وأكثر ما يثير قلق الخبراء ذلك الأمر الذي يتعلق بتراكمات خدمة الدين العام وتأثير تنامي مستوى الدين على نسب النمو الاقتصادي التي اتسمت بالضعف خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وارتفعت مديونية الأردن بنسبة
17.3 % خلال الأشهر الثمانية الماضية من العام الحالي لتسجل 15.7 مليار دينارمقابل 13.4 مليار دينار في نهاية العام الماضي 2011. وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية
70.8 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي وهو ما يحدث لأول مرة منذ العام 2006.
وقال الخبراء إن “ارتفاع الدين العام نسبة الى الناتج المحلي سيهدد النمو الاقتصادي وسيرفع من حجم البطالة ما يؤدي الى ارتفاع معدل الفقر في المملكة”.
وأكدوا أن الحلول ستكون “صعبة” في حال تم الاعتماد على الاقتراض الاجنبي.
ومن الجدير بالذكر أن مجلس الوزراء اتخذ في مطلع العام 2009 قرارا بتأجيل العمل بقانون الدين العام الذي يحدد سقفاً للمديونية عند 60 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وحين كان وزير المالية في تلك الحكومة أبدى شهيته للتوسع في الاقتراض تقدم في أول أيامه من دخول الوزارة بتنسيب لمجلس الوزراء لتأجيل العمل بقانون الدين العام الذي كان ساري المفعول بقرار من الحكومة السابقة.
وأكد الخبير الاقتصادي منير حمارنة أن ارتفاع مديونية الأردن إلى هذا الحد سيهدد التطور الاقتصادي الاردني ولن يفتح المجال لجلب استثمارات جديدة سواء أكانت داخلية أو خارجية كما يعمل على تهديد الجانب الاجتماعي في المملكة.
وبين حمارنة أن التعامل مع الدين العام على المستوى القصير والمتوسط؛ مسألة مرتبطة بإعادة النظر بالسياسة الاقتصادية، من خلال تخفيض الانفاق العام، ووقف الدعم الحكومي عن المؤسسات المستقلة، وإعادة النظر بالسياسات الضريبية الحالية والعودة الى الضريبة المباشرة التي من شأنها تخفيف الضرائب عن القطاع الزراعي ومؤسسات الانتاج الصغيرة والمتوسطة.
واقترح حمارنة على الحكومة المقبلة، وضع اسس جديدة لخطة اقتصادية، يكون فيها فرصة شراكة بين القطاع العام والخاص، والتراجع عن اجراءات “الخصخصة” بشكل عام، وفي حال تعذرت تلك الحلول؛ العمل على رفع الضرائب على القطاعات التي تم “خصخصتها”.
وعلى صعيد متصل قال الخبير الاقتصادي مفلح عقل إن “الموارد المستخرجة من اراضي المملكة تذهب لتسديد جزء من مديونية الأردن ما يؤدي الى اضعاف الاستثمار المحلي والتأثيرعلى استقرار الاقتصاد الأردني”.
وأشار عقل إلى أن الحلول لتخفيض مديونية الأردن ستكون “صعبة” مضيفاً أن عملية التكيف الاقتصادي ستكون مكلفة وستؤثر على النمو الاقتصادي وفي حال تم الاعتماد على الاقتراض الاجنبي سيؤدي الى مزيد من التضخم”.
وأوضح عقل أن ارتفاع الدين العام المستمر لن يحل إلا باعداد خطة طويلة الامد مدتها 10 سنوات من شأنها التركيز على ترشيد الاستهلاك وتشجيع الاستثمار لزيادة الانتاج المحلي واعادة النظر بكافة بنود الموازنة.
بدوره؛ قال وزير الصناعة والتجارة السابق سامي قمو لـ”الغد” إن “ارتفاع نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي الذي تخطى حاجز 70 % ما يزال “مقبولاً” في حال لم يتخط الـ75 % مقارنة بالدول المتقدمة اقتصادياً وفي حال ارتفعت النسبة سيكون هنالك آثار سلبية على الجوانب الاقتصادية الأردنية.
وقالت وزارة المالية الأردنية إن الارتفاع بصافي المديونية جاء بصورة رئيسية في ظل ارتفاع رصيد صافي الدين العام الداخلي الذي ارتفع من حوالي 8.9 مليار دينار بنهاية 2011 ليصل إلى 10.9 مليار دينار بنهاية شهر آب (أغسطس) من العام 2012 مسجلا ارتفاعا بواقع (2033 ) مليون دينار وبنسبة ارتفاع بلغت نحو22.8 %.
واشار قمو الى ضرورة اعادة النظر ببنود الموازنة العامة من قبل الحكومة المقبلة واعادة تنظيمها، مؤكداً بانه” اذا كان الاقتراض بغرض انشاء اسثمارات بمشاريع انتاجية محلية، لا خوف منه، اما اذا كان هدف الاقتراض بهدف صرف النفقات الجارية هنا تبدأ المخاوف على الحياة الاقتصادية الأردنية”.
واقترح قمو على الحكومة المقبلة، اعادة النظر في كافة المواردة المحلية في القطاعين العام والخاص، دراسة قانون ضريبة الدخل من جديد لجذب الاستثمارات الخارجية من خلال عرض خريطة استثمار واضحة اما المستثمر الخارجي، والابتعاد عن الاستثمار”التفاخري” والفردي غير المنضبط على مستوى المواطن والحكومة. وارتفع الإنفاق العام الحكومي 5.7 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2012 ليصل إلى 4.03 مليار دينار مقارنة بـ3.8 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام 2011.
وذكرت البيانات أن الارتفاع في الإنفاق العام الحكومي جاء بصورة رئيسية في الانفاق الجاري الحكومي الذي ارتفع من 3.4 مليار دينار بنهاية أغسطس 2011 إلى نحو 3.6 مليار دينار في نهاية أغسطس الماضي فيما بلغ الانفاق الرأسمالي خلال الفترة ذاتها نحو 360.8 مليون دينار. وبلغ إجمالي الإيرادات العامة خلال فترة الثمانية أشهر الأولى من هذا العام نحو 3.17 مليار دينار منها حوالي 3.14 مليار حصيلة الإيرادات المحلية بشقيّها الضريبية وغير الضريبية خلال الفترة ذاتها فيما لم تتجاوز قيمة المقبوضات من المنح والمساعدات الخارجية لدعم الموازنة العامة خلال فترة الثمانية أشهر الأولى من هذا العام سوى 25.2 مليون دينار مقابل نحو 1046 مليون دينار بنهاية الفترة المماثلة من العام 2011.