تشكل تقنيات الشبكات الذكية المتقدمة عنصراً محورياً في تعزيز التحول في مجال الطاقة وموثوقية النظام، حيث تشير التوقعات إلى الحاجة إلى مضاعفة الاستثمارات إلى 600 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
وفي أحدث تقرير لها، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن نجاح التحول يعتمد على تحويل مختلف جوانب نظام الطاقة، بما في ذلك محطات توليد الكهرباء، وأنظمة النقل والتوزيع، وممارسات المستهلكين.
يأتي ذلك في الوقت الذي توقع فيه مركز أبحاث الطاقة أن تتضاعف الاستثمارات الإجمالية في الشبكات الذكية سنويًا حتى عام 2030 من 300 مليار دولار حاليًا.
يسعى العالم إلى التحول من أنظمة الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري إلى مصادر متجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية. ويستند هذا التحول العالمي، المعروف باسم التحول في مجال الطاقة، إلى التزامات كبرى مثل اتفاق باريس، الذي يستهدف تحقيق انبعاثات كربونية صافية صفرية بحلول عام 2050.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في التقرير: “إن التحول إلى الطاقة النظيفة يزيد الطلب على الكهرباء ويتطلب المزيد من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مما يضغط على شبكات الطاقة. ويمكن لتقنيات الشبكة الذكية إدارة هذا التحول، وتقليل الحاجة إلى البنية التحتية الجديدة المكلفة، وتحسين مرونة الشبكة وموثوقيتها”.
وأضافت: “في السعي إلى تحقيق قطاع طاقة أنظف، تشكل تقنيات الشبكة الذكية أهمية محورية في تحديث الشبكة التي تعاني من زيادة الحمل باستمرار. كما ستسمح التقنيات الرقمية بدمج حصص متزايدة باستمرار من مصادر الطاقة المتجددة من مصادر متعددة، وإشراك المستخدمين النهائيين بشكل أكبر حتى يتمكنوا من تحسين كفاءة الطاقة والحد من الانبعاثات”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أشار تقرير بحثي أعده خبراء في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية إلى أن الشبكات الذكية يمكن أن تحدث ثورة في أنظمة إدارة الطاقة الحالية في المملكة.
وبحسب هؤلاء الباحثين، فإن مثل هذه الشبكات يمكن أن تعزز تكامل مصادر الطاقة المتجددة في شبكة الكهرباء من خلال تمكين معاملات الطاقة بشكل أفضل وضمان إمدادات موثوقة.
وفي الوقت نفسه، تحقق المملكة العربية السعودية تقدماً مطرداً في تطوير الشبكات الذكية حيث تهدف المملكة إلى تحقيق أهدافها المتعلقة بالصافي الصفري بحلول عام 2060.
وفي فبراير/شباط، قال بيتر تيريم، الرئيس التنفيذي لشركة ENOWA، وهي شركة تابعة لشركة نيوم للمياه والكهرباء، لصحيفة عرب نيوز إن الشركة طورت مخططًا لأول شبكة ذكية متجددة عالية الجهد في العالم.
وأوضح تيريم أن الشبكة الذكية ستمكن شركة ENOWA من تزويد منطقة نيوم بالكهرباء المتجددة بنسبة 100% مع تقليل بصمة الممر بنسبة 50%.
وأشار إلى أن مبدأ الشبكات الذكية بسيط، إذ يتم استخدامها تقليدياً على نطاق صغير في المباني.
الابتكار الرقمي
وتؤكد وكالة الطاقة الدولية أن قياس الابتكار الرقمي في قطاع الطاقة أمر بالغ الأهمية لتتبع السياسات وتحسينها وتنفيذها لتشكيل عملية التحول الرقمي بشكل فعال.
وأكد التقرير أن قياس الابتكار يعد أمرا صعبا بسبب عدم وجود مقاييس موحدة، حيث تعد طلبات براءات الاختراع أفضل طريقة لقياس التقدم في هذا القطاع.
