مجلة مال واعمال

وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي

-

بقلم: د.خالد بني هاني

بالرغم من التقبّل الكبير والفهم الذي شهده ميدان الأمراض العقلية خلال السنوات الأخيرة إلا أنّ الشعور بالوصمة الاجتماعية إثر الإصابة بمرض عقلي لا يزال مُلازماً للمريض نتيجةً لقصور إدراك المجتمع فيما يتعلق بالأمراض العقليّة.
• ما هي وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي؟
تنقسم وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي أو الـ Mental Health Stigma إلى قسمين رئيسيين:
وصمة العار الاجتماعية: ويقصد بها جميع السلوكيات المتحيّزة والتصرّفات العنصرية الموجّهة ضدّ الأشخاص الذين يعانون من المشاكل النفسية أيًّا كانت درجتها أو نوعها.
وصمة العار الشخصية: وهي ما يشعر به الشخص المصاب الذي يعاني من اضطرابات نفسية اتجاه مرضه أو مشكلته النفسية. حيث تؤثر هذه الوصمة بشكل كبير على مشاعر الشخص من حرج وخوف، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع النتائج المرجوّة من العلاج.
• ما هي آثار وصمة العار للمرض النفسي؟
سواءً كانت وصمة العار هذه شخصية من المصاب نفسه أو اجتماعية من الآخرين حوله، فهي في كلتا الحالتين تعود بنتائج سلبية للغاية على الشخص المصاب، نذكر منها ما يلي: العزوف عن البحث عن علاج والالتزام به.

انعدام التفهّم من قبل أفراد العائلة، الأصدقاء، أو الزملاء في العمل. تراجع الفرص المتاحة للشخص المصاب، سواءً كانت فرص عمل أو دراسة أو فرص المشاركة في النشاطات الاجتماعية أو حتى فرصة الحصول على سكن مناسب.

التعرّض للتنمر، العنف الجسدي أو المضايقات والإزعاج. الصعوبات المادية نظرًا لأن أغلب برامج التأمين لا تغطّي علاج الأمراض النفسية. فقدان الثقة والأمل في أن تتحسّن الأمور أو في أن يتمكّن الشخص المصاب نفسه من التعافي والتغلّب على مختلف التحديّات التي تواجهه.

•لماذا ترتبط وصمة العار بالأمراض النفسية وليس الجسدية؟
لا يجب تعريف الناس من خلال أمراضهم، سواء كانت جسدية أو نفسية. غالباً ما نسمع أحدهم يقول: “مرض السكّري يسري في عائلتنا”، أو “لدينا تاريخ من أمراض القلب في عائلتنا”. لكنّ نادراً ما يُقال إن المرض النفسي يسري في عائلتنا. وكما يمكن لشجرة عائلتنا أن تعطينا جسماً غير صحي، يمكن أن تعطينا أيضاً عقلاً غير صحي. وكما نتقبّل أن نرث أمراضاً مثل السرطان والقلب والسكري، علينا تقبّل وراثة الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام أو غيرهما من الأمراض النفسية. لا ينبغي أن نخجل من الاستعداد الوراثي للأمراض العقلية، ولا ينبغي أن تكون هناك وصمة عار مرتبطة بها.
•ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها للتعامل مع الوصمة الاجتماعية للأمراض العقليّة؟
1- تذكر المريض بأنّه ليس الشخص الوحيد الذي يعاني من مرضٍ عقلي: قد يتأقلم الكثير من الأشخاص مع فكرة إصابتهم بمرضٍ عقلي كالاكتئاب والقلق وإدمان المخدرات وغير ذلك من مشاكل الصحة العقلية الشائعة في المجتمع.
2- طلب المساعدة: لا يتلقى الكثير من الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية العناية الطبية اللازمة حتى اليوم ويعود السبب في ذلك نوعاً ما إلى الشعور بالوصمّة الاجتماعية المصاحبة لطلب المساعدة. ويجدر بالذكر أن الأمراض العقلية لا تختلف عن أيّ مرضٍ آخر يستلزم المعالجة تحقيقاً للشفاء، إذ كلّما بدأت المعالجة بوقتٍ مبكر كلما كان الشفاء أسرع، وبالتالي يتحتم على المريض طلب المساعدة من الآخرين دون خوف.
3- التفاؤل والتذكر بأن العلاج مفيد دوماً: تتوفر الأدوية الآمنة والناجحة وطرق المعالجة النفسيّة والاجتماعية أيضاً، كما أنّ هناك طرق علاجية مستحدثة قيد التطوير، وبالتالي ينعم معظم الأشخاص المصابين بأمراضٍ عقلية بحياةٍ كريمة مع ذويّهم في المجتمع.
4- لا تعزل نفسك عن الآخرين إن كنت تعاني من إحدى الاضطرابات النفسية، فقد تميل إلى العزلة والابتعاد عن أصدقائك وعائلتك، بل قد تجد أنّه من الأفضل ألاّ تخبرهم شيئًا عن حالتك. لكن تصرّفك هذا ليس صحيحًا تمامًا فمثل هؤلاء الأشخاص قد يكونون مصدر دعم معنوي مفيد للغاية. ليس عليك أن تنشر خبر إصابتك بمرض نفسي في كلّ الجرائد اليومية بالطبع! لكن احرص على إخبار عدد من الأشخاص المقرّبين منك ممّن تثق بهم حتى يقدّموا لك الدعم اللازم عند الحاجة
5- لا تساوي نفسك بمرضك أحسن استخدام الكلمات للتعبير عن مرضك أو الاضطراب النفسي الذي تعاني منه، ولا تساوي نفسك بالمرض الذي تعاني منه، بدلاً من القول: “أنا مكتئب”، استخدم جملة: “أنا أعاني من الاكتئاب”. تذكّر …أنت لست مرضك، وإنما أنت تعاني من أعراض أو اضطراب منفصل تمامًا عنك، ويمكن أن يختفي مع العلاج.
6- انضمّ إلى جماعات دعم هنالك العديد من المراكز والجماعات المحلية أو الدولية التي تقدّم برامج دعم للمصابين بالأمراض والاضطرابات النفسية. اختر من هذه المراكز ما تراه مناسبًا لك، واحرص على زيارتها بشكل دوري وحضور الاجتماعات أو الفعاليات التي تعقدها، سواءً للتثقيف حول حالتك المرضية أو لتقديم المشورة أو للتعرف على أشخاص آخرين يعانون من مشكلات مماثلة.
عادة ما لا نصنّف أي شخص مصاب بداء السكري أو نصوره بطريقة نمطيّة وسلبية، لكن نميل إلى القيام بذلك عندما يعاني شخص ما من مرض نفسي مثل الاكتئاب. في الحالتين، هناك خلل في الجسم. لذلك، يجب علينا تغيير طريقة تفكيرنا حول المرض العقلي.
وبدلاً من النظر إليه على أنه عيب أو ضعف، نحتاج إلى إعادة صياغة أفكارنا.
أولئك الذين يعانون من مرض عقلي يعانون من خلل وظيفي، مثل أي شخص يعاني من مرض جسدي.

مجله مال واعمال النسخة الورقية العدد 171