عليك أن تنهض للترفيه الآن، أو ستنال عقابك. عندما يكون الترفيه إجبارياً في بيئة العمل، كيف يؤثر هذا على معنويات الموظفين؟
في العام الماضي، عندما التحقت ماديسون درايغر بشركة هندسية لمعالجة المياه، ومقرها في سياتل بالولايات المتحدة، لم تكن تدرك أن التراشق بالبيض في فناء الشركة، أو ممارسة لعبة الـ”هولا هوب”، أو حتى تقديم دروس في تعليم جدل الشعر يمكن أن يكون جزءاً من التوصيف الوظيفي في هذه الشركة.
ومثل بقية الاجتماعات التقليدية، يعتبر حضور مثل هذه الأنشطة إجبارياً في الشركة.
ويعد الترفيه الإجباري، كما يشار إليها داخل أروقة المكاتب، من الأمور التي يُحث عليها جميع الموظفين في الشركة بقوة، حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة بعمل الشركة، أو لم تكن ممتعة، أو مصدراً مفضلا للترفيه بالنسبة لكافة الموظفين.
بعد عام ونصف من التحاقها بالشركة، ما تزال درايغر، وهي ابنة الثالثة والعشرين، غير مرتاحة تماماً لفكرة التوقف عن العمل لحضور مثل تلك الأنشطة الترفيهية. لكنها تقول إن الأنشطة القصيرة تساعدها على إقامة علاقات غير رسمية مع زملاء العمل والمسؤولين في الشركة.
وتقول درايغر عن الأنشطة التي تعقد في شركة “أوزبورن كونسلتينغ” كل يوم خميس أثناء ساعات الدوام “نشعر بأننا في نفس المستوى عندما نمارس أنشطة خارج نطاق عملنا المعتاد”.
التمارين الخارجية أو أنشطة تعزيز روح الفريق تعتبر جزءاً مهماً من اتجاه متنام لنقل الموظفين من مجرد زملاء لا يعرف بعضهم بعضاً إلى أصدقاء تنشأ علاقة الصداقة بينهم بسرعة.
المؤيدون لهذا التوجه يقولون إن البعد قليلاً عن ضغط العمل اليومي يمكن أن يكون طريقة جيدة لتعرف الزملاء على بعضهم، وللتواصل بشكل أفضل أثناء العمل.
لكن المعارضين يقولون إن هذه الأنشطة والفعاليات ليست مصدراً للمتعة والراحة على الدوام، ويمكن أن تجعل أسبوع الدوام الطويل يبدو أطول.
إضافة لذلك، يدفع الترفيه الإجباري، وكما يوحي الاسم، المرء للشعور بأنه يمارس شيئاً بالإكراه. لكن معرفة كيفية التأقلم مع هذه الأنشطة الإلزامية يمكن أن يساعدك على بناء شبكة من العلاقات الناجحة مع زملاء العمل.
يقول مارك كابلون المدير في ديلويت للاستشارات المتعلقة بتطوير وتحديث الأنشطة والمواهب في نيويورك إن “العلاقات الشخصية هي أساس عمل الفريق، وهذا يتطلب احترام الآخرين؛ بغض النظر عن موقعهم الوظيفي داخل المؤسسة”.
يقول كابلون إنه للتأكد من صحة هذا الأسلوب، فإن بطولات تنس الطاولة على مستوى الشركة كانت وما تزال جزءاً أصيلاً من عمل الشركات المبتدئة، لكن الشركات الأكبر والأقدم تستثمر الآن في تطبيق مفهوم أكثر استراتيجية لربط الموظفين ببعضهم بطريقة غير رسمية.
ويضيف كابلون أن “هناك بنية تحتية أكبر، وعمليات كثيرة تدور” في الشركات الأكثر رسوخاً، وهو ما يزيد الحاجة إلى أنشطة ترفيهية يتم تخطيطها مسبقاً.
وفي المؤسسات الأكبر، ربما يكون مسؤولك مقيماً في باريس بينما يقيم الآخرون في مناطق مختلفة من حيث التوقيت، ولذلك فإن الحاجة إلى نشر روح الفريق بإنشاء روابط أقوى باتت أمرا أكثر أهمية، كما يقول كابلون.
لكن عندما تصبح المشاركة في الترفيه إجبارية، فمن الممكن أن يشعر الموظفون بالاستياء نتيجة الحاجة إلى تجاوز الالتزام بالمواعيد النهائية المحددة لإنجاز الأعمال المختلفة في سبيل القيام بما يشعرون أنه أقل أهمية.
وهناك آخرون ببساطة لا يرغبون في قضاء وقت مع زملاء عمل يرونهم في الأساس 40 ساعة في الأسبوع داخل مكاتب العمل.
وبكل صراحة، لا يعتبر الترفيه الإجباري أمراً ممتعاً بالنسبة لبعض الناس بغض النظر عن رأيك فيه. ليس كل الناس تهمهم مسابقات كرة السلة، أو قضاء ساعة للاسترخاء والأكل أثناء العمل.
وتقوم فيرونيك جيمس، المديرة التنفيذية بشركة الإعلانات “جيمس إيجنسي” في أريزونا بالولايات المتحدة، باستضافة عدد من الأنشطة الترفيهية كل شهرين بدلاً من كل أسبوعين، لكي تجعل هذه الأنشطة أكثر جاذبية.
ويتم إبلاغ الموظفين بالجدول قبل شهر من تنظيم أي نشاط ترفيهي، لكن يتعين عليهم الحضور.
