بحث خبراء واختصاصيون ماليون خلال فعاليات منتدى التنافسية في دورته التاسعة الخدمات المالية وإمكانيات نجاح الابتكار في ظل استقرار التمويل، خاصة وأن الابتكار في شكل مشتقات معقدة كان سببا رئيسيا من أسباب الأزمة المالية لعام ٢٠٠٨، ومدى امكانية تركيز الخدمات المالية على العمليات المصرفية المعتادة ومدى امكانية التمويل مبتكر ومستقر على حد سواء.
وقال فهد السيف مدير عام الخدمات المصرفية العالمية والأسواق والبنك السعودي البريطاني إن الطريقة المبدعة للتعامل مع الأخطار تتطلب المزيد من التشريعات المالية والربط بين القطاعات والاستثمارات وأن يكون هناك ابتكار يشجع على الابداع المالي ليتم الاستفادة من التشريعات، خاصة وأن البنوك في السعودية لديها رأس مال جيد، والمستثمر يبحث عن فرصة، معتقدا أن جميع التشريعات في المصرفيات وصلت إلى مستوى عال جدا لأى خدمة في الجوانب المصرفية.
وزاد فهد السيف أن الخدمات المالية يجب أن تفهم التحديات وأن تدرس كيفية مجابهتها، الأمر الذي يستوجب أن ننوع فرص الاستثمار في المملكة، ووافقه الرأي السفير فورد فراكر رئيس مجلس الادارة ميريل لينتش وزاد أن السوق يحتاج إلى ابداع بشكل خاص وتنمية وتطوير.
فيما لفت تشارلز بريدو رئيس الأعمال المؤسسية في أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا وفي شركة بلاك روك إلى أن سعر البترول وعدم الوثوق في المناخ السياسي من أهم معاضل الخدمات المالية، مضيفا أن المستثمر يحرص على الشفافية والحوكمة، مستبشرا بالسوق في المجمل واصفاً أياه بالايجابي على المستوى المتوسط، ولديه أفكار جديدة ومتجددة، كما أن وجود البنوك في هذه الحالة وتطور التقنية سيسهل دخول الأموال وستأثر على الخدمات التي نراها.
وأضاف سامي كايلو رئيس مجلس الادارة والمجلس التنفيذي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مورجان ستانلي على أنه هناك اجراءات منع المخاطرة وليست موجودة في الميزانيات أو متوازنة بشكل كبير، كما أن الاوضاع القاسية أدت إلى حوكمة المالية نتج عنها إشراف مشدد جعلها أفضل حال من قبل عشرة أعوام مما جعل هناك فرص ضخمة في المملكة.
وقال سامي: يجب أن تعمق السيولة ونذهب إلى قطاعات جديدة بعيدا عن البترول وأن نجتذب مستثمرين جددا، فالمملكة حقيقة تسير على الطريق الصحيح والارباح والعوائد في استثمارات المملكة عالية ويجب أن نركز عليها، الأمر الذي يدلل على ذلك تطورالمملكة وبشكل مستمر وهو الأهم، فالحكومة السعودية تعمل جاهدة على تطوير هذا السوق وتسهل الأمور على المستثمر ليفهم المطلوب ما يحتاجه المواطن.
التعليم مفتاح الاقتصاد
من جانبه أشاد وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى في كلمته بجهود المنتدى في تمثل النموذج الحقيقي للحراك المعرفي والاقتصادي في المملكة لتعزيز النمو والإعمار المستمر محلياً وإقليمياً وعالمياً.
وبين العيسى سعي حكومة المملكة لإحداث تحول وطني مدروس في اقتصادها وبرامج عملها، وبحسب تأكيداته فإن هذا التحول يعتمد على فكر معرفي يؤمن بالإنسان وقدرته ومهاراته ومستوى تعليمه ليسهم في تحويل اقتصادها من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، إلى اقتصاد يعتمد على العقول المهارة، والاعتماد على المصادر الآمنة والموثوقة والبرامج والمشروعات المعززة للفرص الاستثمارية والمولدة للفرص الوظيفية.
ولفت العيسى إلى أن هذا السعي يأتي منسجماً مع مستجدات العصر ويتواكب مع متطلبات المستقبل ومع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية، ويتلاءم مع الأزمات الاقتصادية، كالأزمة التي تمر بها دول العالم والتي تعتبر في تقديره منعطفاً طبيعياً للمجتمعات والدول في الدورات الاقتصادية.
