نشرت صحيفة “البايس” الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن اهتمام العلماء المتزايد بالبحث عن أصل الأورام في المرحلة الجنينية أو في مرحلة الجنين الحي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن مرض السرطان تفشى بشكل ملحوظ بين الأطفال، حيث أثبت التشخيصات أن ما بين ألف وألف و500 طفل يصابون سنويا بالسرطان في إسبانيا، وتتراوح أعمارهم بين تاريخ ولادتهم مباشرة و14 سنة.
بالنظر إلى هذه المعطيات، تتولد الكثير من الأسئلة لدى الآباء حول الأمور التي قاموا بها والأخرى التي تغافلوا عنها التي أدّت إلى إصابة الجنين بالسرطان. ويشعر الوالدان بالذنب عند سماع نتيجة التشخيص، وعادة ما يرون أنه كان بإمكانهما العثور على طريقة ما تجنب الطفل الإصابة بهذا المرض.
وأضافت الصحيفة أن فئة أخرى من الأولياء يطلبون من المختصين تحديد العوامل المتسببة في إصابة الطفل بالسرطان. وفي الواقع، يتوق الخبراء إلى إيجاد تفسير واضح من شأنه أن يجيب عن هذا التساؤل، نظرا لأن الإجابة ستساعد ببساطة في القضاء على هذا المرض وعواقبه الوخيمة على الأفراد.
وأشارت إلى أن العلم لا يزال غير قادر إلى الآن على تحديد الأسباب التي تساهم في تطوّر سرطان الطفولة، باستثناء بعض الأورام التي تظهر لأسباب وراثية أو المرتبطة بأمراض أخرى لدى الطفل. ولكن العلماء لا يشكون في ضرورة البحث بشكل معمُق في أسباب إصابة الطفل بالسرطان، بل ويسعون أيضا إلى التوصل إلى طرق تقي الطفل من السرطان حتى قبل الولادة.
وأوردت الصحيفة أن الجنين الحي يعتبر المرحلة الأكثر أهمية في حياة الإنسان. وحسب أوسكار فرنانديز كابيتيلو، عالم الكيمياء الحيوية ورئيس مجموعة عدم الاستقرار المجيني في المركز القومي لبحوث السرطان، فإن مرحلة الجنين الحي تعتبر “اللحظة التي تنقسم فيها الخلايا أكثر من مرة، والتي يجب على الأم أن تحمي نفسها خلالها بشكل أفضل لتفادي المشاكل الصحية، حيث تولد كل خلية من الخلايا المزيد من الخلايا عندما يتطور الجنين”.
ونقلت عن فرنانديز كابيتيلو أنه “إذا تعرضت إحدى هذه الخلايا إلى الضرر، فإن الأمر يتطور حتى تصاب كل الخلايا الأخرى المنبعثة منها بالضرر نفسه. وفي حين أن هذا الأمر لا يتخطى بعض الخلايا القليلة عند البالغين، تتعرض حوالي مئات الآلاف من الخلايا إلى الضرر بالنسبة للجنين”. ومنذ التسعينيات، سُلط الضوء على مدى تأثير المرحلة الجنينية على بقية مراحل حياة الإنسان، في إطار مفهوم البرمجة داخل الرحم، والمعروف أيضا باسم فرضية باركر، التي أاكتشفت عند التحقيق في أمراض التمثيل الغذائي مثل السكري.
وأوضحت الصحيفة أن فكرة البحث تتمحور أساسا حول تحديد المشاكل الصحية التي يعاني منها الجنين، والتي يمكن أن تؤثر عليه سلبا في فترة البلوغ. من جهته، صرّح فرنانديز كابيتيلو، الذي اكتشف فريقه البحثي سنة 2009 العلاقة بين عملية التطور الجنيني والشيخوخة المبكّرة، أنه “وفقا لنظرية باركر، فإن الأمهات اللاتي يعانين من مشاكل في التمثيل الغذائي، من الوارد جدا إصابة أطفالهن بالمرض نفسه بعد سنوات عديدة، ولعل مسألة مشاكل التمثيل الغذائي تعد الأكثر بحثا ودراسة في هذا المجال”.
وذكرت الصحيفة أن خايمي فونت دي مورا، رئيس مجموعة أبحاث التجارب السريرية والتحويلية في أحد معاهد فالنسيا، أوضح أن الأكل الذي تتناوله الأم خلال فترة الحمل يؤثر بشكل واضح على صحة الجنين، ويؤدي إلى ظهور بعض المشاكل الصحية. وأكد دي مورا أنه “حتى قبل الحمل نفسه، يحدد نمط حياة الأم مدى نضوج بويضاتها التي تكونت عندما كانت هي بدورها جنينا في رحم أمها، حتى تنضج بشكل نهائي قبل عملية الإخصاب”.
وتجدر الإشارة إلى تأثيرات السموم والمبيدات الحشرية التي كانت تستخدم على نطاق واسع في الزراعة في الماضي وتم حظرها لعقود، تظل متواصلة على مر الأجيال حتى بعد توقف استخدام هذه المواد. ومع ذلك، يرى دي مورا أن التأثير الرئيسي في مسألة سرطان الأطفال يعود إلى تغييرات عفوية بطريقة طبيعية لا يزال العلماء يحاولون توضيحها.
وبيّنت الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة، سمحت التطورات العلمية للباحثين بأن يعتبروا البيئة عاملا رئيسيا في ظهور أنواع عديدة من السرطان. وفي هذا الصدد، أجريت دراسة تابعة لجامعة برمنجهام في الولايات المتحدة حول الظروف البيئية لحوالي 2500 طفل توفوا بسبب مرض السرطان.
وقد أحدثت هذه الدراسة ثورة في مجال البحوث المتعلقة بالتلوث البيئي وعلاقته بسرطان الطفولة، الأمر الذي يشير إلى ضرورة مزيد من إحكام السيطرة على مراكز انبعاث الملوثات، وخاصة البوتادين وأول أكسيد الكربون.
وأوضحت الصحيفة أن أغلبية أورام الأطفال تنشأ في مرحلة التطور الجنيني، وهي المرحلة نفسها التي يمكن أن تحدث فيها بعض الطفرات المهمة التي قد تؤدي لتطور السرطان عند البالغين. لذلك، من المنطقي التحدث عن الوقاية من السرطان قبل الولادة. وعموما، يعتبر مرض السرطان نتيجة لما يسمى الطفرات الجينية، كما ثبت أن المظهر الوراثي للسرطان يمكن أن ينشأ قبل سنوات من تشخيصه.