وفي هذا المشهد سريع التطور، تعمل بيانات براءات الاختراع كمقياس بديل للاستثمار في الابتكار، وتقدم رؤى قيمة حول البراعة الفكرية والاستراتيجيات التنافسية للأشخاص والمنظمات التي تسعى جاهدة لإعادة تعريف كيفية توليد ونقل واستخدام الطاقة الكهربائية في العصر الرقمي”.
وكشفت الهيئة العالمية أنه بين عامي 2000 و2023، تم تقديم 16 ألف عائلة براءة اختراع دولية تتعلق بالشبكات الذكية، وهو ما يمثل 0.2% من إجمالي براءات الاختراع الدولية عبر جميع التقنيات.
وأضاف التقرير أن عام 2011 “شهد ذروة في ابتكارات الشبكات الذكية مع إنتاج 2000 اختراع فريد، وهو ما يمثل 11% من ابتكارات قطاع الطاقة. وبعد فترة من التراجع، ارتفعت الحصة النسبية لابتكارات الشبكات الذكية إلى 13% في عام 2022، بما يتماشى مع مسار سيناريو الوكالة الدولية للطاقة “صافي صفر بحلول عام 2050”.
وأشارت الوكالة إلى أن أعلى نسب براءات الاختراع في قطاع الشبكات الذكية تركز على الأنظمة التي تدعم التوافق بين المركبات الكهربائية أو الهجينة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا طلبات براءات اختراع مهمة في أنظمة الاستجابة للطلب وتقنيات وحدات تخزين الطاقة.
توزيع جغرافي
سيطرت منطقة شرق آسيا على ابتكارات الشبكات الذكية من عام 2017 إلى عام 2021، حيث مثلت أكثر من نصف الابتكارات في مجال الشبكات الذكية. ومنذ عام 2007، كانت المنطقة رائدة على مستوى العالم باستمرار، حيث تقاسمت أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية بقية الابتكارات في مجال الشبكات الذكية، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
“في العقدين الماضيين، كان هناك انتقال من أوروبا والأمريكيتين باعتبارهما المصادر الرئيسية للابتكار في الشبكات الذكية إلى آسيا التي تتولى دورًا أكثر بروزًا في هذا المجال”، كما ذكر التقرير.
وأضافت: “لقد شهدت أمريكا الشمالية ذروة حصتها من ابتكارات الشبكات الذكية في الفترة ما بين عامي 2002 و2006، ولكنها أنتجت باستمرار أقل من ثلث براءات اختراع الشبكات الذكية العالمية خلال السنوات المتبقية”.
وكشف التقرير أن ربع المشاريع المبتكرة لشبكات الطاقة الذكية المسجلة خلال العقد الماضي جاءت من مخترعين في اليابان، مع حصة متساوية تقريبا جاءت من مبتكرين في الولايات المتحدة.
وأضافت وكالة الطاقة الدولية أن النصف المتبقي من التسجيلات جاء من مستثمرين مقيمين في الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية.
وفي تقرير منفصل صدر في مايو/أيار، سلطت وكالة الطاقة الدولية الضوء على أن التخطيط الحضري والتحول الرقمي والاستثمار في الشبكة يمكن أن يساعد المدن في إدارة آثار تغير المناخ والطلب المتزايد على الطاقة.
وفي ذلك التقرير، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن “خفض الانبعاثات في المدن أمر ضروري لكي يتمكن العالم من تحقيق أهدافه المتعلقة بالطاقة والمناخ – ويمكن للحلول الرقمية التي تدير أنماط الاستهلاك وتحسن البنية التحتية أن تلعب دوراً هاماً”.
وأكدت وكالة الطاقة أن وتيرة نشر التقنيات الرقمية في قطاع الطاقة ستعتمد بشكل كبير على القدرة على بناء قوة عاملة ماهرة.