وبين العيسى أن دور مؤسسات التعليم العالي والتعليم العام والفني تمثل رافداً حقيقياً للاقتصاد المختلف المعتمد على الطاقات البشرية المبدعة والمنتجة والقادرة على مواجهة المتغيرات في سوق العمل وتحقيق النجاح في كافة مناحي الحياة العامة والخاصة، مضيفاً: “لا شك أن قيادتنا السامية تدرك أن التحولات التي تعيشها الأمم في الزمن الحالي ليست سهلة ولا يسيرة ولكنها ليست صعبة أو مستحيلة، حيث إن تقدم الأمن ونمو اقتصادها ونهوض أبنائها وقدراتها ومنتجاتها لن تكون بسبب ضربة حظ، ولن تحققه أمنيات الكسالى ولا أحلام المتقاعسين، بل تأتي بعد توفيق الله تجسيداً للعمل الدؤوب في تقوية مؤسسات إعداد الإنسان وتأهيله وتدريبه ورفع مستواه، وكذلك الاهتمام بالموهوبين والمبدعين ورعايتهم وتمكينهم، ويضاف إلى ذلك جهود الأقوياء والمثابرين من أصحاب العقول المخططة والمنتجة ممن يعتنون بالخبرة التخصصية ويجعلون البحث والنظر والتجريب نصيب أعينهم”.
وأشار العيسى إلى أن تلك الأمم تحولت إلى مجتمعات ترتقي بالمعرفة وتسهم بها في رقي الإنسان وتجدد حضارته وتنوع ثقافاته، ووفقا لذلك تدرك المملكة أهمية تطوير رأس المال البشري ليكون اللبنة الرئيسية في تطوير المؤسسة الحكومية وتطوير القطاع الخاص وقيامه بالكثير من الأدوار الاقتصادية والتنموية بشكل مستمر أو بالشراكة مع الدولة وأهمية دوره في تشغيل المؤسسات الاقتصادية المتوسطة والصغيرة، وفي تعزيز التصنيع والتصدير، كما تدرك أيضاً أهمية اعتبار المعرفة والتقنية مكونات أساسية وليست هامشية في بناء الدولة الحديثة والاقتصاد المعرفي، وفي سبيل تعزيز القدرة التنافسية، حيث لا بد من الإسهام في إنتاجها والانتفاع منها ومن خدماتها الدقيقة في شتى مناحي الاقتصاد والحياة الاجتماعية.
وأكد الوزير العيسى أن الحمل الذي تنوط به وزارة التعليم في إعداد الإنسان أو رأس المال البشري يعد حملاً ثقيلاً جداً، ويتطلب المزيد من العمل المتواصل لتعزيز عناصر النجاح وتقويم ما يتطلب التقويم، والانفتاح على النجاحات العالمية والاستفادة منها، مبيناً أن الوزارة تعمل من خلال ثلاث توجهات أساسية لإصلاح منظومة التعليم للوصول للطالب المثالي، يشارك في تنمية المجتمع ووطنه، أولا باعتبار التعليم وكافة محتوياته ثروة الوطن الأولى، والأداة الرئيسة لتطوير جميع مناهج الحياة، للحاق بالدول المتقدمة والوصول لمجتمع المعرفة بالإضافة إلى التأكيد على أن رفع جودة التعليم سيعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على النمو المستدام وسيزيد في الناتج المحلي بنسب كبيرة وسيقلل البطالة وأضاف أن التوجه الثالث يتمثل في ضرورة إعادة الاعتبار لمهنة التعليم وتخصيص نسبة كبيرة من جهود تطوير التعليم في إعداده واختياره وتعليمه وتحفيزه وتقييمه وزيادة ولائه وانتمائه للمهنة.
وقال: “في سبيل تحقيق هذه الغاية يجب أن تتركز الجهود على تطوير عناصر العملية التعليمية ومكوناتها بحيث يتم التركيز في المنهج على عمليات التعلم لا التعليم، والنهوض بالمستويات العليا من المعرفة لترتقي بمهارات التحليل والتطوير، وكذلك التفكير الناقد لحل المشكلات، وتشجيع الإبداع وربط التعليم بالحياة وبمهارات القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى ذلك هناك توجه لتطوير خبرات المعلمين من خلال التدريب في مؤسسات تربوية دولية ليكتسبوا المزيد من المهارات الأساسية في طرق التدريس وفي قدرتهم على تنويع مصادر التعلم”.
