول وأن يأخذ التراخيص اللازمة ويعامل معاملة المصانع الأردنية”.
ويلفت إلى أن “الورش العشوائية” و”المصانع الصغيرة” يجب مراقبتها حتى لا تضر بالصناعة المحلية خاصة في الظروف الحالية، ويجب أن يكون عليها رقابة مشددة ويتم محاصرتها، وهذا على عكس رؤوس الأموال المسجلة التي تأتي باستثمارات للبلد وبفائدة على الاقتصاد المحلي.
رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي كان أيضا مؤيدا لدخول الاستثمارات السورية للسوق خصوصا أنها تخلق منافسة وتحرك السوق، لكن شريطة أن تكون هذه الاستثمارات قانونية ومسجلة وتكون برؤوس أموال كبيرة تدعم الاقتصاد الوطني ولا تضره. ويقول الكباريتي إن “التجارة والصناعة لا تنمو ولا تتطور إلا إذا كانت هناك منافسة وخبرات جديدة تفيد وتستفيد”.
ويستذكر الكباريتي “تجربة دخول العراقيين في السوق الأردني” حيث يشير الى أنّ التجار العراقيين ساهمو بتحريك السوق وبإحداث نهضة في التجارة الأردنية، مشيرا الى أنّه كان هناك تخوف عند دخولهم للأردن من قبل التجار الأردنيين إلا أنه اتضح فيما بعد أنهم ساهموا بتطوير القطاعات وخلق منافسة من شأنها أن تنهض بهذه القطاعات.
ويؤكد الكباريتي أن “دخول تجار أصحاب رؤوس أموال للسوق سيساهم بتحريك السوق وخلق منافسة وإفادة الصناعات المحلية خصوصا أنّ الصناعات السورية لها خبرة في كثير من القطاعات”، مشيرا إلى أن “دخولهم قد يساهم بإحداث نهضة حقيقية في التجارة المحلية خصوصا إذا تم فتح أسواق خارجية وتصدير البضائع عليها”.
ويؤكد الكباريتي أن “الشرط الرئيسي في دخول التجار السوريين أن يكونوا ملتزمين بالقوانين والتعليمات الأردنية ويتم دخولهم على أساس واضح وقانوني بحيث يكون هناك شركات واستثمارات مسجلة ومعروفة”.
ويشير الكباريتي إلى أن دخول “أصحاب بسطات” و”مهربي سلع سورية” لا يعني بالضرورة بأن تجارة سورية دخلت البلد وأن مثل هذه التصرفات تضر بالتجار الأردنيين والاقتصاد لكن دخول تجار ورؤوس أموال كبيرة للبلد سينشط الاقتصاد خصوصا على المدى المتوسط والبعيد.
وزارة الصناعة والتجارة أكدت أنّ “جميع الاستثمارات التي تسجل في المملكة تخضع لأحكام وقوانين الأردن ويطبق عليها النصوص الواردة في قانون تشجيع الاستثمار ولا يوجد امتيازات لأي مستثمر أجنبي على المستثمر المحلي”.
وقال المستشار الإعلامي لوزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي “إنّ الوزارة أوعزت للجهات الرقابية التابعة لوزارة تكثيف الرقابة والتحقق من وجود مشاغل غير مرخصة والتي تنتج بعض السلع وتبيعها في السوق المحلي”.
كما أنّ الوزارة تطالب المواطنين وأي جهة لديها معلومات بالإبلاغ عن مثل هذه الحالات حتى يتم التعامل معها وفق القانون.