وترصد جيمس كل عام مبلغ 20 ألف دولار لتمويل تلك الأنشطة، والتي تعتبر جزءاً من علاوات الموظفين لأغراض ضريبية.
وقد مارس الفريق المكون من 30 موظفاً في شركتها أنشطة تتراوح بين الغطس في حوض سباحة مغلق، وتقديم دروس في الرقص، ورياضة الترابيز أو التأرجح سوية في ساعات ما بعد الظهر.
وتقول جيمس “كلنا نواجه صعوبة في التعامل مع موظفينا، لكن هذه الحواجز تنهار عندما نمارس أنشطة ترفيهية مع بعضنا البعض”.
وهي كذلك تنظر إلى جانب إيجابي آخر، فالاستثمار في الترفيه الإجباري ساعد جيمس في الاحتفاظ بالموظفين. وتضيف قائلة “خلال ساعات العمل هناك آليات العمل كفريق بسبب القدرة على الارتباط والتواصل من خلال تجربة فريدة من نوعها، وأصبح الموظفون مترددين في ترك وظائفهم لأنهم بنوا صداقات جيدة”.
وتقول أيضاً إنها تعي أهمية وقت الموظفين، ولذلك تراعي عدم تنظيم أنشطة خارج ساعات الدوام.
سلبيات الترفيه الإجباري
لكن بعض الدراسات تحذر من الاقتراب كثيراً من زملاء العمل. فقبل ثلاث سنوات أجريت دراسة على رسائل بريد إلكتروني لـ180 فريق عمل، ممن اشتغلوا في شركة كندية واحدة، لتتبع فعالية الفريق في عدد من دوائر العمل.
وقد تميزت أفضل فرق العمل من حيث الفعالية والأداء بمستوى عال من الترابط والعلاقات الوثيقة بين الموظفين، وهو ما تساعد الأنشطة الترفيهية على تحقيقه.
لكن فرقاً أخرى تميزت بترابط وثيق جداً بين أفرادها كانت أقل نجاحاً، بحسب شون وايز، أستاذ تنظيم الأعمال بجامعة رايارسون، وهو من أجرى هذه الدراسة.
وقد تبين أنه في بعض الأحيان يمكن للأنشطة الجماعية أن تطمس معالم التغييرات والبيئة المطلوبة لتحسين ثقافة العمل بصورة يومية.
يقول كابلون من شركة ديلويت “اللقاءات الاجتماعية لا تساعد على معرفتك بجذور القضايا الثقافية”.
فبدلاً من تنظيم حفلات العشاء، أو فترات الاستراحة المصاحبة لتناول الطعام أو الشراب، يعمل كابلون مع الشركات لكي تظهر للموظفين كيف تقدر عملهم أثناء قيامهم بالعمل.
فعلى سبيل المثال، التأسيس لثقافة العمل لساعات منتظمة بدون الحاجة إلى مراجعة البريد الالكتروني أثناء الليل، يمكن أن يساعد على تبديد الشعور بالاستياء عندما يدعى الموظف للمشاركة في أنشطة لا تتعلق بالعمل، كما يقول.
ومثل ذلك، بدلاً من جعل النشاط إجبارياً، يقترح كابلون إعطاء الموظفين الحرية في اختيار النشاط الذي يرغبون في حضوره لتقليل الضغط على زملاء العمل. فعندما تعرف أن لك الخيار فهذا يجعل لديك رغبة في أن تختار نشاطاً تشعر فيه بالمتعة.
وكذلك استخدم غياب الموظفين عن مثل تلك الأنشطة من أجل معرفة المزيد عنهم. فعدم حضور الموظفين لأحد الأنشطة الإجبارية يمكن أن يعتبر بمثابة مقياس للسعادة أو الضغط الذي يشعر به الموظفون، ويفيد في معرفة أفضل السبل لمعالجة مشاكل المؤسسة الأكثر عمقاً، كما يضيف كابلون.
ففي الوقت الذي يمكن أن تنظم أنشطة اجتماعية خارج ساعات العمل، فإن من المفيد استضافة أنشطة أطول خلال ساعات الدوام.
في شركة “جيمس إيجينسي”، كل نشاط من الأنشطة يسمح بالمشاركة على أكثر من مستوى.
على سبيل المثال، اضطر ثلاثة موظفين ممن يخافون من الأماكن المرتفعة خلال رحلة ركوب للمنطاد، نظمت في الآونة الأخيرة، إلى ركوب الحافلة التي تلاحق المنطاد للاحتفال بهبوط الموظفين الآخرين على الأرض، كما تقول جيمس.
وهي تراعي تنظيم أنشطة للجميع تجعل من السهل عليهم المشاركة بها، بغض النظر عن مستوى اللياقة أو غيرها من القيود.
وتقول في هذا الصدد “الأنشطة التي ننظمها لا تقوم على أساس إما أن يشارك الجميع أو لا”.
أما بالنسبة لدرايغر، فمنذ بداية تأسيس الشركة أوضحت للموظفين ضرورة حضور أكبر عدد ممكن من الأنشطة الإجبارية، وهي سياسة ساعدتها على التأقلم مع بيئة الفريق الصغير.
وتعتبر الأنشطة أيضا مناسبة للحوارات الجانبية التي تصدر عن الموظفين فيما يتعلق بالعمل. فإذا لم تحضر، “يتكون لديك انطباع بأنه فاتك شيء مهم وأنك أنت الخاسر”، كما تقول درايغر.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-e04