وشدد العيسى في كلمته على تبيان حرص الوزارة لتطوير البيئة التعليمية وإزدهارها وتوفير التجهيزات المناسبة لها بما يراعي اختلاف الاهتمامات وتنوعها، مشيراً إلى أنه مع رفع مستوى الخدمات المقدمة للطلاب، ستعمل الوزارة على توظيف التقنية من خلال توظيف التعلم الالكتروني ودمج التقنية بالتعليم بما يهيء لمجتمع أصبح يعتمد بشكل كبير على السرعة التقنية والاتصال والبحث، وبما يتجاوز حدود الاستخدام البسيط إلى تحليل البيانات والخروج بالحلول والاستنتاجات الذكية.
وزاد العيسى قائلاً: “أما بما يتعلق بالاتجاه الاتصالي فإن الوزارة تسعى لترجمة جهود الدولة لرفع كفاءة الانفاق وتنويع مصادر التمويل للبرامج والمشروعات، وذلك من خلال إشراك القطاع الخاص كشريك إستراتيجي خلال المرحلة القادمة”، مؤكداً أن هذا التوجه سيتم من خلال أربعة محاور يأتي في مقدمها استمرار دعم الاستثمار في التعليم الأهلي العام والجامعي، مبينا أن نسبة التعليم الأهلي لاتزال قليلة مقارنة بالتعليم الحكومي فالتعليم الأهلي اليوم يستوعب ما يقارب 14.5 % من إجمالي أعداد الطلبة في المملكة، بينما النسبة المستهدفة هي 25 %، مبيناً أنه للوصول إلى هذه النسبة يتطلب الأمر تحسين بيئة الاستثمار وتطوير الخدمات المقدمة للمستثمرين وإزالة العوائق البيروقراطية، مع الاهتمام أيضاً برف مستوى جودة التعليم الأهلي ومزاياه التنافسية، من خلال برامج الاعتماد والجودة التي تتولاها هيئة التقويم والاعتماد في التعليم العام والعالي.
فيما يهتم المحور الثاني بتخصيص عدد من المدارس الحكومية وتحويلها إلى مدارس مستقلة، بحيث يتم تشغيلها من قبل مؤسسات اقتصادية صغيرة أو متوسطة الحجم، يؤسسها التربويون العاملون حالياً في سلك التعليم، بحيث تمثل استثمارهم في الخدمات التعليمية وفي دروس التقوية أحد عوامل النجاح تلك المؤسسات الاقتصادية، مع استمرار الوزارة في توفير المنشآت والمناهج والمعلمين هذا بالإضافة إلى الدخول في شراكة مع القطاع الخاص من خلال تمويل وتشغيل المدارس الحكومية لمحاولة للقضاء على المدارس المستأجرة، وفي محاولة لتطوير نماذج جديدة للمباني التعليمية تراعي الخصوصية المعمارية والثقافية في كل منطقة من مناطق المملكة.
بينما يركز الجزء الرابع على إنشاء شركة للاستثمار في منظومة شركة تطوير القابضة لتكون ذراعاً استثمارية للوزارة وللحكومة لاستثمار المناطق والأراضي المتميزة التابعة للوزارة مما يسهم في إيجاد مدخلات جغرافية للنظام التعليمي، تساعد على دعم البرامج والمشاريع النوعية.
وعن ذلك أوضح وزير التعليم تلك التوجهات قائلاً: “ندرس تحويل بعض المدارس الحكومية إلى مدارس مستقلة قريباً، بحيث يتم تشغيلها من خلال متخصصين في التربية ويكون لديهم الخبرات اللازمة عبر مؤسساتهم الخاصة، وذلك لتخفيف العبء الإشرافي والرقابي على الوزارة وإدارات التعليم”.
وأشار العيسى على هامش منتدى التنافسية الدولي 2016 في دورته التاسعة، إلى أن المشغلين لتلك المدارس يستطيعون الحصول على عوائد استثمارية من خلال الخدمات التي سيقدمونها في مدارسهم، مؤكداً أن التعليم سيبقى بالمجان في المدارس الحكومية، مبيناً أن هناك جدول زمني للانتهاء من المشروع لكنه لم ليكشف عنه، لافتاً في معرض إجابته للإعلاميين عن وجود فريق مخصص لتعزيز قيمة التعليم للخروج بخطوات عملية في اتجاه رفع ولاء المعلم للمهنة، لكي يصبح معتزاً بمهنته ويدافع عنها ويستطيع أن يعبر عنها في كل محفل ويفخر بها.
الخصخصة لا تعني الارتماء في أحضان الشركات الكبرى
طالب مارك كروويل نائب رئيس شؤون الابتكار والتنمية الاقتصادية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست” في الجلسة الأخيرة من فعاليات اليوم الثاني لمنتدى التنافسية الدولي 2016 بنسخته التاسعة بدعم مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية المتخصصة في تنمية أفكار رواد الأعمال لتطوير مهاراتهم ومساعدتهم للوصول للهدف المطلوب بالطرق العلمية.
وبيّن مارك أنه مضى عليه 3 أشهر ونصف في جامعة الملك عبدالله، مبيناً أنه لم يستوعب بعد كل ما يدور في مراكز البحث في الجامعات، ولكنه أكد أن لدى الجامعات السعودية هيئات تدريس تقدم التدريب في مجال الريادة للطلاب، مشدداً على ضرورة زيادة أوجه التعاون لحل وبحث العمليات التي تتم في هذا المجال لزيادة نمو الأبحاث في المجالات الريادية الواعدة، مشيراً إلى أن المملكة تتيح للشباب ورواد الأعمال المشاركة في المشروعات الحكومية وتطوير البنية التحتية.
من جانبه قال شانكر سيلغام مدير مشروع التنافسية وتنمية المشروعات في مؤسسة بابسون غلوبل، في مداخلته أثناء الجلسة: “أعتقد أن المفهوم الأساسي في مؤشر التغيرات يكمن في رفع حدة التجارة الحرة وتنظيمها لتحرير الكثير من المنتجات”، مضيفاً: “وهنا في المملكة حدث تقدم كبير في هذا المجال وتحدثنا عن هذا خلال هذا اليوم للتوصل إلى رأس المال الذي يصحبه تنافس كبير”.
وشدّد شانكر على ضرورة خفض الأسعار في منتجات الطاقة والاتصالات خصوصاً مع التنافسية الشديدة الحاصلة الآن في تلك القطاعات، موضحاً أن تشجيع الشباب لتبني أفكار ريادية في مجالات القطاعات الخدمية ذات العائد المادي الكبير والسريع في نفس الوقت مطلب مهم في الوقت الحالي، وتطرق شانكر لضرورة الانفتاح الثقافي لنأخذ ما عند الآخرين من أفكار لدمجها بثقافة المملكة، ولذلك على المملكة أن تعمل على تحفيز مواطنيها لكي يفكروا خارج الصندوق.
وأضاف شانكر: “إن المساهمة بدل من الخصخصة، مهم لإعطاء فرصة للتنافسية وهذا ينطبق على العالم أجمع، مثل إيجاد مناطق حرة للاستثمار بدل من القوائم المعروفة والتقليدية، وعلى الجانب الآخر يجب أن نكون قادرين على الاستثمار الحر”. وبين شانكر أن النظام البيئي يجب أن يعمل بشكل جيد، ويمكن أن يكون لدينا في الشركات الكبيرة شباب يفكر خارج الصندوق للابتكار ورفع حدة المنافسة في ظل التحدي الكبير الذي ستواجهه السعودية في ظل انخفاض أسعار النفط.
وأوضح شانكر أن الإقراض الحكومي في المملكة منخفض مقارنة بدولة الإمارات، حيث يجب تشجيع التنافسية عن طريق فتح المزيد من القروض الاستثمارية للمواطنين، وقال: “الخصخصة تكون بالتنافس والإبتعاد عن الإحتكار الحكومي، ولكننا في هذه الحالة سننتقل لاحتكار القطاع الخاص عبر شركاته الكبرى، وهذا ضد التنافسية، لذلك على الجهات الحكومية دعم الداخلين الجدد للسوق، وأن لا تعتمد على الشركات الكبيرة المعروفة ومنحها المشروعات التطويرية أو مشروعات البنية التحتية للمملكة”.
من جهتها، أوضحت هلا فاضل رئيسة منتدى إم اي تي لمشروعات منطقة العالم العربي، بأن منتدى التنافسية وضع من أولوياته الحديث عن العقلية الريادية والحرية الانفتاحية بالتفكير بطريقة مختلفة للتجديد والابتكار في مجال المشروعات الذكية الجديدة، مطالبة بعدم تخويف رواد الأعمال من الانخراط وفتح مشاريع جديدة ذات مغامرة معقولة.
وأشارت هلا فاضل إلى أن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية جذبت الكثير من السعوديات، وتم من خلال ذلك انفتاح وتغيير كبيران بالنسبة للمرأة وحرية اختيراهن للأعمال الريادية والمشروعات الابتكارية الجديدة، وأكدت فاضل وجود توتر بين الشباب الجديد على المشروعات، ويجب إيجاد جسور بينهم وبين المؤسسات الحكومية لكي يتواصلوا معهم ويساعدوهم على تخطي الصعوبات، مؤكدة أن مقولة “السعوديين لا يحبون المنافسة” هي مقولة غير صحيحة.